مقتل "السنوار" يهدد نفوذ إيران ويعيد تشكيل المعادلات الإقليمية
أصبح دور إيران في الشرق الأوسط على أعتاب تغيير جذري، وهو تحول قد يكون له تأثير إيجابي على المنطقة، بغض النظر عن المسار، الذي قد يختاره نظام طهران.
وقد أثار مقتل زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، على أيدي القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، موجة من ردود الفعل على المستويين الإقليمي والدولي.
حدث ذلك خلال عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي في رفح، يوم الأربعاء 16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، مما يشكّل ضربة كبيرة لحركة حماس، ويمثل نقطة تحول في تقليص قدرة نظام طهران على زعزعة استقرار المنطقة عبر شبكة وكلائه.
ووفقًا لصحيفة "فايننشيال ريفيو"، فقد كان السنوار الذي يُشار إليه كمهندس هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، يلعب دورًا محوريًا في قيادة عمليات الحركة والتواصل مع الداعمين الإقليميين، وخاصة طهران.
ويشير مقتل السنوار، الذي حدث أثناء محاولته الفرار، حسبما أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أن حماس أصبحت قوة ضعيفة وغير فعالة.
لكن القضية الأساسية الآن ليست هزيمة حماس فحسب، بل تزايد الضغوط الدولية من أجل وقف إطلاق النار وحل النزاع.
إضعاف "محور المقاومة"
لم يكن مقتل السنوار مجرد ضربة لـ"حماس" وحدها، بل يمكن اعتباره تراجعًا كبيرًا لـ"محور المقاومة"، الذي يقوده النظام الإيراني.
وهذا المحور، الذي يضم جماعات مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، والفصائل المسلحة في العراق وسوريا، يشكل جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الإقليمية لحكومة طهران.
ويُعد فقدان شخصية رئيسية، مثل السنوار، ضربة قاصمة لقدرة إيران على المناورة والتأثير في المنطقة.
يأتي هذا في وقت يواجه فيه حزب الله اللبناني تحديات كبيرة في الأشهر الأخيرة، بينما يتعرض الحوثيون لضغوط عسكرية متزايدة.
النظام الإيراني والمشاكل الداخلية
يواجه النظام الإيراني مشكلات داخلية متفاقمة، إلى جانب هذه التحديات الخارجية. فما زالت الاحتجاجات الاجتماعية مستمرة، بعد مرور عامين على مقتل الشابة الإيرانية، مهسا أميني، أثناء احتجازها على يد قوات أمن النظام، وسط أزمة اقتصادية خانقة وضغوط دولية على إيران بسبب برنامجها النووي.
وفي ظل هذه الأوضاع، شهدت الحكومة الإيرانية انهيارًا تدريجيًا لحركة حماس، التي تُعتبر من أهم حلفائها الإقليميين.
وكذلك، تترقب طهران ردود فعل إسرائيل بعد الهجوم الصاروخي، الذي نفذه حزب الله ردًا على مقتل حسن نصرالله؛ حيث أُطلق ما يقرب من 200 صاروخ على الأراضىي الإسرائيلية.
ردود الفعل الإقليمية والدولية على مقتل السنوار
تشير الردود على مقتل السنوار إلى تحول في ميزان القوى بالمنطقة. فقد بعثت الولايات المتحدة برسالة واضحة إلى طهران، مفادها أنها تقف إلى جانب إسرائيل بشكل كامل، في حال اندلاع نزاع مع إيران، وأنها مستعدة لاستخدام أحدث أسلحتها في هذا السياق.
ويعزز نصب منظومة الدفاع الصاروخي "ثاد" مع خبراء أميركيين في إسرائيل قدرتها على التصدي لأي هجوم صاروخي باليستي محتمل من إيران.
وفي الوقت ذاته، أظهرت الضربات الجوية الأميركية ضد مواقع الحوثيين في اليمن استعداد واشنطن للتصدي لحلفاء إيران في المنطقة.
وإلى جانب ذلك، تثير احتمالات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قلق طهران؛ حيث إن هذا قد يعني نهاية النهج التفاوضي لإدارتي أوباما وبايدن، ما يزيد من تعقيد الأوضاع الدبلوماسية لإيران.
تصاعد العقوبات ضد طهران
ومع تغيير السياسات في واشنطن، قد تواجه طهران عقوبات اقتصادية أشد، حيث ستستهدف هذه العقوبات إيران وكل المتعاملين معها.
وهذا من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على علاقات إيران التجارية مع الصين، التي تعد واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في البلاد.
السيناريوهات المحتملة أمام النظام الإيراني
في مواجهة التحديات الحالية، تواجه النظام الإيراني فعليًا أربعة خيارات استراتيجية:
1. استمرار سياسة زعزعة الاستقرار الإقليمي: وهو نهج من المحتمل أن ينتهي بالفشل ولن يجلب النتائج المرجوة لطهران.
2. توسيع نطاق زعزعة الاستقرار من خلال المشاركة الأكبر في الحرب الروسية ضد أوكرانيا: وهذا الإجراء لن يؤدي إلا إلى تعزيز عزم الغرب على مواجهة إيران.
3. السعي للحصول على السلاح النووي: وهذا الخيار سيؤدي إلى ردود فعل قوية، لا يرغب أي طرف، وخاصة الحكومة الإيرانية نفسها، في تحملها.
4. السعي للوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وبالتالي مع إسرائيل: وهذا المسار يتطلب التخلي عن البرنامج النووي، الذي يُعتبر آخر ورقة رابحة بيد طهران. مثل هذا القرار يذكرنا بقبول روح الله الخميني وقف إطلاق النار في الحرب بين إيران والعراق في عام 1988.
ما هو مؤكد أن مقتل يحيى السنوار والتطورات الأخيرة في غزة تشكل نقطة تحول في معادلات القوة في الشرق الأوسط. وهذه الأحداث وضعت طهران أمام تحديات جدية في الحفاظ على نفوذها الإقليمي.
إن طريقة رد طهران واستراتيجيتها سيكون لهما دور حاسم في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط. فالمنطقة دخلت مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية التي قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في علاقات القوى الإقليمية والدولية.