سياسة طهران الخارجية في العام الإيراني الجديد.. الوضع لن يتحسن
هل سيتحسن وضع السياسة الخارجية الإيرانية في العام الشمسي الإيراني الجديد 1403 (يبدأ في 20 مارس/آذار الجاري)؟ الإجابة المختصرة هي أنه إذا لم يتدهور الوضع إلى الأسوأ، فإنه لن يكون أفضل من العام السابق.
فخلال العامين الأخيرين، أي 1401 و1402 (2022 – 2023)، كانت إيران معزولة أكثر من أي وقت آخر في العقد الماضي لأسباب مختلفة. الوقف الكامل لمفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والعقوبات الجديدة على إرسال طائرات عسكرية مسيرة إلى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، واستبعادها من لجنة وضع المرأة الأممية، والقرارات المتتالية لحقوق الإنسان بسبب الانتهاكات الحقوقية، وأخيرا، تشكيل لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
لكن هل تستطيع إيران أن تخرج نفسها من هذه العزلة في عام 1403 الشمسي (2024-2025 م)؟
يحاول هذا المقال تحليل عملية التقدم أو التراجع في العام الجديد من خلال الفصل بين المجالات المختلفة للسياسة الخارجية الإيرانية.
الاتفاق النووي والبرنامج النووي الإيراني
بعد انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بدأت إيران أيضًا في انتهاك التزاماتها النووية. ومع ذلك، بفوز بايدن في الانتخابات الأميركية عام 2020، بدأت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، بينما كانت حكومة حسن روحاني لا تزال تعمل.
وأدى سوء تقدير المرشد علي خامنئي ومستشاريه، الذين اعتقدوا أن بايدن على استعداد لإحياء الاتفاق النووي بأي ثمن، إلى تقييد أيدي المفاوضين.
وقد قلصت الشروط الإيرانية القاسية وغير المقبولة رغبة حكومة جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي. والآن يمكن التنبؤ بأن المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق خلال العام الإيراني المقبل (1403)، لن تحقق أي إنجازات خاصة.
وبدلاً من ذلك فإن الأزمة بين النظام الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية من المرجح أن تستمر في العام المقبل. ولم ترد إيران على أسئلة الوكالة فيما يتعلق بالضمانات.
إن الأسئلة حول اكتشاف اليورانيوم بعدة أماكن في إيران ليست مسألة يمكن حلها دون إجابة صحيحة وفنية. كما تتجنب طهران تقديم إجابة فنية لأنها لا تريد توضيح مصير تلك المواد الانشطارية.
لذلك، من المتوقع أن تتدهور العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بانتهاكات الاتفاق النووي وضمانات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
العلاقة مع الجيران
إن تدخل إيران في المنطقة دفع هذا النظام إلى العداء مع بعض الجيران لعقود من الزمن. وفي العام الماضي، كانت حماس والحوثيون في طليعة خلق الأزمات بالمنطقة.
وهجوم الحوثيين على السفن التجارية بالصواريخ والطائرات المسيرة لم يكن شيئاً تتجاهله الدول الغربية.
وهناك مؤشرات على استعداد إيران للسيطرة على الحوثيين من أجل تحقيق سلسلة من التنازلات. أحد هذه التنازلات التي تتوقعها طهران من الولايات المتحدة هو الضغط على إسرائيل لإنهاء عملياتها في غزة.
أتوقع أنه في العام الإيراني المقبل (1403) ستكون هناك تغييرات كبيرة في عمليات الحوثيين؛ إذا حصلت إيران على تنازلاتها، فسيتم السيطرة عليهم، وإذا لم تفعل ذلك، فسوف يقومون بتوسيع عملياتهم.
مشكلات لجنة تقصي الحقائق
عندما تم تقديم طلب لتشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء قمع الانتفاضة الشعبية "المرأة، الحياة، الحرية"، بذلت إيران قصارى جهدها لمنع الموافقة على مثل هذا القرار.
وتظهر وثيقة مسربة أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك، علي شمخاني، حذر خامنئي من عواقب تشكيل لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في رسالة بتاريخ 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 مصنفة على أنها "سرية للغاية".
وكتب أن تشكيل لجنة تقصي الحقائق هذه يمكن أن يمتد ليشمل مسألة عمليات الإعدام في ثمانينيات القرن الماضي.
والآن تدخل إيران العام الشمسي الجديد (1403) في وقت اتهم فيه تقرير لجنة تقصي الحقائق هذا النظام بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، وطالب الدول المختلفة باستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم. ويمكن أن تسبب هذه القضية مشكلات خطيرة لمسؤولي النظام الإيراني في المستقبل القريب.
وإذا دخل أحد مرتكبي الجرائم ضد الشعب الإيراني، واسمه مدرج في القائمة السرية للجنة، إلى البلدان الحرة، فقد نرى محكمة مثل محكمة حميد نوري في المستقبل القريب.
العلاقة مع الغرب
وفي العامين الماضيين، لم تفشل المحادثات مع أميركا فحسب، بل وصلت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى أدنى مستوياتها في العقد الماضي.
وفي يناير (كانون الثاني) 2024، حاولت إيران التفاوض "بشكل غير مباشر" في مسقط بوساطة عمان.
وبحسب تقرير "نيويورك تايمز"، لم يقتصر الأمر على عدم التوصل إلى اتفاق في هذه المفاوضات فحسب، بل بعد ساعات قليلة من مغادرة الممثلين الأميركيين للاجتماع، استهدفت الولايات المتحدة مواقع الحوثيين بغارات جوية في 18 يناير (كانون الثاني) 2024، وبعد ثلاثة أسابيع، هاجمت قواعد الجماعات التي تدعمها إيران في العراق وسوريا.
والأوروبيون الغاضبون من قيام إيران بإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا واستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، لا يتمتعون بالمرونة السابقة فيما يتعلق بطهران.
ولا يوجد احتمال لحل وشيك لهذه القضية، ولا يبدو أن إيران ستتمكن من إعادة بناء علاقاتها مع الغرب قريبا.
تقييم
إن كل المشكلات التي تعاني منها إيران في مجال السياسة الخارجية هي نتيجة منطقية لسياساتها المثيرة للأزمات.
ولا يقتصر الأمر على عدم وجود إرادة لحل هذه الأزمات من جانب النظام الإيراني، بل حتى لو اتخذ مثل هذا القرار من قبل المرشد الإيراني فإن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وفريقه غير قادرين على تنفيذه.
فصنع السياسات الأيديولوجية والعدائية والمسببة للأزمات، إلى جانب تنفيذها غير الدبلوماسي وغير المهني، لا يوفر أي احتمال لتحسين وضع السياسة الخارجية لإيران.
وإذا لم تتفاقم أزمة السياسة الخارجية الإيرانية في العام الإيراني المقبل (1403)، فأعتقد أنها لن تكون أفضل مما رأيناه في العام الحالي.