إيران.. استمرار"الصبر الاستراتيجي" بدلًا من "الانتقام الصعب" من إسرائيل

تعرضت المنشآت النووية الإيرانية، خلال السنوات الأخيرة، لهجمات إلكترونية وهجمات بطائرات مسيرة عدة مرات، كما لقي بعض قادة الحرس الثوري الإيراني البارزين مصرعهم إثر غارات جوية في سوريا أو بوسائل أخرى في إيران.

ولا تقتصر الهجمات السيبرانية، التي تشنها إسرائيل، على المنشآت النووية الإيرانية، ولا تعلق إسرائيل عادة على هجماتها ضد إيران، ونادرًا ما أكدت تل أبيب أو نفت مثل هذه الهجمات.

وشكل انفجاران في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الإيرانية، في منتصف فبراير (شباط) الماضي، تهديدًا خطيرًا لأمن الطاقة في إيران؛ حيث حمَّل وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، إسرائيل مسؤولية انفجار خطوط أنابيب الغاز في محافظات: فارس وجهارمحال وبختياري، واصفًا إياه بالعمل الإرهابي.. وتبين لاحقًا أن هذه الانفجارات كانت نتيجة هجوم سيبراني.

7 أكتوبر وتزايد التوتر في المنطقة

دخل الشرق الأوسط، خاصة منطقة البحر الأحمر، مرحلة جديدة من التوتر والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة، بعد هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ولم تؤثر هجمات الحوثيين على السفن وناقلات النفط في البحر الأحمر وخليج عدن على أسواق الطاقة العالمية فحسب، في أعقاب الرد الإسرائيلي على هذه الهجمات، بل أدت أيضًا إلى زيادة مخاطر سلاسل التوريد العالمية.
وأظهر الحوثيون، باعتبارهم أحد وكلاء إيران، أنفسهم كعامل في المعادلات الإقليمية، من خلال خلق حالة من انعدام الأمن في هذه المنطقة، وسعت طهران بالمقابل من خلال الحوثيين إلى الحصول على تنازلات من الغرب.

مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا

دخل التوتر في المنطقة، مرحلة جديدة بعد مقتل قادة كبار بالحرس الثوري الإيراني في هجوم إسرائيل على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الإثنين الأول من أبريل (نيسان). ويعتقد بعض الخبراء أن هذه الغارة الجوية تسببت في عودة اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام من غزة إلى إيران لفترة من الوقت.

ويرى مراقبون أن تصفية قادة فيلق القدس والمجموعات التابعة لإيران في المنطقة، ليست نتيجة الأحداث التي تشهدها المنطقة، على سبيل المثال، لا تقتل إسرائيل قادة الحرس الثوري الإيراني ردًا على هجمات الصواريخ الباليستية الحوثية، لكن إسرائيل تستهدفهم وفقًا للخطط وبشكل تدريجي، حتى لا تتمكن الجمهورية الإسلامية من الرد على الهجمات الإسرائيلية بشكل قوي.

رد إيران المحتمل على مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني بدمشق

بعد مقتل قاسم سليماني في بغداد، في يناير (كانون الثاني) عام 2020، إثر هجوم شنته القوات الأميركية، كان من المتوقع أن ترد إيران بقوة شديدة على هذا الهجوم، وكانت قاعدة عين الأسد، مقر القوات الأميركية في غرب العراق، هدفًا للهجمات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني، رغم أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أعلن لاحقًا أن إيران أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ هذه الهجمات، وأن هذه الهجمات كانت للاستهلاك المحلي فقط.

وكانت الهجمات على المصالح الإسرائيلية في المنطقة أحد خيارات إيران في السنوات الأخيرة، وزعم الحرس الثوري الإيراني، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه استهدف "مراكز تجسس" إسرائيلية في إقليم كردستان العراق بالصواريخ الباليستية.

وطالبت بعض الجماعات والتيارات السياسية الإيرانية، بمن في ذلك أعضاء سابقون بالبرلمان، باستهداف السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأذربيجانية، باكو، بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية وضعف موقف إيران في القوقاز.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين إيران وأذربيجان كانت متوترة في السنوات الأخيرة، فإن أي هجوم من قبل إيران على السفارة الإسرائيلية في باكو لن يؤدي إلى تفاقم العلاقات بين طهران وباكو فحسب، بل سيؤثر أيضًا على علاقات تركيا- حليفة أذربيجان- مع إيران.

الانتقام الصعب أم الصبر الاستراتيجي؟

إن دخول حرب شاملة مع إسرائيل أو أي دولة أخرى، ليس في مصلحة نظام الجمهورية الإسلامية، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي السيئ لإيران واستمرار العقوبات.

وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى النظام الإيراني، لعدم رده على الهجمات الإسرائيلية والهجمات في كرمان خلال مراسم الذكرى السنوية لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، إلا أنه يبدو أن قيادة النظام في الوضع الحالي ترجح ما بات يعرف بـ "الصبر الاستراتيجي" على الانتقام.

وعلى الرغم من تزايد التوتر الإقليمي الناجم عن توسع الصراعات، التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وبعد مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فيبدو أن إيران تتمسك بما يعرف بـ "الصبر الاستراتيجي" أمام التحديات القائمة.

موقف أميركا من التطورات الإقليمية

واجهت سياسة استرضاء إدارة بايدن مع إيران، في السنوات الأخيرة، ردود فعل غاضبة من الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والكونغرس الأميركيين. وتسببت أزمة الطاقة وارتفاع أسعار ناقلات الوقود في الولايات المتحدة وزيادة التضخم في إعطاء حكومة بايدن الضوء الأخضر لزيادة بيع النفط الإيراني في السوق، رغم استمرار العقوبات.

وأعلن وزير الخارجية الإيراني، أمير عبداللهيان، بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، أنه بعث بـ "رسالة مهمة إلى أميركا"، وأكد أنه تم استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية لإرسال هذه الرسالة.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ردًا على تصريحات المسؤولين الإيرانيين وقادة الحرس الثوري: "لم يكن لنا أي دور في هجوم دمشق".

وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة والحاجة إلى استمرار الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، فإن حكومة الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ بشأن الصراع بين إيران وإسرائيل، أو عملاء طهران في المنطقة، كما لا ترغب إيران بالدخول في صراع مباشر مع إسرائيل، رغم رفعها مستوى التهديدات ضد تل أبيب والايات المتحدة.

كيف سيكون الرد الإيراني المحتمل؟

إن تزايد التوتر بين إيران وإسرائيل سيفقد قضية غزة أهميتها في نظر الإعلام والمجتمع الدولي، وهذا لصالح حكومة نتنياهو، كما أن إسرائيل لا تريد صراعًا واسع النطاق مع إيران وتفضل ردودًا واضحة على السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية من خلال استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات التابعة لطهران من وقت لآخر. وبهذا الإجراء، سيتم تقليل حجم الهجمات المحتملة التي تشنها القوات التابعة للنظام الإيراني في المنطقة على مصالح إسرائيل.

ويبدو أننا سنشهد زيادة في الهجمات الصاروخية الحوثية على المواقع الإسرائيلية على المدى القصير؛ ومع ذلك، فإن معظم الهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون لا يمكن أن تسبب أضرارًا كبيرة لإسرائيل؛ بسبب بُعد المسافة ونظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.

والخيار الثاني قد يكون هجمات بطائرات مُسيّرة من قِبل الحوثيين وحزب الله على إسرائيل. ولم يدخل حزب الله اللبناني في صراع شامل مع إسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لأن إضعاف هذه المجموعة يعرض مصالح إيران في المنطقة للخطر.

وربما تفكر إيران، أيضًا، في شن هجمات صاروخية على إقليم كردستان العراق لتخفيف الضغط الشعبي والرد على الأصوليين، لكن على أي حال، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإيرانية لا تسمح بصراع عسكري شامل مع إسرائيل، ولذلك قد نشهد استمرار سياسة الصبر الاستراتيجي.