برًا وبحرًا وجوًا.. الكوارث الدامية تتواصل في إيران والنظام يواصل التنصل من المسؤولية
شهدت إيران، في السنوات الأخيرة، سلسلة من الحوادث المأساوية والمدمرة، من إسقاط طائرة أوكرانية وانفجار منجم إلى انهيار مبنيي "متروبول" و"بلاسكو" وحرائق مميتة واسعة النطاق. وكشفت هذه الحوادث، إلى جانب حصد أرواح المئات، عن الضعف الهيكلي، والفساد الإداري، وأزمات السلامة في البلاد.
وفي هذا التقرير، نلقي نظرة على الكوارث، التي ألمت بالشعب الإيراني خلال العقد الماضي، وأثارت حزن الرأي العام، واحتجاجات داخلية وإدانات دولية:
انفجار هائل في ميناء رجائي: 25 قتيلاً وأكثر من 750 جريحًا
وقع انفجار قوي في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس، ظهر السبت، 26 أبريل (نيسان) الجاري، هزّ المناطق المحيطة بضعة كيلو مترات، وتسبب في أضرار جسيمة، وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، أسفر الحادث عن مقتل 25 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 750 آخرين.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأن سبب الانفجار يعود إلى وجود مادة بيركلورات الصوديوم، وهي من المكونات الرئيسة للوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية.
كما أشارت صحيفة "هم ميهن" الإيرانية إلى تزامن الحادث مع المفاوضات الفنية النووية بين إيران والولايات المتحدة، مرجحة احتمال التخريب، وذكرت شركة للأمن البحري أن سوء التعامل مع شحنات صاروخية قد يكون سبب الانفجار.
في مساء 21 سبتمبر (أيلول) 2024، وقع انفجار قوي في منجم للفحم بمدينة طبس بمحافظة خراسان، شرق إيران، أسفر عن مقتل 53 عاملاً وإصابة 20 آخرين.
وكان السبب الرئيس للحادث هو تراكم غاز الميثان في المنجم، وغياب التهوية المناسبة، وأظهرت التحقيقات الرسمية أن عدم استخدام معدات قياس الغاز، وغياب أنظمة الإنذار، والحفر غير القانوني كانت من العوامل المباشرة للانفجار.
وإلى جانب إدارة المنجم، تم تحميل مسؤولية الحادث لمنظمة الصناعة والتعدين والتجارة في المحافظة وإدارة العمل؛ بسبب ضعف الرقابة.
وبدأت عمليات الإنقاذ بعد الحادث، لكن العديد من العمال لقوا حتفهم قبل وصول فرق الإغاثة.
حريق معسكر إعادة تأهيل مدمني المخدرات في لنغرود: 36 قتيلاً بسبب الإهمال الإداري
في فجر الجمعة، 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، اندلع حريق في معسكر إعادة تأهيل مدمني المخدرات "كام اول رهایی" في لنغرود، شمالي إيران. وأسفر الحادث عن مقتل 32 شخصًا في الموقع، وإصابة 17 آخرين، تُوفيّ منهم أربعة لاحقًا في المستشفى، ليرتفع إجمالي الضحايا إلى 36 شخصًا.
وأُعلن في البداية أن سبب الحادث عطل فني في مدفأة، لكن التحقيقات اللاحقة كشفت أن الحريق كان متعمدًا، وكان المتهم بالتسبب في الحريق أحد الأفراد، والذي كان على خلاف شخصي مع مالك المعسكر.
واعتُقل مدير المعسكر؛ بسبب ضعف إجراءات السلامة ونقص المعدات اللازمة لمكافحة الحرائق، وتُوفيّ بعد شهرين في السجن.
وتم تحميل مسؤولية الحادث لمنظمة الرعاية الاجتماعية والإدارة البلدية، بسبب ضعف الرقابة. وبعد الحادث، أصدرت السلطات القضائية أوامر بالتحقيق الفوري، لكن عائلات الضحايا طالبوا بمزيد من الشفافية.
حريق سجن "إيفين": 9 قتلى وعشرات الجرحى وسط غموض حول السبب
في مساء 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ومع بداية احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، اندلع حريق واسع النطاق في سجن "إيفين" بطهران، وهو أحد أهم السجون السياسية والأمنية في إيران، وأسفر الحادث عن مقتل 9 سجناء وإصابة 61 آخرين.
وأعلنت السلطات الإيرانية أن سبب الحادث هو صراع بين سجناء عنابر السرقة والجرائم المالية، مما أدى إلى انتشار النيران في ورشة خياطة السجن. لكن تقارير من شهود عيان ومصادر مستقلة رجحت احتمال تورط قوات الأمن في إشعال الحريق أو تصعيده.
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو المنشورة حجم الحريق والانفجارات المتعددة.
وبعد الحادث، تمت محاكمة 40 سجينًا بتهم مختلفة، منها تدمير الممتلكات والإخلال بالنظام في السجن، وحُكم عليهم بأحكام قاسية تشمل السجن والجلد ودفع الدية. واعتبرت عائلات الضحايا هؤلاء السجناء "ضحايا " ولم تتقدم بشكاوى ضدهم.
انهيار مبنى "متروبول" في عبادان: مقتل 43 شخصًا وإصابة 37 آخرين بسبب الفساد
في ظهر 23 مايو (أيار) 2022، انهار مبنى "متروبول" غير المكتمل في مدينة عبادان، جنوب غربي إيران؛ حيث أسفر الحادث عن مقتل 43 شخصًا وإصابة 37 آخرين.
وأظهرت التحقيقات أن المبنى شهد مخالفات واسعة النطاق أثناء البناء، من زيادة غير قانونية في عدد الطوابق إلى ضعف الالتزام بالمعايير الهندسية وتجاهل التحذيرات الفنية.
وأُفادت التقارير بأن مالك المشروع، حسين عبدالباقي، الذي أُلقي عليه 75 في المائة من المسؤولية، تُوفي أثناء الحادث.
وأدانت المحكمة 21 شخصًا من المسؤولين البلديين ومراقبي المشروع؛ بسبب الإهمال والتجاوزات في إصدار التصاريح والرقابة، وحُكم عليهم بالسجن، ودفع الدية، والحرمان من الخدمات الحكومية. وأثارت كارثة "متروبول" غضبًا شعبيًا واسعًا، مما أثار احتجاجات شعبية في عبادان ومدن أخرى.
إسقاط الطائرة الأوكرانية: خطأ بشري أم إخفاء متعمد؟
في صباح 8 يناير (كانون الثاني) 2020، أُسقطت الرحلة رقم 752 التابعة للخطوط الجوية الدولية الأوكرانية، بعد إقلاعها من مطار الإمام الخميني في طهران، عبر إطلاق صاروخين من دفاعات الحرس الثوري، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها الـ 176.
ونفت إيران إطلاق الصواريخ لمدة ثلاثة أيام، لكن تحت ضغط الأدلة والاحتجاجات الدولية، اعترفت أخيرًا بالمسؤولية.
وأُعلن أن سبب الحادث هو "خطأ بشري في تحديد الجسم الطائر". ومع ذلك، كشف تسجيل صوتي لوزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف، أن مسؤولي الحرس الثوري كانوا على علم بإصابة الطائرة بالصواريخ، فور وقوع الحادث.
واعتبرت المحكمة العليا في أونتاريو بكندا إطلاق الحرس الثوري للصواريخ على الطائرة الأوكرانية فعلاً متعمدًا وإرهابيًا. وشكّل إسقاط الرحلة 752 نقطة تحول في الاحتجاجات وفقدان الثقة العامة بالنظام الإيراني.
غرق ناقلة النفط "سانتشي": 32 ضحية في أعماق المحيط
في 6 يناير 2018، اصطدمت ناقلة النفط "سانتشي"، التابعة للشركة الوطنية الإيرانية للناقلات النفطية، والتي كانت تحمل 136 ألف طن من المكثفات الغازية، بسفينة شحن صينية "سي إف كريستال"، في مياه شرق الصين.
واندلعت النيران في "سانتشي" واستمرت لمدة ثمانية أيام حتى غرقت، مما أدى إلى مقتل جميع أفراد طاقمها الـ 32 (30 إيرانيًا و2 من بنغلاديش).
ومنعت شدة الانفجار وانتشار الغازات السامة إجراء عمليات الإنقاذ بفاعلية، ونالت الصين انتقادات حادة، بسبب دورها في عمليات الإغاثة، لكن السلطات الإيرانية أعلنت أن العمليات تمت وفق المعايير الدولية.
وعُثر على الصندوق الأسود للناقلة، لكن الغموض حول السبب الدقيق للتصادم وطريقة الإغاثة لا يزال قائمًا. واحتجت عائلات الطاقم على الإعلان الرسمي عن وفاة أحبائهم، وطالبوا بمزيد من الشفافية.
وفي يناير 2022، أعلنت شركة هاريستشي، التي تتولى الدفاع عن مجموعة من عائلات طاقم سانتشي، أنها حصلت على وثائق تُظهر أن 22 من أفراد الطاقم على قيد الحياة، وأنهم كانوا محتجزين لدى القوات الإيرانية لأسابيع بعد الحريق، وأن جهاز مخابرات الحرس أبلغ علي خامنئي باحتجازهم.
انهيار مبنى "بلاسكو": 21 قتيلاً وآلاف العاطلين عن العمل
في صباح 19 يناير 2017 انهار مبنى "بلاسكو" القديم، في وسط طهران، بعد حريق استمر ساعات. أسفر الحادث عن مقتل 21 شخصًا، منهم 16 من رجال الإطفاء، وإصابة أكثر من 235 آخرين.
كان مبنى بلاسكو المُكوّن من 17 طابقًا، رمزًا لتجارة الملابس في طهران، وقد صدرت تحذيرات متكررة بشأن احتمال وقوع كارثة.
وبعد الحادث، أصبح نحو ثلاثة آلاف شخص عاطلين عن العمل، وتدمرت 560 وحدة تجارية للملابس بالكامل. وأُثيرت نقاشات حول مسؤولية البلدية وأصحاب المبنى.
وجذبت هذه الكارثة الانتباه إلى ضرورة تأمين المباني القديمة، وأصبحت رمزًا للإهمال المنهجي في التعامل مع التحذيرات الفنية والسلامة في إيران.