انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، حاملةً معها شكوكًا كثيرة بالوسط السياسي والاجتماعي في إيران، وتساؤلات حول نسبة المشاركة، التي ادعت الداخلية الإيرانية، أنها بلغت 49.8 بالمائة، وأن أكثر من 30 مليون إيراني شاركوا فيها.

ومع ذلك، يبدو هذا الادعاء شبه مستحيل، بالنظر إلى تحليل الخطاب السياسي للإيرانيين في العالم الافتراضي، وكذلك الاجتماعات السياسية الشخصية وعبر الإنترنت، فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات، خاصة أن كثيرين اعتبروا أن رغبتهم في عدم إعطاء النظام شرعية هي السبب الرئيس وراء عدم مشاركتهم في الانتخابات.

وأشار خامنئي، في كلمة له بعد الانتخابات، إلى مسألة تدني نسبة المشاركة في المرحلة الأولى منها، واصفًا هذه المشاركة بأنها "أقل من المتوقع"، لكنه أكد أن عدم المشاركة في الانتخابات لا يعني معارضة النظام.

وحاول خامنئي، في خطابه، استعادة الشرعية المفقودة للنظام من خلال الحفاظ على أيديولوجيته، ومطالبته الشعب بإعطاء "المصداقية" للنظام من خلال المشاركة في الانتخابات؛ عبر محاولته ربط الهوية الوطنية والدينية للشعب بالنظام، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، وعزز ما يعتبره "الشعور بالمسؤولية الجماعية".

وفي الوقت نفسه، يمكن أن نرى بوضوح أن المرشد الإيراني لم يستطع أن يتجاهل بشكل كامل الاستياء الواسع النطاق بين الناس. ومن خلال مقارنة تصريحات خامنئي بتصريحات الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، الذي اعتبر انخفاض مستوى المشاركة "علامة على استياء الشعب غير المسبوق وعدم رضا الأغلبية عن النظام"، يمكننا رؤية تناقض واضح بين مسؤولي النظام وقيادته.

ويحاول خامنئي تصوير هذا الاستياء على أنه قضية ثانوية، وليست معارضة لنظام الجمهورية الإسلامية، ويبين هذا الاختلاف في الخطابات وجهة نظر النظام تجاه الوضع السياسي الإيراني، ويشير إلى وجهة نظر تحاول الحفاظ على استقراره وشرعيته، دون النظر إلى انعكاس الواقع الاجتماعي والسياسي الحقيقي للبلاد.

ويمكن تحليل خطاب خامنئي، نقديًا، من وجهات النظر الثلاث: الأيديولوجية، والسلطة، والهوية.

فمن الناحية الأيديولوجية، حاول خامنئي في خطابه إظهار عدم المشاركة في الانتخابات كسلوك غير مطلع أو غير سياسي. ومن خلال قوله: "إن فكرة عدم المشاركة في الانتخابات تعني معارضة النظام هي فكرة خاطئة تمامًا"، فقد حاول الترويج لوجهة نظر مفادها أن المشاركة المنخفضة لا يمكن أن تشكل تهديدًا خطيرًا، وهذا تصريح واضح للحفاظ على شرعية النظام، الذي حاول التقليل من مشاعر السخط السائدة.

لكن هذا الأسلوب المختلف للمرشد الإيراني، علي خامنئي، بعد المشاركة المنخفضة في الجولة الأولى من الانتخابات وجهوده لتبرير هذا المستوى من المشاركة العامة، عزز التكهنات حول إمكانية اختلاق إحصائيات غير صحيحة في الجولة الثانية. وإذا قمنا بتحليل مقارن يتبين لنا أن تبريراته وتفسيره لنسبة المشاركة محاولة واضحة لإخفاء عدم الرضا السائد بين الشعب الإيراني ضد النظام الحاكم.

وفي الوقت نفسه، استخدم خامنئي لغة القوة لتشجيع المواطنين على المشاركة في الجولة الثانية؛ حيث وصف الانتخابات بأنها "مهمة للغاية"، وطلب من الإيرانيين أن "يحافظوا على شرف النظام الإسلامي وسمعته" من خلال المشاركة الانتخابية. إن هذا الطلب الموجه إلى الشعب لإضفاء الشرعية على النظام يظهر محاولة لإعادة بناء وتعزيز قوة النظام في مواجهة تراجع المشاركة.

ومن ناحية أخرى، فقد حاول في الواقع إعادة الناس إلى صناديق الاقتراع عبر خلق شعور بالمسؤولية الوطنية من خلال قوله: "إن مشاركة الناس في الانتخابات هي دعم وشرف ومصدر فخر للجمهورية الإسلامية". بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال تأكيد أهمية الانتخابات ودورها في سمعته النظام ومكانته، حاول خامنئي ربط الهوية الوطنية والدينية للشعب بالنظام، وطلب من الناس المشاركة، ليس فقط كعمل سياسي، ولكن أيضًا كواجب أخلاقي وديني.

لقد ارتكز خطاب علي خامنئي هذا على الافتراض الغريب بأن الهوية الجماعية الناتجة عن الشعور بالانتماء للنظام الإسلامي هي أمر مشروع يمكن أن يشجع الناس على المشاركة.

ويبدو أنه من وجهة النظر الاستبدادية للمرشد الإيراني، فإن "لا" التي قالها الشعب حاسمة للنظام، لا تزال غير قابلة للتصديق، ولن تكون كذلك من قِبل خامنئي.

مزيد من الأخبار