عودة المعارضة السورية.. وقوات الأسد والميليشيات الإيرانية تتكبدان خسائر فادحة
شهدت سوريا تطورات كبيرة، خلال الأيام الأخيرة؛ حيث شنت فصائل المعارضة المسلحة- بما في ذلك الجماعة الإسلامية- هيئة تحرير الشام (HTS)- هجمات عسكرية جديدة ضد قوات بشار الأسد وحلفائه.
وأظهرت هذه التحركات قوة غير متوقعة للمعارضة المسلحة، مما مثَّل ضغطًا كبيرًا على بشار الأسد، وسط مشهد سياسي وعسكري معقد بالفعل.
تكتيكات عسكرية غير متوقعة
وقد انُطلقت العمليات بتنسيق دقيق بين فصائل مختلفة من الجماعات الإسلامية والجيش الوطني السوري (SNA)، وركزت على أهداف استراتيجية.
وعلى الرغم من أن توقيت الهجمات لم يكن متوقعا، فإن الأدلة تشير إلى أن التحضيرات كانت جارية منذ شهور، مدعومة بأسلحة متقدمة؛ حيث لعبت الطائرات المُسيّرة وأدوات أخرى متطورة دورًا محوريًا، مما مكّن المعارضة من إدارة المعركة بشكل فعال وتحقيق مكاسب سريعة على الأرض باتجاه حلب، ثاني أكبر مدن سوريا.
وتمكنت قوات المعارضة في غضون ساعات، من السيطرة على مواقع استراتيجية رئيسة، بما في ذلك أجزاء من الطريق السريع M5 وقواعد عسكرية كبرى، مثل اللواء 46 والفوج 46. وأبرزت هذه المكاسب السريعة قدرة المعارضة على تحدي قوات الأسد وحتى القوات الروسية، عندما تحصل على دعم كافٍ.
والجدير بالذكر أن هذه العمليات تجاوزت الخلافات الداخلية بين الفصائل، مما أظهر تنسيقًا عسكريًا موحدًا نادرًا.
وأضافت المعاملة الإنسانية للأسرى بُعدًا جديدًا إلى استراتيجيات هذه الفصائل، وهو أمر نادر الحدوث في الصراع السوري. حتى إن هيئة تحرير الشام- وهي منظمة مصنفة إرهابية على المستوى الدولي- بدت كأنها تتبنى نهجًا أكثر حرصًا في التعامل مع المعتقلين. وقد يعكس هذا محاولة لإرسال إشارة إيجابية للمجتمع الدولي بتحول سياسي محتمل وقبول أوسع على الساحة العالمية.
أصحاب المصلحة الدوليون
يجد النظام السوري نفسه في وضع حرج، بعدما تكبد خسائر فادحة في صفوف قواته، كما تعرضت الميليشيات المتحالفة معه المدعومة من إيران، وهي ركيزة أساسية لدعم الأسد، لانتكاسات كبيرة، بما في ذلك مقتل مستشار عسكري إيراني كبير وأعضاء في "حزب الله".
وتعكس هذه التطورات استمرار التورط العسكري المباشر لإيران في سوريا، على الرغم من الخسائر المتزايدة، مما يعكس عمق انغماسها في الصراع.
وفي المقابل، يبدو أن روسيا، التي كانت داعمًا قويًا للأسد، تواجه قيودًا متزايدة تحد من قدرتها على التدخل الحاسم لإعادة التوازن، ويرجع ذلك أساسًا إلى تركيزها على غزو أوكرانيا والضغوط الدولية المتزايدة. وقد يدفع هذا الأمر موسكو إلى تقليص دعمها العسكري المباشر للأسد، مما يفتح الباب أمام تغييرات عسكرية وسياسية غير متوقعة.
تركيا.. دور استراتيجي
لا يمكن تجاهل دور تركيا في هذه العمليات؛ حيث يشير المحللون إلى أن أنقرة تهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية، بما في ذلك تسهيل عودة آلاف اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة في شمال سوريا والضغط على الأسد لقبول تسوية سياسية بشروط جديدة.
تغيّر ميزان القوى
تشير هذه التطورات إلى أن الصراع السوري قد يدخل مرحلة جديدة من التصعيد، مما قد يدفع الأسد وحلفاءه إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم العسكرية والسياسية. ومع تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على النظام السوري، تزداد الحاجة إلى حلول سياسية، والتي قد تتطلب شروطًا تختلف كثيرًا عن تلك المقترحة سابقًا.
إيران.. ردود فعل رسمية وخسائر ميدانية
على المستوى الرسمي، أعربت إيران عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بـ"عودة ظهور الجماعات التكفيرية الإرهابية" في سوريا.
وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، من أن هذه التطورات تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة، متهمًا الولايات المتحدة بتدبير "مؤامرة خبيثة" لزعزعة استقرار المنطقة.
ودعت إيران الدول الإقليمية إلى تعزيز التعاون لإحباط هذه التهديدات، معتبرة إياها جزءًا من استراتيجية أوسع لتقويض استقرار سوريا والمنطقة.
وألقت طهران باللوم على الفصائل المسلحة في انتهاك اتفاقيات خفض التصعيد، التي تم إقرارها بموجب "مفاوضات آستانه"، والتي تُعد إيران وتركيا وروسيا دولًا ضامنة لها. ووصفت الهجمات الأخيرة قرب حلب وإدلب بأنها انتهاكات صارخة لهذه الاتفاقيات، محذرة من أن استمرار العمليات قد يهدد التقدم المحرز في خفض العنف خلال السنوات الأخيرة.
وأعادت إيران التأكيد على دعمها الثابت للأسد ضد ما تعتبره "الإرهاب التكفيري"، وأشادت بتضحيات "شهداء المقاومة". وتم تصوير مقتل قائد القوات الاستشارية الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كيومارس بورهاشمي، خلال الاشتباكات الأخيرة في ريف حلب، كدليل على التزام طهران بحماية الأمن الإقليمي.
وشدد المسؤولون الإيرانيون على أن مثل هذه الخسائر لن تثني طهران عن مواصلة دعمها للحكومة السورية، حتى استعادة الأمن والاستقرار الكاملين.
فصل جديد في الأزمة السورية
وسط هذه التطورات السريعة والمعقدة، يبدو أن المشهد السوري مهيأ لتحول كبير في الديناميكيات العسكرية والسياسية؛ حيث تعكس التغييرات الأخيرة استراتيجيات متطورة من قِبل اللاعبين المحليين والدوليين، مما يعيد إشعال الأزمة السورية على جبهات جديدة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه نظام الأسد وحلفاؤه ضغوطًا متزايدة، تسعى المعارضة إلى تعزيز مكاسبها، مدعومة بدعم محدود ولكنه استراتيجي. ويبقى السؤال المركزي: هل ستفتح هذه التطورات الباب أمام تسوية سياسية قد تنهي معاناة الشعب السوري، أم إن البلاد مقدمة على تصعيد طويل الأمد يعمق مآسي الصراع؟