مفاوضات واشنطن تفجّر خلافات بين كيانات تابعة لمكتب خامنئي

يبدو أن الانقسام المتزايد داخل إيران، حول كيفية التعامل مع المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، قد وصل إلى مكتب المرشد علي خامنئي.

ففي حين أن خامنئي نجح إلى حدٍّ كبير في إسكات التيار المتشدد في طهران قبيل الجولة الثالثة من المحادثات مع واشنطن، لا تزال هناك معارضة قائمة داخل مكتبه نفسه.

وقدمت صحيفتان تموّلهما وتديرهما مؤسسات تابعة لمكتب خامنئي، وهما "كيهان" و"اطلاعات"، خلال الأسبوع الماضي، وجهات نظر متناقضة بحدة بشأن هذه المفاوضات. وهاتان الصحيفتان تُعدّان من أقدم الصحف في إيران، ويتم تعيين إدارتيهما من قِبل المرشد مباشرة.

وحافظت صحيفة "كيهان"، المعروفة بمواقفها المعادية للولايات المتحدة، على لهجتها المتشددة والمتشائمة تجاه المفاوضات، حتى بعد أن أظهر خامنئي بعض الليونة في خطاباته الأخيرة.

وتصرّ الصحيفة على أن "المفاوضات لن تفضي إلى شيء"، وكانت قد كتبت سابقًا أن "التفاوض مع الولايات المتحدة حماقة". وفي تعليق ساخر أثار جدلاً، دعت "كيهان" حتى إلى اغتيال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

وكتب رئيس تحرير "كيهان"، حسين شريعتمداري، في 18 أبريل (نيسان) الجاري، أن "إيران منخرطة في حرب هجينة مع الولايات المتحدة، وعلى الحكومة الإيرانية أن تتخذ وضعية قتالية ضد واشنطن".

وفي 22 أبريل الجاري أيضًا، نقلت الصحيفة عن موقع "دفاع برس" التابع للحرس الثوري الإيراني، أن "طهران تمتلك أسلحة سرية متطورة قادرة على مهاجمة جزيرة دييغو غارسيا ومواجهة القوات الأميركية والبريطانية هناك. ويمكن لطائرات شاهد-136 المُسيّرة الإيرانية أن تصل إلى دييغو غارسيا، التي تقع على بُعد نحو 4000 كيلومتر من حدود إيران".

وأضاف التقرير: "بإمكان إيران إشعال النار في دييغو غارسيا بصواريخ خرمشهر الباليستية المطوّرة، في حين أن صواريخ كروز الخاصة بها قادرة على استهداف السفن الأميركية الضخمة في المحيط الهندي".

ورغم أن هذه المقالات قد تكون مزيجًا من المعلومات الكاذبة والتضليل والتمنيات، فإنها تعكس بوضوح شكوك المتشددين العميقة تجاه أي تحرّك دبلوماسي.

في المقابل، رحبت صحيفة "اطلاعات" الإيرانية بالمفاوضات، وفي تحليل نشرته في 22 أبريل الجاري، سعت الصحيفة إلى كشف "الأطراف التي تحاول عرقلة المفاوضات".

وقالت: "ثلاث مجموعات في إيران تحاول تقويض المفاوضات. ورغم أنها لا تملك القوة الكافية لإفشال العملية بالكامل، فإنها قد تنجح في تثبيط عزيمة البعض وتُحرج نفسها".

وفي إشارة إلى بعض الحكومات الإيرانية السابقة وقادتها، اعتبرت "اطلاعات" أن المجموعة الأولى هي "من يتساءلون لماذا لم يُسمح بالمفاوضات عندما كانوا في السلطة، وكان بإمكانهم اعتبارها إنجازًا شخصيًا".

أما المجموعة الثانية، حسب الصحيفة، فهي "من يعتبرون التفاوض والمساومة خيانة. هؤلاء يرددون شعارات متطرفة، ويخلقون توترات، وأحيانًا يكون لخطابهم تبعات مكلفة على الحكومة. وفي بعض الأحيان، يُحرّضون حتى على احتجاجات محدودة في الشوارع".

ويبدو أن هذه إشارة واضحة إلى المحافظين المتشددين، مثل أعضاء حزب بایداری (الاستقامة) المتطرفين، وهيئة تحرير صحيفة "كيهان".

أما المجموعة الثالثة فهي "المعارضة الإيرانية المقيمة في الخارج"، والتي وصفتها الصحيفة بـ "الانتهازيين المفلسين".

وختمت "اطلاعات" تحليلها بدعوة واضحة إلى دعم "الانفراج والمفاوضات الجارية".

وقد يُنظر إلى هذا التباين على أنه جزء من استراتيجية "الشرطي الجيد والشرطي السيئ" التي ينتهجها خامنئي. ومع ذلك، فإن توقيت هذه المواقف- تزامنًا مع استمرار المحادثات- والتناقض الصارخ بين الموقفين، يُشير إلى وجود انقسام أعمق داخل مكتب المرشد.

ورغم استمرار بعض الجيوب المعارضة لأي اتفاق محتمل مع واشنطن، فإن بعض الإيرانيين- مثل عالم الاجتماع إبراهيم فیاض- بدأوا بالتفكير في مرحلة ما بعد الاتفاق.

ففي مقابلة مع موقع "خبر أونلاين" الإيراني، قال فياض: "هذه هي المرة الأولى التي يتفاوض فيها الإيرانيون مع قوة عالمية على قدم المساواة".

وفي الوقت نفسه، حذر من أن الخطاب المتشدد، الذي يصدر من المتشددين، وخصوصًا أولئك المرتبطين بالتلفزيون الرسمي الإيراني، قد يُنذر بحالة من عدم الاستقرار الداخلي الخطير.