بعد رد الحرس الثوري.. إلى أين سيصل التوتر بين إيران وإسرائيل؟
لقد تسبب التوتر الناجم عن الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي شنتها إيران على إسرائيل في جولة جديدة من المخاوف بشأن حرب الروايات والغموض في قرار إسرائيل بشأن كيفية الرد على هذه الهجمات.
لم يعد الشعب الإيراني قلقًا بشأن طعامه أو أسلوب حياته فحسب، بل يتعين عليه أيضًا القلق بشأن الحرب بين الحين والآخر.
إن المرشد علي خامنئي في إيران وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، رغم أنهما في هيكلين سياسيين مختلفين، إلا أنهما جعلا مصير شعبي البلدين والمنطقة رهينة لرغباتهما الشخصية.
أنا مواطن إيراني وبالطبع فإن خطابي موجه للنظام الإيراني.
لو كنت مواطناً إسرائيلياً، لقلت لحكومتي، كشخص ديمقراطي، إنها يجب أن تتجه نحو السلام من خلال قبول الحقوق القانونية للفلسطينيين في إطار قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين، حتى يتم تجفيف أحد جذور الحرب وانعدام الأمن في المنطقة.
لقد تسبب خامنئي وسياساته الخارجية اللاوطنية، والداخلية المناهضة للشعب في خلق جميع مشكلات الشعب الإيراني.
ورغم تحذيرات كل من يهمه أمر الشعب والوطن من المعارضة، شهدنا يوم السبت 13 أبريل (نيسان) قرار خامنئي بإطلاق الصواريخ.
نحن نعلم أن سياسة الحكم في إيران، بما في ذلك السياسة الخارجية، ليست ديمقراطية ولا فعالة؛ ولا يتفق معها غالبية الشعب، كما أنها لم تجلب الرخاء والأمن للإيرانيين.
لقد كان نظام الجمهورية الإسلامية دائما أسير شعاراته. يقول شعراً وتصعب عليه قافيته، وتعمل عقلانيته وحتى مصلحة نظامه بشكل متأخر. والنتيجة هي أخذ الرهائن، والحرب، والملف النووي، والسياسة المناهضة لأميركا، وشعار القضاء على إسرائيل، الذي أصبح أكثر تكلفة على شعبنا وبلدنا من كل ما سبقه من الشعارات.
مقياس ومعيار جميع البشر والحكومات الطبيعية هما التكلفة والمنفعة والمصالح الوطنية. لا يزال الحزب الشيوعي في السلطة في فيتنام. لقد كانوا، من قبل، في حالة حرب مع الأميركيين لسنوات. وقتل الأميركيون عدة ملايين من الفيتناميين، وقتل الفيتناميون عشرات الآلاف من الأميركيين، لكنهم الآن يتفاعلون مع الولايات المتحدة على أساس مصالحهم الوطنية. لكن مقياس ومعيار حكام النظام الإيراني مختلفان.
وبالطبع لا ينبغي أن نتجاهل عنصر العناد في شخصية خامنئي في مثل هذه القرارات. وكان خامنئي آخر من قال إنهم هاجموا أراضينا (هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية).
في واقع الأمر، خامنئي حذر للغاية فيما يتعلق بمنفعة النظام. إنه ليس شخصاً يريد الصمود حتى النهاية مثل القذافي أو صدام. كما أن لديه تجربة حرب الثماني سنوات والاقتصاد المدمر. صحيح أن السياسة الخارجية للنظام الإيراني مناهضة لأميركا ومعادية لإسرائيل، وتسعى أيضاً إلى خلق "هلال شيعي"، لكن الحفاظ على النظام يعتبر أهم الواجبات. وهذا المبدأ ينقض المبدأين السابقين.
وبحسب إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قُتل في عام 2023 ما مجموعه 152 من قوات الحرس الثوري الإيراني، وقُتل 123 منهم على يد الإسرائيليين في نفس الأشهر الثلاثة من عام 2024. وحتى الآن، لم ترد إيران بشكل مباشر على هذه الهجمات بصبر استراتيجي.
في رأيي، كانت هذه العملية في الأصل من أجل الراحة النفسية لنظام ولاية الفقيه ووكلائه واستعادة كرامة الجمهورية الإسلامية المهانة.
حرب الروايات
الآن نواجه الكثير من الأخبار الكاذبة في وسائل الإعلام التي تحكي عن النصر. وقد عبر البيانان الأول والثاني للحرس الثوري الإيراني، الذي ادعى أن العملية كانت ناجحة حتى قبل وصول الطائرات المسيرة والصواريخ إلى إسرائيل، عن هذه السياسة.
والآن انتهت العملية التي لا تختلف نتائجها عن "عملية عين الأسد"، والتي كانت أكبر قليلاً مما توقعه الجميع، وبدأت حرب الروايات.
وبحسب أخبار الجيش الإسرائيلي، فقد تم تحييد جميع الطائرات المسيرة وصواريخ كروز تقريبًا قبل وصولها إلى الهدف، وبالطبع، سقط عدد من الصواريخ الباليستية في إسرائيل، بما في ذلك قاعدة "نافاتيم"، التي يقول الإسرائيليون إنها لم تسبب ضرراً كبيراً.
ويأتي احتفال إيران بانتصارها بينما أصيبت فتاة عربية إسرائيلية صغيرة فقط في هذه العملية بسبب شظايا الصواريخ الإسرائيلية المضادة للصواريخ، وقد تفقد حياتها.
إن نظام ولاية الفقيه يتظاهر بالقوة ليقول للقوات الموالية له ووكلائه إننا رددنا أيضاً على إسرائيل التي قتلت قادتنا العسكريين، وبهذه الطريقة، استخدم دعاية مبالغ فيها، معظمها أكاذيب، على غرار ما فعله في الهجوم على "عين الأسد".
وكمثال على ذلك، فإن قناة "ضباط الحرب الناعمة" على "تليغرام" كتبت أن 44 ضابطا قتلوا في قاعدة "نافاتيم" في إسرائيل، وأن 18 شخصا في حالة خطيرة!
ومن ناحية أخرى، يعرف الرأي العام الإيراني بذكاء أن دعاية النظام الإيراني لا أساس لها من الصحة ويواجهها بالفكاهة.
يقول البعض إن خسائرنا في احتفال الأربعاء الأخيرة (جهارشنبه سوري) من السنة الإيرانية (انتهت في 19 مارس/آذار الماضي) كانت أكثر من هجوم طهران على إسرائيل، أو يقولون إن إيران لو صدرت سيارة "برايد" إلى إسرائيل لكانت قد تكبدت المزيد من الضحايا!
مَن المستفيد من هذا الهجوم؟
ورغم أن إيران تتظاهر بالقوة وتقول بشكل مبالغ فيه إنها طعنت إسرائيل طعنة عميقة، إلا أن ما فعلته يشبه البصق أو الصفع على وجه خصم قوي، وهو وإن لم يصبه بأذى، إلا أنه أهان كرامته.
ولم تتعرض سماء إسرائيل لهجوم بالصواريخ منذ عدة عقود. لقد مر شعب إسرائيل بليلة مخيفة. ويبدو أن الهجمات الواسعة بالطائرات المسيرة والصواريخ يصعب تحملها من قبل السلطات الإسرائيلية، التي كانت ترد دائماً بقبضة حديدية على كل من يختلس النظر إليها، واليوم تدعوها الولايات المتحدة وغيرها إلى التحلي بالصبر الاستراتيجي.
ومن النتائج السياسية لهذا الهجوم أن نتنياهو خرج جزئياً من وطأة الضغوط التي تعرض لها للقبول بوقف إطلاق النار في حرب غزة وعدم مهاجمة رفح، وبدأ الغربيون في دعم إسرائيل مرة أخرى. وداخل إيران، أخذ النظام الإيراني يمارس المزيد من الضغوط على النساء في الشارع.
وتظهر هاتان القضيتان أن الظروف غير العادية والصراع العسكري والحروب عادة ما تنتهي لصالح المتطرفين والديكتاتوريين.
والسؤال الرئيسي الآن هو: ما هي الخطوة التالية التي ستتخذها إسرائيل؟ إذا كانت الخطوة التالية لإسرائيل هي مواصلة الصراع (خاصة في وضع لم تحدث فيه أضرار جسيمة أو خسائر بشرية)، فهذا يشير إلى أن الهجوم الاستفزازي على قنصلية إيران كان فخًا، والآن يحاصر خامنئي إيران فيه.
ماذا سيحصل؟
الكرة الآن في ملعب الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو. وتمارس القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، الضغوط على إسرائيل لمنع استمرار هذا الصراع المدمر للمنطقة بأكملها.
ولعل الأهم من عملية إيران هي المواقف التي أعلنها رئيس هيئة الأركان المشتركة، وكذلك قائد الحرس الثوري الإيراني الذي قال: "لقد قررنا إنشاء معادلات جديدة. وأضاف: "من الآن فصاعدا، إذا اعتدى النظام الصهيوني على مصالحنا وممتلكاتنا وشخصياتنا ومواطنينا في أي وقت، فسنرد عليه من داخل إيران".
وهذا يعني فصلاً جديداً في الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل.
إذا أراد الإسرائيليون الاستمرار في اغتيال قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، وفقًا للتصريح المهم الذي أدلى به حسين سلامي، القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، باعتباره قرارًا استراتيجيًا جديدًا للنظام الإيراني، فإن هذا التحدي يمكن أن يتكثف تدريجيًا ويؤدي إلى مزيد من التوترات وحتى الحرب.
ربما لا يمانع نتنياهو وحكومته المتطرفة في استمرار هذا التوتر إذا كان يؤدي إلى إطالة عمر هذه الحكومة، لكن الضغوط العالمية تتجه إلى نتنياهو من أجل الصبر الاستراتيجي.
في هذه الأثناء، فُتح مجال جديد للمعارضة الإيرانية لاتخاذ موقف استراتيجي صحيح، بعيداً عن الصدامات العاطفية.
عارضت معظم القوى الوطنية الصراع العسكري والحرب. لكن لسوء الحظ، يرحب جزء من المعارضة بالصراع العسكري وتعزز الوهم بأن الحرب ستغير النظام.
ربما لو كان هناك حراك مليوني قوي في شوارع إيران لكانت الأحداث قد سارت في اتجاه مختلف، لكن الحرب في الوضع الحالي وتوازن القوى الاجتماعية في البلاد، ليس لها أي عواقب سوى مزيد من الدمار، والموائد الفارغة، وسبل العيش الأكثر صعوبة، والنظام الأكثر وحشية، والقمع الأكثر شدة للمجتمع المدني، وحركات الاحتجاج في الشوارع.
إن الشعار المناسب لكل القوى الوطنية الحقيقية يمكن الآن أن يكون: "السلام في المنطقة والحرية والديمقراطية لإيران".