"الغارديان": 5 عقبات جوهرية تُعرقل طريق المفاوضات بين طهران وواشنطن
تناولت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في مقال تحليلي، 5 أسباب تقلل من احتمالية نجاح المفاوضات بين طهران وواشنطن. أبرزها التناقض في تصريحات الجانبين بشأن طبيعة المحادثات، حول ما إذا كانت المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة، وهو ما قد يكون مؤشرًا على خلافات أعمق.
وكتبت "الغارديان"، اليوم السبت 12 أبريل (نيسان)، أن هذه اللقاءات تُعرف في التاريخ الدبلوماسي بـ"لحظات نيكسون في الصين": لقاءات دبلوماسية يضع فيها قادة أنظمة لديها عداوات متجذرة التوجس جانبًا ويحققون نتائج غير متوقعة.
ومع ذلك، نادرًا ما يوجد لقاء يحمل آفاق نجاح مماثلة لزيارة ريتشارد نيكسون التاريخية إلى بكين عام 1972: "حتى اللقاء المقرر في 12 إبريل بين ممثلي إيران والولايات المتحدة في عُمان ليس استثناءً من هذه القاعدة؛ لقاء أعلنه ترامب؛ مما فاجأ المجتمع الدولي والإعلام".
المانع الأول: تهديدات ترامب بالقصف والهجوم
على السطح، يتمحور الموضوع الرئيس للمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، ومخاوف الغرب من أن تتمكن إيران من تحويل هذا البرنامج إلى إنتاج أسلحة نووية.
وهدد ترامب طهران مرات عديدة بأنها ستواجه خطر القصف والهجوم، في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وعززت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، هذا المناخ الدبلوماسي المشحون بالتهديدات يوم أمس الجمعة.
وقالت ليفيت: "الهدف النهائي هو ألا تمتلك إيران سلاحًا نوويًا أبدًا.. كل الخيارات مطروحة، وعلى إيران أن تختار: إما أن تقبل مطالب ترامب أو تدفع ثمنًا باهظًا".
ووفقًا لـ "الغارديان"، فلا يبدو هذا الأسلوب واعدًا لتجاوز جيلين من انعدام الثقة بين البلدين، منذ أن قطع الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 1980، بعد احتلال السفارة الأميركية في طهران، أثناء الثورة الإيرانية، واحتجاز 53 أميركيًا كرهائن لأكثر من عام.
المانع الثاني: الخلاف حول شكل المفاوضات
هناك مانع آخر، وهو أن الطرفين يختلفان حتى حول شكل المفاوضات؛ فبينما قال ترامب إن المفاوضات ستكون "مباشرة"، أكدت إيران أنها ستكون "غير مباشرة"، بمعنى أن التواصل سيتم عبر وسيط.
ويقول المحللون والدبلوماسيون المخضرمون إن هذا الخلاف علامة على فجوات أعمق قد تقوّض أساسًا فرص النجاح، حيث وصف دبلوماسي أميركي احتمال النجاح بأنه "من صفر إلى لا شيء".
وقال السفير الأميركي السابق وأستاذ العلاقات الدولية الذي ألف كتابًا عن الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، دينيس جت: "هذا يظهر أن الأشخاص الجادين ليسوا مسؤولين عن هذه العملية، لأن إحدى الخطوات الأولى في أي مفاوضات هي الاتفاق على مسائل، مثل شكل المفاوضات وتفاصيل تنفيذها".
المانع الثالث: طهران وواشنطن لا تعرفان بعضهما
أضافت "الغارديان" أن الوفد الإيراني يقوده وزير الخارجية، عباس عراقجي، الذي لعب دورًا رئيسًا في المفاوضات، التي أدت إلى اتفاق عام 2015، المعروف باسم الخطة الشاملة المشتركة، بينما يدخل الوفد الأميركي المحادثات بقيادة المبعوث الخاص لترامب لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وأشارت الصحيفة إلى أن ويتكوف، وهو رجل أعمال في مجال الفنادق من مقاطعة برونكس في نيويورك، يحظى بثقة ترامب ويُعتبر مقربًا منه، لكنه يفتقر إلى أي خبرة فيما يتعلق بإيران أو ثقافة المفاوضات المعقدة في هذا البلد.
وهذا النقص في المعرفة قد يزيد من اتساع الفجوة العميقة القائمة بين البلدين.
وقال خبير الشؤون الإيرانية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، راي تكيه: "نحن لا نفهم الإيرانيين، ولست متأكدًا إلى أي مدى يفهمون هم النظام السياسي الأميركي، خاصة اليوم.. نحن أمام علاقة معقدة للغاية دون أن نفهم الطرف الآخر".
وأكد تكيه أن أحد العوامل، التي عززت هذا الجهل المتبادل، هو 45 عامًا من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مضيفًا: "نحن في أميركا، بشكل جماعي، لا نفهم نظام إيران. لا نعرف كيف يعمل هذا النظام. لا نعرف شخصيات ودوافع اللاعبين الرئيسين فيه. في رأيي، نحن نجهل بشدة آليات عمل هذا النظام من الداخل".
المانع الرابع: تناقض الأهداف والمطالب
يزيد تناقض أهداف الطرفين من تعقيد الوضع؛ فبالنسبة للنظام الإيراني، الهدف الرئيس هو تخفيف العقوبات الغربية الثقيلة، التي أضرت باقتصاد البلاد بشكل كبير.
وفي الوقت نفسه، تريد طهران الحفاظ على برنامجها النووي، الذي يؤكد قادتها أنه "لأغراض سلمية فقط".
وأوضح تكيه أن "الهدف الأهم لإيران هو حماية بنيتها التحتية النووية من هجوم عسكري، وأفضل طريقة لذلك هي بدء عملية مفاوضات".
ولكن وفقًا لـ"الغارديان"، أهداف أميركا ليست واضحة بالقدر نفسه.
هذا وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واشنطن بالسعي إلى "خيار مشابه لليبيا"، وهو تعبير يشير إلى الاتفاق مع الديكتاتور الليبي السابق، معمر القذافي، ويعني تفكيك قدرة تخصيب اليورانيوم بالكامل.
وهدف كهذا مرفوض تقريبًا بالنسبة للنظام الإيراني، خاصة في ضوء مصير القذافي النهائي الذي أُطيح به وقُتل على يد المتمردين.
كما تبدو الأهداف، التي طرحها مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، غير مقبولة بنفس القدر.
وطالب والتز بإنهاء دعم إيران للجماعات الوكيلة في المنطقة، مثل "حماس" و"حزب الله" و"الحوثيين".
ومع ذلك، يبدو أن والتز قد فقد جزءًا كبيرًا من نفوذه في البيت الأبيض بعد فضيحة "سيغنال- غيت"، حيث دعا عن طريق الخطأ صحافيًا إلى مجموعة محادثات المسؤولين الأميركيين حول الهجمات على الحوثيين.
وقال الباحث الأول في مركز السياسة الدولية، سينا طوسي، إنه على النقيض من ذلك، اتخذ ستيف ويتكوف موقفًا أكثر تساهلاً، و"يبدو حقًا شخصًا عمليًا".
وأشار طوسي إلى مقابلة أجراها ويتكوف تحدث فيها عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران، وقال: "تحدث عن اتفاق يرتكز على التحقق من الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني. يبدو أن ويتكوف يتحدث بثقة نيابة عن ترامب".
وأضاف: "لا أعتقد أن الإيرانيين كانوا ليوافقوا على لقاء رفيع المستوى مع ويتكوف في عُمان دون أن يكونوا قد حصلوا مسبقًا على نوع من الطمأنينة بأن هذه المفاوضات لن تكون من طرف واحد تمامًا".
ووفقًا لتقرير "الغارديان"، فإن هذه الطمأنينة تشمل أيضًا النقطة التي مفادها أن الجانب الأميركي لا يسعى إلى تغيير النظام الإيراني؛ وهو هدف طرحه في السابق بعض مستشاري السياسة الخارجية البارزين في إدارة ترامب السابقة، لكن ترامب نفسه أظهر علامات على التخلي عنه.
وفي مقابلة أجراها ويتكوف مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، قبيل المفاوضات، أشار إلى مرونة موقف أميركا، وحدد "الخط الأحمر" لواشنطن بأنه "تسليح البرنامج النووي الإيراني".
وقال: "أعتقد أن موقفنا يبدأ من تفكيك برنامجكم النووي بالكامل؛ هذا هو موقفنا اليوم. بالطبع، هذا لا يعني أنه لا يمكن إيجاد طرق للتسوية بين البلدين على هامش المفاوضات".
المانع الخامس: خوف طهران وعدم يقينها تجاه ترامب
وفقًا لـ "الغارديان"، فإنه في صميم الرغبة المفاجئة للإيرانيين في التفاعل، والتي كانت غائبة بشكل واضح خلال السنوات الأربع من رئاسة جو بايدن رغم المحاولات المتكررة، يلعب الخوف وعدم اليقين تجاه ترامب نفسه دورًا في احتمالية فشل المفاوضات.
ففي ولايته الأولى، أمر ترامب بقتل القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني. وفي هذا السياق، قال تكيه: "عامل الخوف يدفع النظام الإيراني إلى المفاوضات، لكنه أمر ذو حدين".
وأوضح أن هناك من جهة الخوف مما قد يفعله ترامب، ومن جهة أخرى، قلق طهران بشأن ما إذا كان بإمكانها الوثوق بترامب كوسيط موثوق للوصول إلى اتفاق.
لكن طوسي قال لـ "الغارديان" إن خامنئي يطرح الآن سياسة "الجزرة" التي من المرجح أن يقبلها ترامب، بناءً على نظرته العالمية المعروفة القائمة دائمًا على الصفقات: إمكانية إقامة علاقات تجارية بين أميركا وإيران.
وكتب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مؤخرًا في مقال نشرته "واشنطن بوست"، أن إيران، مع العقوبات الاقتصادية الأميركية والانخفاض المستمر في قيمة الريال، تواجه وضعًا اقتصاديًا حرجًا وتشتد حاجتها إلى استثمارات أجنبية لتحديث بنيتها التحتية.
وأضاف أن ترامب، من خلال أي اتفاق محتمل، يخلق، بطريقة ما، فرصة لإيران.