45 عامًا من القمع والحرب والقتل.. الإيرانيون يئنون تحت وطأة أزمات "الجمهورية الإسلامية"

مارس محمدي
مارس محمدي

باحثة اجتماعية

خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية، التي تولى فيها نظام "الجمهورية الإسلامية" السلطة في إيران، كان جسد المجتمع وروحه مسرحًا للاضطرابات والأزمات العميقة والتاريخية، وهي أزمات شكلت الحرب وآلة القمع والقتل أبرز عناصرها الرئيسة.

لقد مارس النظام، منذ عام 1979، أنواعًا مختلفة من العنف تجاه الشارع الإيراني، بدءًا بالإعدامات السياسية في ثمانينيات الماضي، ثم قمع المظاهرات في التسعينيات، ثم جرائم القتل المتسلسلة ضد النشطاء والسياسيين، وقمع مظاهرات عام 2009، وما تلاها من مظاهرات في العقد الأخير، وهي نماذج لجرائم نظام الجمهورية الإسلامية في العقود الأربعة التي حكم فيها إيران.

وبعد ذلك، ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية، التي شهدتها البلاد والتطورات التكنولوجية العالمية، تم تنفيذ أسلوب القمع وفرض الذعر الجماعي على الناس بطريقة حديثة، وأعقب إرهاب النظام تدهور وانهيار اقتصادي حاد. ومنذ الألفية الجديدة زادت سرعة وعملية الصدمات الاجتماعية لأفراد المجتمع الإيراني أكثر من السابق. أزمات وصدمات لم يكن ارتفاع معدلات الانتحار الملموسة في المجتمع وانتشارها بين الشباب والمراهقين إلا إحدى نتائجها.

وبلغ هذا الاعتداء والعنف والرعب ذروته مع احتجاجات انتفاضة "المرأة والحياة والحرية"، وباتت أكثر اتساعًا وانتشارًا، وتركت آثارًا كبيرة على نفسيات المجتمع الإيراني وحياته اليومية.

وارتفع عدد حالات الانتحار في العقد الأخير بنسبة 40 بالمائة، وزاد من نحو 3560 حالة إلى أكثر من 5000 حالة سنويًا، ولا تشمل هذه الإحصائية محاولات الانتحار الفاشلة، بل تشمل فقط حالات الانتحار التي أدت إلى الوفاة والتي سجلتها الشرطة.

وهذا ليس سوى جزء من الصدمة الواسعة والمستمرة في المجتمع الإيراني. ولكن ماذا تعني الصدمة، أو الجرح النفسي أو الضرر النفسي؟

تُعرّف جمعية علم النفس الأميركية الصدمة بأنها "رد فعل عاطفي لحدث مروع مثل حادث أو اعتداء أو كارثة طبيعية". لكن فيما يتعلق بالتهديد بالحرب، الذي يستهدف المجتمع بأكمله، تُطرح مسألة الصدمة الجماعية. ويصف الرئيس السابق للجمعية الأميركية لعلم الاجتماع، كاي إريكسون، الصدمة الجماعية بأنها "إصابات مشتركة للصحة النفسية والاجتماعية لمجموعة ما، بما في ذلك اضطرابات في النسيج الاجتماعي، وفقدان الهوية الجماعية، وانخفاض شعور المجموعة بالتواصل الاجتماعي".

وجعلت "الجمهورية الإسلامية" الخوف من الحرب والقمع جزءًا من الحياة اليومية للشعب الإيراني عقودًا من الزمن.

وفي الأشهر القليلة الماضية، أضافت التوترات بين إيران وإسرائيل، والتهديد بتوسيع الحرب في الشرق الأوسط، صفحة أخرى إلى التاريخ الأسود للأزمات والصدمات، التي تعرض لها المجتمع الإيراني خلال حكم الجمهورية الإسلامية؛ حيث أثرت هذه الصدمات الجماعية على نفسية المجتمع.

إن بداية هذه الحرب واستمرارها بين إيران وإسرائيل لها دوافع وجذور، ليست لتحقيق مكاسب للشعب الإيراني ولا حتى لحمايته. وبسبب الجغرافيا فإن الشعب الإيراني سيكون في خضم هذه الحرب ولهيبها، ولن يسلم من نارها، في ظل استمرار النظام بإطلاق الوعيد بالانتقام والثأر لمقتل إسماعيل هنية، في طهران.

إن الصراعات المباشرة بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل، والحروب النفسية والإعلامية، والتهديدات اللفظية المتكررة من الأطراف بهجوم عسكري واسع النطاق، تزيد في كل مرة من حدة وعمق هموم الناس وجراحهم النفسية.

ويطلق أئمة الجمعة والمسؤولون الدينيون والعسكريون ورجال الدولة، الذين يتحدثون كل يوم عن "الانتقام" و"الهجوم العسكري" في المنابر العامة ووسائل الإعلام لأي سبب، بما في ذلك كسب ود السلطة والتملق لها، أو البقاء في مناصبهم أو لأي سبب شخصي، التهديدات بالحرب ويعمقون من جراح الشعب الإيراني وقلقه.

وفي حين يعاني المواطنون تبعات الحرب الاقتصادية والنفسية الناجمة عن هذه التوترات، منذ فترة طويلة، فإن التهديد ببدء حرب عسكرية واسعة النطاق بدا كأنه "سيف ديموقليس" معلق فوق رؤوسهم لعدة أشهر.

وبغض النظر عن اختلافات الناس ومواقفهم السياسية تجاه هذه الحرب وأطرافها الدولية، وطريقة إنهاء هذا الصراع المحتمل ونتيجته، فإن قتل المدنيين والخسائر، التي لا يمكن تعويضها في الأرواح والأموال، هو الكابوس الحقيقي لكل حرب.

وبالنظر إلى السنوات الثماني من الحرب المكلفة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، يُعتبر المجتمع الإيراني مجتمعًا مناهضًا وكارهًا للحرب. وتشير الإحصائيات الرسمية لـ "مؤسسة الحفاظ على الآثار ونشر قيم الدفاع المقدس" الحكومية إلى أن 5 ملايين إيراني شاركوا في هذه الحرب، التي أسفرت عن مقتل نحو 190 ألف شخص، تاركة آثارًا مادية ونفسية مستمرة في المجتمع.

ولا يزال الشتات، أو الجالية الإيرانية، التي تعيش في الخارج، غير آمنة من هذه الاضطرابات، على الرغم من بعدها عن حدود بلدها الأم. ووفقًا لمسؤولين حكوميين، فإن نحو 4.5 مليون إيراني يعيشون في الخارج.

ويعد الابتعاد عن البيئة المؤلمة والحصول على حياة عادية جزءًا من أسباب مغادرة عدد كبير من الإيرانيين وطنهم، وترك علاقاتهم وأصولهم في إيران.

لكن الحقيقة أن الهموم والجراح النفسية الناجمة عن التهديد بالحرب تتجاوز الحدود؛ حيث إن مشاهدة الوضع المقلق والشعور بالمسؤولية، ثم الشعور بالذنب لعدم القدرة على إجراء تغييرات كبيرة، أو على الأقل إنقاذ الأسرة والأقارب هي جزء من الجراح النفسية التي يعانيها الإيرانيون المقيمون في الخارج.

وبطبيعة الحال، لا يمكن الادعاء بأن المشكلة الوحيدة الماثلة أمامنا، والجراح النفسية، التي يعانيها الناس داخل إيران، تقتصر على مسألة التهديد بالحرب؛ حيث إن الإيرانيين يتعاملون حاليًا مع مجموعة معقدة من الصدمات والمعضلات الفردية والجماعية في الوقت نفسه.

كما أن انتقام النظام من النساء ونضالهن من أجل الحق في العيش بشكل طبيعي، والقمع المتزايد للحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وانخفاض قيمة العملة المحلية، والأسعار الجامحة، هي جزء هذا الوضع المعقد.

إن النظام في إيران لا يعمل على إنهاء الأزمات النفسية والروحية الناجمة عن الوضع المعقد، وإنما يعمل جاهدًا على مضاعفة هذه الأزمات وتضخيمها؛ لإشغال الناس عن الاهتمام بالرفاه والكماليات.

وقالت الجمعية العلمية الإيرانية لعلم النفس، في بيان لها عام 2017: "للأسف، في هذا الوقت، أصبحت الحياة صعبة على معظم الناس". وقد حذرت هذه الجمعية مرارًا وتكرارًا من أن الحكومة يجب أن تأخذ الصحة العقلية للناس على محمل الجد.

ومع ذلك، فإن الحكومة الإيرانية تتصرف بسياسات غير فعالة، سواء من حيث الكفاءة أو النفسية أو العدوانية أو الأيديولوجية، ودائمًا ما تسبب أضرارًا نفسية إضافية للشعب.