الاستخبارات الهولندية تتهم النظام الإيراني بمحاولة تنفيذ عمليات اغتيال في أوروبا

أفاد جهاز الاستخبارات والأمن العام الهولندي (AIVD) في تقريره السنوي الجديد بأن إيران حاولت تنفيذ عملية اغتيال في مدينة هارلم خلال صيف 2024. ووفقًا للتقرير، فإن طهران كانت أيضًا ضالعة في محاولة اغتيال فاشلة أخرى وقعت نهاية 2023 في العاصمة الإسبانية مدريد.

وذكر موقع "NOS" الهولندي أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الهولندية أكد أنه عقب هذا الكشف، استدعى وزير الخارجية كاسبار فلدكامب السفير الإيراني لدى هولندا.

وجاء في التقرير أنه "استنادًا إلى المعلومات المتوفرة"، من المحتمل أن إيران أصدرت أوامر باغتيال أحد الكتّاب والنشطاء الإيرانيين المعارضين في مدينة هارلم.

وأضاف التقرير أن إيران حاولت أيضًا اغتيال أحد منتقديها في مدريد، عاصمة إسبانيا.

وبحسب "NOS"، فإن توجيه اتهام علني لدولة أجنبية بمحاولة اغتيال على الأراضي الهولندية يُعدّ أمرًا نادرًا. وآخر مرة وُجه فيها مثل هذا الاتهام كانت في عام 2019، حين اتهمت هولندا رسميًا إيران بالتورط في عمليات اغتيال على أراضيها، وذلك بعد عام من طرد اثنين من موظفي السفارة الإيرانية بسبب صلاتهم باغتيالين سابقين.

تفاصيل محاولة الاغتيال الفاشلة في هارلم

في العملية التي أُشير إليها في التقرير الجديد، لاحظ الناشط والصحافي الإيراني سيامك تدین طهماسبی في منتصف الليل أن رجلين كانا يصعدان إلى شرفة شقته. وكان الاثنان على اتصال عبر الهاتف بشخص ثالث يُعتقد أنه كان يوجه لهما التعليمات.

وعند اعتقالهما، تبيّن أن كليهما معروف في الأوساط الإجرامية في هولندا، وأنهما كانا أيضًا مطلوبَين للمشاركة في محاولة اغتيال أليخو فيدال-كوادراس، السياسي الإسباني المعروف بانتقاده الشديد للنظام الإيراني، والتي وقعت في مدريد أواخر عام 2023.

وأشارت التحقيقات إلى أن الحكومة الإيرانية اتبعت في الحالتين نفس النمط: استخدام شبكات إجرامية لتصفية معارضيها، مما يصعّب من إثبات العلاقة القضائية المباشرة بين طهران وهذه العمليات.

وكان سيامك تدین طهماسبی، المعارض المعروف، قد كشف في 26 يونيو 2024 في حديث مع "إيران إنترناشيونال" عن محاولة اغتيال فاشلة استهدفته.

وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية قد نشرت سابقًا تقريرًا أكدت فيه أن تدین طهماسبی نجا من محاولة اغتيال، حيث تعرض لهجوم في 5 يونيو 2024، كما سبق أن تعرض لمحاولة اقتحام شقته قرب أمستردام في 2 مايو 2024.

ووفقًا لـ"لوموند"، تم توقيف شخصين على خلفية هذه المحاولة، ويُشتبه في أن أحدهما متورط أيضًا في محاولة اغتيال سياسي إسباني مقرّب من منظمة "مجاهدي خلق" في نوفمبر 2023.

وكان أحد الموقوفين يحمل الجنسية الكولومبية، أما الآخر فهو رجل تونسي يبلغ من العمر 38 عامًا يُدعى محرز عياري، نشأ وعاش في ضاحية "فيلجويف" القريبة من باريس.

ويُشتبه في أن عياري كان أيضًا المتهم الرئيسي في حادثة إطلاق النار على السياسي الإسباني فيدال-كوادراس، التي وقعت في نوفمبر 2023، وقد كان ملاحقًا منذ عام 2022 من قبل الشرطة الفرنسية بتهمة القتل.

برنامج تلفزيوني هولندي: قلق أمني من تهديدات إيران للمعارضين

في 27 مارس 2025، كشف برنامج "نيوز أوور" (ساعة الخبر) الهولندي عن "قلق جدي" من جانب أجهزة الأمن حيال تهديدات إيران ضد معارضيها، مؤكّدًا أن النظام الإيراني يستخدم الترهيب ومحاولات الاغتيال لإسكات المنتقدين.

وأشار البرنامج إلى أن إيران تتعاون مع شبكات إجرامية لتنفيذ عملياتها ضد المعارضين.

وفي هذا السياق، حُكم على رضوان الطاغي، المجرم الهولندي-المغربي المعروف، بالسجن المؤبد مع اثنين آخرين بسبب تورطهم في عمليات اغتيال استهدفت معارضين للحكومة الإيرانية.

وكان من بين هؤلاء الضحايا محمد رضا كلاهي صمدي، الذي اغتيل في ديسمبر 2015 عن عمر يناهز 56 عامًا، وكان يعيش في مدينة "آلميره" الهولندية تحت اسم مستعار هو "علي معتمد". وتقول طهران إنه كان وراء تفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية في 28 يونيو 1981.

أما أحمد مولا أبوناهض، المعروف باسم "أحمد نیسي"، أحد قادة "حركة تحرير الأهواز"، فقد تم اغتياله في 8 نوفمبر 2017 أمام منزله في لاهاي.

تحديات قانونية أمام ملاحقة الجهات الإيرانية

في قضية محاولة الاغتيال في هارلم، ورغم محاكمة اثنين من المتهمين، ما زال الشخص الذي يُعتقد أنه كان يوجههما باسم النظام الإيراني فارًّا. وبسبب ذلك، أعلنت النيابة العامة في شمال هولندا أنها لن تتابع التحقيق في البُعد الإيراني للقضية حاليًا، وأن نشر تقرير جهاز الاستخبارات لن يغير هذا القرار.

ويُعد الحديث العلني المباشر عن تورط إيران بعد أشهر قليلة فقط من الحادثة أمرًا نادرًا، خاصة أن السلطات الهولندية كانت قد التزمت الصمت لسنوات في حالات سابقة، مثل عمليات الاغتيال التي وقعت في عامي 2015 و2017، ما أثار استياء الجالية الإيرانية والمنظمات الحقوقية والبرلمان الهولندي.

لكن المتحدث باسم جهاز الاستخبارات الهولندي أعلن عن تغيير في هذا النهج، قائلاً: "من الآن فصاعدًا، سنُعلن بشكل علني من يقف وراء هذه الأعمال عندما يكون ذلك ضروريًا. ليس لأننا نتوقع أن تتوقف هذه الهجمات، بل لأننا نريد أن نُظهر بوضوح أننا نعلم ما يحدث."

انسجام مع مواقف بريطانيا والسويد

يأتي هذا التغيير في سياسة جهاز الاستخبارات الهولندي منسجمًا مع النهج الجديد لأجهزة الاستخبارات في بريطانيا والسويد، اللتين وجهتا العام الماضي اتهامات صريحة لإيران بالوقوف وراء جرائم واستخدام عصابات منظمة على أراضيهما.

من جهتها، نفت إيران هذه الاتهامات، واعتبرتها جزءًا من "حملة دائمة لتشويه صورة إيران دوليًا".

وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 11 أكتوبر 2024، أن إيران لا تزال تستخدم عصابات الجريمة المنظمة لمهاجمة أهداف مرتبطة بإسرائيل حول العالم، رغم القيود المفروضة عليها.

وأضافت الصحيفة أن الضربات الإسرائيلية المتكررة على إيران وحلفائها، إضافة إلى مقتل حسن نصرالله الأمين العام السابق لحزب الله، قلّلت من خيارات طهران للرد.

أما صحيفة "الغارديان" فقد نشرت تقريرًا في سبتمبر 2023 استعرضت فيه شهادات 15 معارضًا إيرانيًا مقيمًا في أوروبا (في بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، السويد، وسويسرا)، وجميعهم أكدوا تعرضهم للتهديد والمضايقة من قبل النظام الإيراني.

وفي 6 أبريل 2025، نشرت صحيفة "ديلي ميل" تقريرًا أفادت فيه أن إيران توظف منظمات إجرامية منظمة لمهاجمة أهدافها داخل أوروبا.