لماذا يفرض النظام الإيراني رقابة شديدة على انفجار بندر عباس و"يتستر" عليه؟

مراد ويسي
مراد ويسي

محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

تستر النظام الإيراني على أبعاد كارثة انفجار ميناء رجائي في بندر عباس المميتة يطرح سؤالا: لماذا يسعى نظام طهران إلى التقليل من حجم الكارثة وإظهارها بأقل من أبعادها الحقيقية؟

يُعد الانفجار المميت في ميناء رجائي بالقرب من بندر عباس واحدًا من أكثر الأحداث الكارثية التي شهدتها إيران. ومع ذلك، فإن جهود النظام الإيراني لإخفاء أبعاد هذا الحدث ومنع النشر الدقيق للمعلومات تسببت في إبقاء الحقيقة الكاملة لهذا الحادث بعيدة عن أعين الشعب.

تشير تقارير شهود العيان وروايات المواطنين إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص، لكن السلطات الرسمية لا تزال تحاول تقليص الأرقام بشكل غير واقعي وتقليل أهمية عمق الكارثة.

على عكس الإعلام الرسمي البطيء والمبهم والمشوب بالتستر، تحرك الشعب والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة، وبدأوا في نشر تفاصيل إضافية عن الحادث. وقد كشف ذلك عن عمق الكارثة، وأظهر أن النظام تعمد تصوير الحادث بأقل مما كان عليه في الواقع.

التستر وتهديد الصحافيين

سعت السلطات ومؤسسات النظام، بما في ذلك الحرس الثوري والجهات القضائية، إلى منع الكشف عن مزيد من المعلومات من خلال تهديد الصحافيين والنشطاء الإعلاميين.

وفور وقوع الانفجار في ميناء رجائي، تحرك النظام بسرعة لمنع التقارير الحرة والمستقلة من وسائل الإعلام.

وحذر المدعي العام وسائل الإعلام والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي من أنه في حال نشر معلومات غير رسمية عن هذه الكارثة، سيتم التعامل معهم وفتح ملفات ضدهم.

وتُعد هذه التهديدات انتهاكًا لحق حرية التعبير، وتُظهر جهودًا منهجية لفرض الرقابة على المعلومات ومنع الوعي العام.

كما أن المرشد الإيراني لم يصدر أي رسالة تعزية حتى يومين بعد الانفجار، في وقت كان الشعب يعيش حالة من الحداد. وبعد يومين، اكتفى بإصدار رسالة رسمية خالية من العاطفة. في المقابل، كان قد أصدر رسالة مطولة مليئة بالحزن والتأثر بوفاة أشخاص مثل حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني.

الإعلام الرسمي: التستر واللامبالاة

إذاعة وتلفزيون إيران، التي تُطلق على نفسها زورًا اسم "الإعلام الوطني"، لم تقم في هذه الأزمة بالإبلاغ السريع والدقيق والشامل، ولم تُظهر تعاطفًا مع الشعب.

وبدلاً من ذلك، عملت كالمعتاد على خدمة الرقابة التي تفرضها الأجهزة الاستخباراتية والأمنية. بل إن بثها لبرامج كوميدية في وقت كان الشعب فيه يعيش الحداد، أثار انتقادات واسعة.

وبدلاً من تغطية إخبارية مناسبة، ركزت الإذاعة والتلفزيون على بث برامج تفتقر إلى أي تعاطف مع حالة الشعب، ولم يخفَ هذا الإهمال على أعين الناس.

منظمة إدارة الأزمات: العجز ونقص المعدات

يتمثل جانب آخر من عجز النظام في أداء "منظمة إدارة الأزمات" في التعامل مع انفجار بندر عباس. هذه المنظمة، التي تلقت ميزانيات ضخمة على مدى سنوات، أظهرت أداءً مخيبًا للآمال خلال الأزمة، وهو انعكاس للأداء المخيب لنظام طهران ككل.

لم تُوفر المعدات اللازمة والكافية في الوقت المناسب لرجال الإطفاء وفرق الإنقاذ، بل كان هناك فوضى وارتباك في إدارة الأزمة.

في مثل هذه الظروف، يجب أن تكون القوى البشرية ومعدات الإنقاذ متاحة، لكن في الواقع، لم تتوفر معدات مناسبة لمواجهة مثل هذه الكارثة.

إن حقيقة أن رجال الإنقاذ يواجهون الأزمة بمعدات غير كافية وباعتمادهم على تضحياتهم الشخصية تُعد رمزًا لعجز السلطات وإهمالها.

دور الحرس الثوري في الرقابة والتستر

أحد الجوانب المهمة لهذه الكارثة هو صمت الحرس الثوري. تشير تقارير أجنبية نقلاً عن شركات أمنية إلى أن الانفجار قد يكون ناجمًا عن مواد خام لوقود الصواريخ مخزنة في مستودعات ميناء رجائي. تم استيراد هذه المواد من الصين وتخزينها في الميناء، لكن الحرس الثوري لم يقدم أي توضيح حول هذا الأمر وفضّل الصمت.

وقارن العديد من الإيرانيين هذه الكارثة بانفجار ميناء بيروت في عام 2020، حيث تسبب انفجار 2700 طن من نترات الأمونيوم المخزنة في الميناء في مقتل 220 شخصًا.

في إيران أيضًا، شوهدت حوادث مماثلة في الماضي، مثل إسقاط الحرس الثوري لطائرة أوكرانية أودى بحياة 176 شخصًا، حيث أنكر النظام في البداية مسؤوليته، واضطر للاعتراف بالكارثة بعد أن كشفتها وسائل الإعلام المستقلة.

الخلاصة: تفاقم انعدام الثقة بالنظام

في النهاية، تُظهر هذه الكارثة وغيرها من الكوارث عجز النظام، وتستره، وإهماله لحياة الناس وأرواحهم.

على مدى السنوات الأخيرة، واجه الشعب الإيراني القمع المتكرر، وتجاهل حقوقه، وغياب مساءلة المسؤولين. في مثل هذه الظروف، يشعر الناس بشكل متزايد أنهم لا يعتبرون المسؤولين ممثلين لهم، بل ولا يثقون بهم.

في هذا الوضع، لا يرى الشعب الإيراني المرشد خامنئي قائدًا لهم، ولا يعتبرون الإذاعة والتلفزيون وغيرها من مؤسسات النظام ممثلة لهم.

ويعتقد العديد من الإيرانيين أنه إذا استمر النظام الإيراني في الوجود، فإن حياة وأرواح العديد من الناس ستظل في خطر. هذه تجربة عاشها الشعب، وآخر أمثلتها انفجار بندر عباس.