لا استسلام ولا سلام: خامنئي يختار التأخير الاستراتيجي

مهدي برينجي
مهدي برينجي

رئيس التحرير التنفيذي في "إيران إنترناشيونال"

كان شعار المرشد الإيراني، علي خامنئي، المتكرر "لا حرب ولا مفاوضات" مع الولايات المتحدة، غير قابل للاستمرار، عندما أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنذارًا صريحًا بضرورة التوصل إلى اتفاق نووي أو مواجهة هجوم عسكري.

لكن موافقة خامنئي على محادثات إيران- أميركا في عُمان، يوم السبت 12 إبريل (نيسان)، لا تعكس إعادة تقييم شاملة للسياسة الخارجية أو لحظة تحول جذري، بل هي محاولة مدروسة لكسب الوقت.

ومع عودة ترامب إلى السلطة وحشد القوة العسكرية الأميركية في المنطقة، يعود خامنئي إلى استراتيجية مألوفة: تهدئة التوتر بما يكفي لتجنب الحرب، والحفاظ على الموقع الاستراتيجي للنظام الإيراني، وانتظار انحسار الضغط الأميركي.

وجدير بالذكر أن اجتماع يوم السبت في مسقط لا يهدف إلى حل الخلاف النووي، أو إعادة صياغة دور إيران الإقليمي، بل إنه يتعلق بتخفيف التوتر مع الحفاظ على أعمدة القوة الإيرانية الأساسية: البرنامج النووي، وترسانة الصواريخ، وشبكة الوكلاء الإقليميين.

وهذا نهج استخدمه خامنئي لعقود: المقاومة حتى تصبح الضغوط لا تُطاق، ثم التوقف، وإعادة تسمية التراجع "المرونة البطولية"، ثم إعادة التجميع. وقد استخدم هذا المصطلح في عام 2013 لتبرير مفاوضاته مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، واصفًا الدبلوماسية مع "العدو المكروه في طهران" بأنها تتماشى مع سوابق قادة إسلاميين في أوقات مضطربة سابقة.

التأخير الاستراتيجي

في عام 2019، عندما نقل رئيس الوزراء الياباني الراحل، شينزو آبي، رسالة من الرئيس ترامب، في ولايته الأولى آنذاك، رفض خامنئي الرسالة علنًا، قائلاً: "لا أعتبر ترامب شخصًا يستحق تبادل الرسائل معه". في ذلك الوقت، لم يكن هناك تهديد وشيك بالحرب. أما اليوم فالوضع مختلف: القاذفات الشبحية الأميركية B-2 في المتناول وجاهزة للهجوم، وتجوب مجموعتان من حاملات الطائرات المنطقة.

وعندما تم تسليم رسالة تحمل تهديدًا مباشرًا مؤخرًا عبر مسؤول إماراتي، درس خامنئي الرسالة والظروف بعناية، وموافقته على المحادثات ليست سعيًا للتهدئة بقدر ما هي "تأخير استراتيجي".

ويدرك خامنئي أن الحرب هي السيناريو الوحيد، الذي يمكن أن يحطم السيطرة الداخلية والنفوذ الإقليمي، اللذين بناهما هذا المرشد "الماكر" البالغ من العمر 86 عامًا على مدى عقود؛ حيث إن إبطاء التخصيب، وكبح جماح الوكلاء، والدخول في محادثات يكسبه الوقت دون التضحية بإنجازاته.

وحاليًا يُعد النظام الإيراني في أضعف حالاته على الجبهة الداخلية؛ فالعقوبات دمرت الاقتصاد، وكشفت الاحتجاجات المتقطعة من 2017 إلى 2022- التي قُمعت جميعها بالقوة القاتلة- عن تصدعات في بنيان حكمه، ومِن ثمّ فإن الحرب قد تدفع هذه التصدعات إلى السقوط الكامل.

وعلى النقيض، فإن المفاوضات التكتيكية، توفر لقيادة النظام مساحة للتنفس في الشوارع، بين النخب، وداخل النظام الحاكم.

غريزة البقاء

تسيطر غريزة البقاء الحادة على حكم خامنئي. منذ أن أصبح رئيسًا في عام 1981 ثم مرشدًا أعلى في عام 1989، عاصر سبعة رؤساء أميركيين وصمد أمام محاولات اغتيال، وعقوبات، وهجمات إلكترونية، وتخريب، وعزلة، وقصف. مفتاح طول بقائه هو تعديل التكتيكات دون التخلي عن الأهداف الأساسية.

ولم يكن اتفاق 2015 النووي تنازلاً بل كان مكسبًا، فعلى الرغم من أن إيران قبلت قيودًا مؤقتة على التخصيب، فإنها حصلت على اعتراف دولي بحقها في التخصيب، وهو خط أحمر دافع عنه خامنئي طويلاً.

وحدد الاتفاق النووي لعام 2015 مستوى تخصيب اليورانيوم عند 3.67 في المائة، وهو مستوى منخفض، لكن إيران حصلت على اعتراف دولي بحقها في التخصيب، وهو مبدأ كانت تتمسك به، وكان بإمكان طهران الانتظار لرفع هذا المستوى لاحقًا، وحتى عندما انسحب ترامب من الاتفاق عام 2018، لم يبادر خامنئي برد فعل متسرع، بل فضّل التريث وانتظار الوقت المناسب.

وعندما تولى جو بايدن الرئاسة الأميركية، والذي يُنظر إليه على أنه أقل عدائية، سرّعت إيران برنامجها. ارتفع التخصيب إلى 60 في المائة، وبحلول نهاية ولايته، تم تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتوسيع المنشآت تحت الأرض. ووفقًا لوكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فإن إيران تمتلك الآن ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع عدة أسلحة نووية، إذا اختارت ذلك.

التهدئة وإعادة التجديد

مع عودة ترامب إلى السلطة، وتصاعد الضغط العسكري الأميركي، يتكيف خامنئي للبقاء، والهدف هو التهدئة، على الأرجح، وكبح البرنامج النووي، وتهدئة الوكلاء، والحفاظ على البنية التحتية لتجنب مواجهة مباشرة.

وقد تقلص نفوذ إيران في المنطقة بشكل كبير، فحزب الله تحت الضغط. و"حماس" محاصرة، وربما الأهم، هو أن إيران خسرت سوريا كحليف رئيس، مما حرمها من ركيزة أساسية في محورها الإقليمي.

ومع ذلك، لا تعتبر إيران هذه الانتكاسات نهائية. غالبًا ما يصف المسؤولون الإسرائيليون إيران بأنها أخطبوط برأس في طهران وأذرع تمتد عبر المنطقة. عندما يفقد الأخطبوط ذراعًا، يمكنه أن ينمو مجددًا.

ويعتقد خامنئي أنه إذا نجا النظام من ترامب، فيمكن لنفوذه الإقليمي أن يتجدد.

الوقت والمال

مفتاح هذه الآمال سيكون تهدئة الولايات المتحدة، طوال فترة رئاسة ترامب، وهو هدف يمكن تحقيقه من خلال تقييد الأنشطة النووية، وتقليص عمليات الوكلاء، سواء بعقد اتفاق أو بدونه، وإذا أمكن تضمين هذا التقييد في اتفاق، فهذا أفضل.

وسيرسم الاتفاق لخامنئي ما هو مستعد لفعله ويكسبه المزيد من الوقت؛ فإذا جاء مع تخفيف العقوبات أو أموال، فلن يكون تنازلاً، بل سيكون انتصارًا صريحًا وواضحًا يُمكّن النظام من الصمود حتى نهاية ولاية ترامب.

لكن الخطوط الحمراء تبقى؛ فإذا طالب فريق ترامب بتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية، أو فرض قيود دائمة على القدرات الصاروخية، أو حل حلفائها الإقليميين، ستنهار المحادثات.

ولا يسعى خامنئي للسلام الآن، بل لكسب المزيد من الوقت. الدبلوماسية هنا ليست مدخلاً لنظام إقليمي جديد، بل هي درع تحمي من الكارثة؛ فالهدف ليس التوصل إلى تسوية، بل ضمان البقاء.

وهو توقف مدروس قد يمثل بداية دورة أخرى في لعبة طويلة الأمد لا تزال فيها المواجهة هي السياسة العامة للمرشد الإيراني، الذي يعلم أن الحرب هي الشيء الوحيد، الذي لا يستطيع تحمله.