عُمان تعود إلى الواجهة.. وسيط موثوق للمحادثات الأميركية-الإيرانية مجددًا

كريستيان كوتس أولريكسن
كريستيان كوتس أولريكسن

باحث بمعهد بيكر

إذا كان إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المفاجئ في المكتب البيضاوي، يوم الأربعاء الماضي، أن إدارته ستعقد محادثات مع إيران هذا الأسبوع أمرًا مفاجئًا، فإن اختيار سلطنة عُمان كمضيف لم يكن كذلك.

ولطالما دعّمت السلطنة القنوات الدبلوماسية الخلفية بين الولايات المتحدة وإيران، وقد بنت سجلاً كوسيط موثوق به من كلا الطرفين.

وبدلاً من أن تلعب دور الوسيط، كما فعلت دول إقليمية أخرى مثل قطر، والمشاركة في محادثات مباشرة بنفسها، فإن النهج العُماني يتمثل في خلق المساحات، التي يمكن أن يحدث فيها الحوار، ومِن ثمّ فإنها تعمل كمُيسّر أكثر من كونها وسيطًا.

وتفسر مجموعة من العوامل التاريخية والجغرافية نهج عُمان البرغماتي في تيسير الدبلوماسية كعنصر رئيس في سياستها الخارجية.

وعلى عكس العديد من جيرانها في الخليج، لم يكن لدى عُمان تاريخ من العلاقات السيئة مع طهران، ويتذكر العُمانيون أن إيران في عهد الشاه قدمت دعمًا مهمًا للسلطان الراحل، قابوس بن سعيد، خلال السنوات الأولى من حكمه في السبعينيات.

وحتى بعد الثورة الإيرانية، التي أطاحت بالشاه في عام 1979، وأدت إلى إقامة النظام الديني بقيادة آية الله الخميني، وقفت عُمان بعيدًا عن التنافس الإقليمي والصراع على النفوذ الجيوسياسي في الخليج.

وتم تحديد ملامح السياسة الخارجية العُمانية بشكل مفيد في عام 2003 من قِبل السيد بدر البوسعيدي، الدبلوماسي المحترف، الذي أصبح وزيرًا للخارجية في عام 2020.

وقال البوسعيدي: "من الممكن لدولة صغيرة أن تنحت لنفسها درجة من الاستقلال النسبي"، و"نحاول الاستفادة من موقعنا الوسيط بين القوى الكبرى لتقليل احتمالية الصراع في جوارنا المباشر".

على هذا الأساس، سعى المسؤولون العُمانيون إلى ضمان معالجة النزاعات والنقاط الساخنة، التي من الممكن أن تتصاعد إلى صراعات مفتوحة، ومِن ثمّ تهديد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمن الإقليمي، من خلال الاستفادة من قدرتهم على التفاعل مع جميع الأطراف.

ويُعد دعم عُمان للقناة الخلفية، التي مكّنت المسؤولين الأميركيين والإيرانيين من الاجتماع سرًا لجولات متعددة من المحادثات في عامي 2012 و2013 هو المثال الأكثر شهرة لهذا التيسير.

وتم تفصيل الاتصالات السرية من قِبل بيل بيرنز، الذي كان آنذاك نائب وزير الخارجية الأميركية، في مذكراته، التي كتبها قبل عودته إلى منصبه مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية في عام 2021. ووصف بيرنز كيف "استقبل رئيس ديوان السلطان قابوس ورئيس المخابرات العُمانية كلا الوفدين عندما دخلا غرفة الاجتماع" و"قدما بضع كلمات ترحيب مختصرة ثم غادرا".

ونجحت المحادثات في وضع إطار للتفاوض اللاحق لمجموعة "5+1"، الذي أدى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، في عام 2015، والذي انسحب منه ترامب في عام 2018، خلال ولايته الأولى.

وانهار الاتفاق النووي وسط حالة من الخلافات، ويبدو أنه أثبت وجهة نظر بيرنز، عندما كتب أن عراقجي ورئيس الوفد الإيراني الآخر، مجيد تخت روانجي، "كانا يبوحان لي أحيانًا بأن لديهما قائدًا أعلى كان ينتظر فقط ليقول (ألم أقل لك)، ويثبت أن الأميركيين لا يمكن الوثوق بهم".

لم يعد سرًا

لقد واصل المسؤولون العُمانيون العمل كوسطاء دوريين بين طهران وواشنطن. وشمل ذلك استضافة محادثات غير مباشرة في عامي 2023 و2024، شارك فيها منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، والمفاوض النووي الإيراني، علي باقري، وتناولت هجمات الحوثيين على سفن الشحن البحري والضربات العسكرية الإسرائيلية والإيرانية المتبادلة، التي هددت بحرب إقليمية شاملة.

ومع هذا السجل في الاعتبار، لم يكن مفاجئًا أن القيادة الإيرانية ردت على رسالة ترامب، التي تم تسليمها بواسطة وسيط إماراتي، بإمكانية إجراء محادثات من خلال عُمان، في أواخر مارس (آذار) الماضي.

ولا يزال من المبكر معرفة ما إذا كانت المحادثات، سواء كانت غير مباشرة أو مباشرة أو ربما مزيجًا من الاثنين، ستؤدي إلى أي شكل من أشكال الاختراق، بالنظر إلى القيود السياسية على كلا الطرفين وإرث عقود من عدم الثقة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطابع العلني الواسع، الذي اتسمت به المحادثات هذه المرة يمثل خروجًا لافتًا عن الطابع السري، الذي ميّز قناة التواصل الخلفية في عام 2013، والتي كانت تنسجم بدرجة أكبر مع النهج الدبلوماسي السري الذي تشتهر به عُمان.

ومع ذلك، يؤكد اختيار المكان والوسيط مركزية عُمان في الحوار بين خصمين لدودين يكرهان بعضهما البعض، لكنهما يثقان في "مسقط".