التنمية في بلوشستان السُّنية بإيران.. بين افتراءات النظام والتهميش المتعمد
هل يمكن أن نتصور أن هناك من يعارض التنمية؟ وهل يُعقل أن يكون المواطنون غير مهتمين بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمكان الذي يعيشون فيه والذي سيتحدد فيه مستقبلهم ومستقبل أطفالهم في تلك الجغرافيا؟
إذا نظرنا إلى تصريحات المسؤولين في إيران، حول أسباب تخلف محافظة بلوشستان، نرى أنهم يشيرون، في تصريحاتهم، إلى المعارضة الشعبية، وعدم المشاركة في تنفيذ خطط التنمية في هذه المحافظة؛ خاصة بعد العملية الأخيرة لجماعة جيش العدل، التي أعلنت أن أحد أسباب العملية هو معارضتها لخطة تطوير ساحل مكران.
ولكن هل يمكن حقًا أن نعتبر معارضة جماعة، مثل جيش العدل، هي السبب وراء الحرمان والتخلف في محافظة بلوشستان؟
أولًا، دعونا نلقي نظرة على تعريف التنمية؛ حيث تعتبر "الأمم المتحدة" التنمية عملية يتحد فيها الشعب والحكومة، لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل منطقة، ويشارك الشعب بكامل طاقته في التقدم الوطني.
وعلى الرغم من تقديم تعريفات مختلفة لمفهوم التنمية، فإنه إذا أخذنا تعريف الأمم المتحدة كأساس، فيمكننا أن نجد بعض التحديات الرئيسة في تنمية محافظة بلوشستان.
إن الركيزتين الأساسيتين للتنمية، في أي مجتمع، هما الحكومة والشعب، وهذا يعني أنه لا الحكومة ولا الشعب، يستطيعان تحقيق التنمية في أي بلد، بمعزل عن بعضهما، ورغم أن كل طرف يمكنه اتخاذ خطوات، في هذا الاتجاه، حسب رغبته وقدراته، فإن إتمام هذه العملية ونجاحها يعتمد على "المشاركة المتعاطفة" و"ثقة الأطراف".
ويظهر هنا التحدي الأول في دراسة هذه القضية؛ أي مسألة الثقة بين الشعب والحكومة (نظام الحكم)؛ للقيام بالتعاون.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل شعب بلوشستان ونظام الحكم يثقان ببعضهما البعض؟
وللإجابة عن هذا السؤال، دعونا نستعرض جزءًا من كلام علي رضا كميلي، أمين منظمة "اتحاد الأمة"، وهي منظمة قريبة من النظام، وتتماشى مع أفكار الجمهورية الإسلامية.
وفي كلمة نُشرت مقاطع فيديو لها في الفضاء الإلكتروني، قال كميلي، وهو يستعرض معوقات التنمية في بلوشستان، في إشارة إلى جمعة زاهدان الدامية، التي وقعت في 30 سبتمبر 2022: "قتلوا الأبرياء في زاهدان في هذا اليوم، وقدموا تقريرًا كاذبًا إلى طهران، وأصبح إبراهيم كوتشك زايي، قائد شرطة تشابهار، الذي اعتدى على فتاة في تشابهار، حرًا الآن".
ووصف كميلي مأساة الجمعة الدامية في زاهدان بـ "الجريمة"، قائلًا: "كان من المفترض أن تُعتبر عائلات القتلى من عائلات الشهداء، لكن لم يحدث ذلك حتى الآن".
وفي جزء آخر من خطابه، اعترف بأن هاتين الحادثتين وحدهما تكفيان للشعب البلوشي في هذه المحافظة لعدم الثقة في النظام.
لكن انعدام الثقة بين المواطنين البلوش (وبالطبع شعب إيران)، والنظام في إيران، أوسع من ذلك بكثير.
أدخل النظام الإيراني عناصر جديدة في مجال الهوية الوطنية، منذ عام 1979. ويتم تنظيم العناصر الجديدة للهوية وتفسيرها من قِبل النظام الإيراني في شكل إقرار قوانين وسلوكيات خارجة عن القانون، والتي استبعدت جزءًا كبيرًا من الشعب الإيراني خارج دائرة دمج المواطنين المتساوين، وتشمل هذه العناصر الدِّين والمذهب والعرق واللغة والجنس والمعتقد.
ومن الواضح أنه في العقود الأربعة الأخيرة، وجدت شرائح من المجتمع، التي كانت أبعد عن هذا التعريف، علاقة أكثر بعدًا مع مركز السلطة والثروة، وعلى العكس من ذلك، كلما اقتربت من قراءة النظام، زادت حصتها وحظيت بالثقة والاهتمام.
وهذا يعني أنه إذا لم تكن مسلمًا، ولا شيعيًا، ولا مؤمنًا بعقيدة النظام، ولا فارسيًا، ولا رجلًا، أو لا تعرف اللغة الفارسية، فلا يجب أن تطلب حصة واهتمام مواطن من الدرجة الأولى من النظام الحاكم، ونتيجة لذلك ستبتعد أكثر عن دائرة ثقة النظام. ويمكننا أن نرى بوضوح تجليات هذه المشكلة في وضع المجموعات العرقية والدينية والنساء والمعارضين والمنتقدين في إيران.
وبُناءً على ذلك، وفي ظل انعدام الثقة المتزايد بين الشعب والنظام، يتساءل الناس: إذا كانت خطة التنمية للشعب، فلماذا تكون جهة أمنية مثل وزارة الدفاع مسؤولة عنها؟
ألا يمكن أن يكون هذا علامة واضحة على عدم ثقة النظام بالشعب؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فما هي مساهمة وعلاقة المواطنين بهذا الشكل من التنمية؟
هناك إجابتان عن هذا السؤال؛ الجواب الرسمي والبيروقراطي يقول: إننا أعددنا خطة لتنمية الاقتصاد الوطني ونعمل على تنفيذها، يقولون إننا نريد التعويض عن التأخير في تنمية المحافظة. لكن المسؤولين حينها لا يقدمون أدنى معلومة للشعب.
وعندما يتعلق الأمر بالتخطيط التشاركي، في علم اجتماع التنمية، فهذا يعني أنه يجب على المعنيين مراجعة الخطة، وعلى ذلك ينبغي التفكير في الأحكام القانونية، بحيث لا يقتصر الفائزون في التنمية على الرأسماليين أو الأجهزة الحكومية القوية، التي تسعى للحصول على الأراضي، بل إن الفائزين في التنمية ينبغي أن يكونوا عامة الناس.
لكن الإجابة الأخرى هي أن شعب بلوشستان يرى أن الفائز في خطة التنمية سيكون المؤسسات الحاكمة ذات الموارد المالية القوية، والمؤسسات الحكومية القوية، وأصحاب رؤوس الأموال والثروات في المنطقة، ولن يحظى المواطنون إلا بالتلوث البيئي وازدحام حركة المرور وغلاء المعيشة. ويقول المواطنون إن الغرض من هذه الخطة هو إلغاء الهوية وتغيير البنية الديموغرافية لمنطقتنا.
والسبب في هذا التصور، هو أنه في خطط التنمية، بعد ثورة 1979، وتحديدًا في منطقة عسلوية، كانت تجربة المواطنين هي عدم الاهتمام بالمجتمع المحلي، وعلى الرغم من وظائفه الاقتصادية، إلا أن هذا المشروع دمر النظام البيئي لتلك المنطقة بشكل شبه كامل؛ فمدينتا عسلوية ونخل تقي فقيرتان، رغم كثرة الأنابيب التي تمر من تحتهما، كما أن الهواء ملوث، لكن مشاركة القوى المحلية اقتصرت على الحراس وعمال النظافة، ولم يلعبوا أي دور في الإدارة أو في التخطيط لتطوير المنطقة.
ولا يوجد فرق بين عسلوية وزابل وتشابهار، في هذا الهيكل التخطيطي، وبحسب قول رئيس بلدية عسلوية، فإن الأطفال يولدون بأمراض وراثية، وعندما يُطلب نقل السكان إلى مدينة سيراف الجديدة، يقول ممثل المدينة: لا، فالأهالي هم الدفاع المدني عن المنشآت النفطية في هذه المدينة!
عندما يتم إنشاء منطقة تجارة حرة، فمن الضروري إحضار سياسة الأراضي والإسكان معها؛ لأن النشاط التجاري الجديد واسع النطاق يؤدي إلى الهجرة، ولا بد من التفكير في الطلبات الجديدة على العقارات، وإلا فإن الأسعار سوف تدخل في دوامة لا نهاية لها، وقد تأسست منطقة تشابهار الحرة عام 1992 دون وجود سياسة اجتماعية داعمة لها.
في هذا الهيكل التخطيطي، تكون الشفافية والمصالح الوطنية على الهامش، ومن الطبيعي أن يشعر الأشخاص، الذين يسمعون مثل هذه الأشياء، بالقلق من أنه سيتم تنفيذ النموذج نفسه في منطقتهم.
وبطبيعة الحال، فإن الشعب البلوشي، مثل كل شعب إيران، يبحث عن الصحة المناسبة والطرق الممهدة والتعليم الجيد ومستوى المعيشة اللائق، وهناك مطلب لطالما كان لدى سكان هذه المنطقة، وهو اختفاء الفارق الكبير بين مؤشرات التنمية في هذه المنطقة والمناطق الوسطى في إيران.
ويرتبط هذا الاختلاف بالقضايا التاريخية والاتجاهات التمييزية، التي كانت موجودة بنيويًا، قبل ثورة 1979، وما بعدها، وكانت نتيجة هذه الظروف التمييزية عدم ثقة شعب بلوشستان تجاه خطط التنمية.