بسبب العقوبات.. إيران تعتمد على شركات محلية "عديمة الخبرة" لتطوير حقول النفط
أوكلت إيران تطوير 6 من حقولها النفطية إلى شركات محلية، وأبرمت معها عقودا بقيمة 13 مليار دولار، وذلك بعد أسبوع من توقيع عقد بقيمة 20 مليار دولار بين الحكومة الإيرانية وعدد من هذه الشركات لاستخراج الغاز الطبيعي.
وتحاول العقود الجديدة، التي تم توقيعها في 7 مارس (آذار)، زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط الإيراني بمقدار 200 ألف برميل يوميا.
وترتبط معظم هذه العقود بمشروع معقد للغاية، ينتظر منذ سنوات تكنولوجيا الدول الغربية ليدخل حيز التنفيذ.
وأكبر عقد تم إبرامه يتعلق بتطوير حقل "آزادكان" النفطي. وهذا الحقل النفطي مشترك بين إيران والعراق، ويعرف باسم "مجنون" في العراق.
في البداية، كانت شركة "سينوبك" الصينية تنشط في المجال النفطي بإيران، لكنها تخلت عن عملها في عام 2018، بعد فرض العقوبات الأميركية على إيران.
ويمتلك حقل "آزادكان" أكبر احتياطي نفطي في إيران، لكن بسبب البنية المعقدة للغاية لهذا الحقل النفطي، فإن معدل استخلاصه لا يتجاوز 6 في المائة.
بمعنى آخر، يمكن استخراج 6 في المائة فقط من احتياطيات "آزادكان" النفطية في الظروف العادية، ولا يمكن الوصول إلى نسبة الـ94 في المائة المتبقية، أي ما يعادل 31 مليار برميل بقيمة 2.6 تريليون دولار، دون تكنولوجيا الدول الغربية.
عقود مع شركات محلية
وقد أبرمت وزارة النفط الإيرانية عقدا بقيمة 11.5 مليار دولار مع 11 شركة محلية، على رأسها شركة "دشت آزادكان أروند".
ولا تتمتع هذه الشركة التي تأسست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، بتاريخ كبير في مجال التنقيب عن النفط واستخراجه.
وتم توقيع عقد آخر يتعلق بحقل مسجد سليمان النفطي، وهو أقدم حقل نفط في إيران. بدأ إنتاج النفط في هذا الحقل منذ 113 عاماً، لكنه واجه مؤخراً تراجعاً حاداً.
ورغم أن حقل مسجد سليمان يحتوي على 5 مليارات برميل من النفط، إلا أنه لتحسين معدل استخراجه لا بد من الاستفادة من زيادة الضغط.
وانخفضت الطاقة الإنتاجية لحقل مسجد سليمان من 170 ألف برميل يوميا عام 2017 إلى 5 آلاف برميل يوميا عام 2023.
وبموجب العقد الجديد ستتم إضافة 9 آلاف برميل فقط إلى الإنتاج اليومي لهذا الحقل، وستبقى 80% من احتياطياته على حالها.
وتتمتع حقول النفط الإيرانية- التي تحتوي على احتياطيات نفطية تبلغ أكثر من 200 مليار برميل وفقا لشركة ايني النفطية الايطالية، بمعدل استخراج يصل إلى حوالي 20 في المائة، مما يسلط الضوء على حاجة إيران إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة.
ولم يتضح بعد ما هي التقنيات التي ستستخدمها الشركات الإيرانية لتطوير حقول النفط، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه إذا كانت هذه الشركات تمتلك الإمكانات اللازمة في هذا الصدد، فلماذا لم يعهد إليها تطوير حقول النفط الإيرانية في وقت سابق؟
فنحو 80 في المائة من حقول النفط النشطة في إيران تواجه انخفاضاً سنوياً في إنتاجها بنحو 8-12 في المائة، وأصبحت في النصف الثاني من دورة إنتاجها.
ومن أجل الحفاظ على مستوى إنتاجها النفطي، يتعين على إيران ضخ 300 مليون متر مكعب من الغاز في حقول النفط. وفي الوقت نفسه، وبسبب نقص الغاز الطبيعي، يتم ضخ 30 مليون متر مكعب فقط من الغاز في هذه الحقول.
4 عقود نفطية أخرى
وبالإضافة إلى حقلي نفط أزادكان ومسجد سليمان، فقد تم أيضًا تطوير أربعة حقول نفط أخرى في العقود الأخيرة. وتشمل هذه الحقول آذر، وسومار، وسامان، ودلاوران.
وسبق أن عهدت إيران بتطوير حقل "آذر" النفطي إلى شركة غازبروم الروسية، إلا أن تأخر هذه الشركة تسبب في إلغاء العقد العام الماضي.
وقبل عقدين من الزمن، وقعت إيران عقدا مماثلا مع مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني، لكنه لم يصل إلى نتيجة أيضا.
وبعد ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم بين طهران وشركة "بي جينك" البولندية في هذا الصدد، لكنها لم تؤد إلى تقدم ملموس أيضا.
وأعلنت وزارة النفط الإيرانية عن توقيع ثلاثة عقود لتطوير حقول سومار، وسامان، ودلاوران النفطية.
ويأتي ذلك في حين أن مهدي حيدري، الرئيس التنفيذي لشركة نفط المناطق الوسطى الإيرانية، قال في وقت سابق عام 2022 إن الشركات المحلية تشارك في تطوير هذه الحقول.
وشركة نفط المناطق الوسطى الإيرانية هي المسؤولة عن إدارة حقول النفط هذه.
عقد غاز بقيمة 20 مليار دولار
وفي 10 مارس (آذار)، وضعت وزارة النفط الإيرانية اللمسات النهائية على اتفاق مع الشركات المحلية لبناء 28 منصة، وزن كل منها سبعة آلاف طن، وتركيب 56 ضاغطاً لزيادة الضغط في حقل غاز "بارس" الجنوبي.
ويأتي هذا الإجراء في حين أن الشركات الإيرانية لا تملك الخبرة اللازمة لإنتاج هذه المعدات. والتكنولوجيا المطلوبة في هذا الصدد ليست متاحة حتى للشركات الصينية.
وقد انسحبت شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، والتي كانت جزءًا من كونسورتيوم تطوير المرحلة 11 من حقل "بارس" الجنوبي بقيادة توتال، من هذا العقد بعد عام من انسحاب توتال.
وتم تخصيص نصف العقد الذي تبلغ قيمته 5 مليارات دولار لتطوير المرحلة 11 من حقل "بارس" الجنوبي لبناء منصة سعة 20 ألف طن مزودة بضاغطين كبيرين، وهو ما يتجاوز قدرة شركة النفط الوطنية الصينية ومعرفتها التقنية.
وكان الانخفاض الحاد في الضغط في المرحلة 12، وهي أكبر مرحلة في جنوب "بارس"، قد بدأ في السنوات الأخيرة. وبحسب إعلان شركة الغاز الوطنية الإيرانية، انخفض مستوى إنتاج المرحلة 12 من 65 مليون متر مكعب يوميا عام 2018 إلى 43 مليون متر مكعب حاليا.
وكانت لدى إيران خطط طموحة لبناء 3 منصات وإنتاج 85 مليون متر مكعب من الغاز يوميا في المرحلة 12 من حقل "بارس" الجنوبي. ومع ذلك، بسبب هندسة الحفر الخاطئة في المنصة الثالثة، فإن جزءا كبيراً من إنتاجها لم يكن الغاز الطبيعي، بل من المياه المالحة.
ونتيجة لذلك انخفض إنتاج هذه المرحلة إلى 65 مليون متر مكعب عام 2018 ليصل إلى 34 في المائة عام 2023.
وأخيراً، نقلت إيران المنصة الثالثة من المرحلة 12 في "بارس" الجنوبي إلى المرحلة 11 في الصيف الماضي.
ومن بين إجمالي 24 مرحلة في قطاع "بارس" الجنوبي الإيراني، واجهت حوالي 10 آبار مشكلات هندسية، مما أدى إلى التحدي المتمثل في إنتاج المزيد من المياه المالحة مقارنة بالغاز.
وفي صيف عام 2023، وبهدف الحفاظ على مستوى إنتاجها، افتتحت إيران المرحلة 11 من حقل "بارس" الجنوبي، وبدأت عمليات حفر واسعة النطاق.
ووقعت وزارة النفط الإيرانية عقدا مع شركات محلية لحفر 35 بئرا جديدة هذا الخريف.
ويمكن لعمليات الحفر الجديدة أن تحافظ على مستوى إنتاج الغاز الإيراني على المدى القصير، لكن من المتوقع أن يؤدي هذا الإجراء إلى تسريع خفض الضغط في الجزء الإيراني من "بارس" الجنوبي.
والحل الوحيد المتاح لحل هذه المشكلة هو تركيب منصات بوزن 20 ألف طن مزودة بضواغط ضخمة، وهذه التكنولوجيا متاحة حصريا للشركات الغربية.
وحالياً، يتم تشغيل جميع مراحل القسم الإيراني من "بارس" الجنوبي وعددها 24، ولم يتبق مكان لإطلاق مرحلة جديدة لتعويض الانخفاض في مستوى إنتاج إيران.