بين "الضغط الأقصى" و"المواجهة القصوى".. تاريخ من الصدام والتوتر بين ترامب وإيران
منذ أن أطلق دونالد ترامب حملته الأولى للترشح للرئاسة الأميركية، كانت الاتفاقية النووية مع إيران في صلب انتقاداته، بداية من وصفه للاتفاق بـ"الأسوأ في التاريخ"، إلى اعتماده سياسة "الضغط الأقصى"، حيث اتخذ ترامب دومًا موقفًا تصادميًا ومتوترًا تجاه طهران.
لكن وسط تهديداته وتحذيراته، لم تخلُ تصريحاته من إشارات إلى استعداده للتفاوض.
الانتقادات الانتخابية للاتفاق النووي
مع بدء حملته الانتخابية الأولى، هاجم ترامب الاتفاق النووي الشامل، الموقّع في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في يوليو (تموز) 2015، واصفًا إياه بأنه "أسوأ اتفاق على الإطلاق"، متهمًا إدارة أوباما بتقديم تنازلات كبيرة، وانتقد الإفراج عن الأصول المالية الإيرانية.
وقال ترامب، خلال تجمع بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) 2015: "لم أرَ في حياتي صفقة أُبرمت بتلك السذاجة".
ووصف الدبلوماسيين الأميركيين المشاركين في التفاوض بأنهم "أغبياء جدًا".
وفي مارس (آذار) 2016، خلال كلمته أمام مؤتمر "أيباك"، تعهّد ترامب بـ "تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران" إذا أصبح رئيسًا. واعتبر الاتفاق "أحاديًا، مرعبًا، ولن يوقف البرنامج النووي الإيراني، بل سيجعل طهران أكثر جرأة".
السنة الأولى في البيت الأبيض والتشكيك في الاتفاق
عند توليه الرئاسة، في يناير (كانون الثاني) 2017، خلال فترة ولايته الأولى، ظل ترامب متشككًا تجاه الاتفاق النووي الإيراني، رغم التقارير التي تحدثت عن التزام طهران به.
وفي سبتمبر 2017، وصف ترامب الاتفاق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه "واحد من أسوأ وأكثر الاتفاقات أحادية الجانب التي دخلت فيها أميركا". وأضاف: "لن نسمح لنظام إجرامي بمواصلة زعزعة الاستقرار وهو يطوّر برنامجه الصاروخي الخطير تحت غطاء الاتفاق النووي".
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أعلن استراتيجية جديدة تجاه إيران ورفض التصديق على التزامها بالاتفاق النووي، وهدد بالانسحاب منه، إذا لم يتم تعديله، خاصة فيما يتعلق بالبند الزمني وبرنامج الصواريخ.
الانسحاب من الاتفاق وبداية سياسة "الضغط الأقصى"
في 8 مايو (أيار) 2018، أعلن ترامب رسميًا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، قائلاً: "الاتفاق كان سيئًا وأحادي الجانب.. وأتاح لطهران استئناف أنشطتها النووية".
ووقّع ترامب على قرار بإعادة فرض العقوبات، مؤكدًا أن "أميركا لن تكون رهينة للابتزاز النووي". وصرّح بأن الولايات المتحدة مستعدة للتفاوض على اتفاق "أفضل" إذا أوقفت إيران برنامجها النووي، ثم فُرضت عقوبات صارمة على قطاعات النفط والبنوك والصناعة الإيرانية لاحقًا.
وفي أغسطس (آب) 2018، غرّد ترامب: "هذه أشد العقوبات التي فُرضت على الإطلاق، وهناك ما هو أشد في نوفمبر (تشرين الثاني). من يتعامل مع إيران لن يتعامل مع أميركا".
وفي يوليو من العام نفسه، بعد تهديد الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، لواشنطن، كتب ترامب بالأحرف الكبيرة: "لا تهددوا الولايات المتحدة مجددًا، وإلا ستواجهون عواقب لم يشهدها سوى القليل عبر التاريخ".
تصعيد التوتر والدعوة إلى التفاوض
في مايو 2019، كتب ترامب مغردًا: "إذا أرادت إيران الحرب، فستكون نهايتها الرسمية. لا تهددوا الولايات المتحدة مجددًا".
وفي يونيو (حزيران) من العام ذاته، أسقطت إيران طائرة أميركية مُسيّرة، وكاد ترامب يشن ضربة انتقامية على طهران، ثم تراجع قبل 10 دقائق من تنفيذها. وقال لاحقًا: "إيران تنهار اقتصاديًا، وسيتصلون بنا قريبًا لعقد اتفاق".
وفي يوليو 2019، صرّح بأنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين "دون شروط مسبقة"، مشددًا على ضرورة تضمين البرنامج الصاروخي الإيراني في أي اتفاق مستقبلي.
التصعيد العسكري ونهاية ولاية ترامب الأولى
في 3 يناير 2020، أمر ترامب باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وردّت إيران بقصف قواعد أميركية في العراق.
وقال في الثامن من الشهر نفسه: "طالما أنا رئيس، لن تمتلك إيران سلاحًا نوويًا"، وأضاف: "نحتاج إلى اتفاق حقيقي وشامل".
وخلال حملته الانتخابية الثانية، قال مرارًا: "لو فزت، كانت إيران ستأتي للتفاوض خلال أسبوع واحد من الانتخابات".
وفي المناظرة النهائية قال: "في الشهر الأول من ولايتي الثانية كنا سنوقّع اتفاقًا جديدًا".
انتقادات لإدارة بايدن
منذ خروجه من البيت الأبيض، هاجم ترامب سياسات الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، تجاه إيران، واتهمه بـ "العودة إلى الاتفاق السيئ نفسه".
وفي سبتمبر 2023، هاجم صفقة تبادل سجناء، مقابل تحرير 6 مليارات دولار من أموال إيران، قائلاً: "بايدن دفع فدية وفتح باب احتجاز الرهائن"، مضيفاً أن الأموال وصلت إلى "حماس"، واصفًا ذلك بـ "الفضيحة".
حملة انتخابية ثانية
في سبتمبر 2024، قال ترامب في مؤتمر صحافي: "نحتاج إلى التفاوض، لأن امتلاك إيران سلاحًا نوويًا غير مقبول".
وأضاف: "بالطبع سنتوصل لاتفاق، فالعواقب ستكون غير محتملة. نحتاج إلى اتفاق". وقال إنه كان مستعدًا لعقد اتفاق "في غضون أسبوع من فوزه في 2020".
العودة إلى الحكم وتصعيد الضغوط
قال ترامب، خلال خطاب تنصيبه، في يناير 2025: "لن نسمح لأكبر راعٍ للإرهاب بامتلاك أخطر سلاح".
وأمر بالإبقاء على جميع العقوبات ضد طهران، وقال: "إما أن توقف إيران برنامجها، أو تواجه عواقب وخيمة".
وفي 15 مارس 2025، وبعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، أمر بشن غارات جوية ضدهم، محذرًا إيران من الاستمرار في دعمهم.
وفي 30 مارس، هدد في مقابلة مع قناة "إن بي سي": "إذا لم نصل لاتفاق مع إيران، سنقصفهم. بطريقة لم يشهدوها من قبل".
مفاوضات حرجة وتهديدات مباشرة
في 7 أبريل (نيسان) 2025، أعلن ترامب من نيويورك، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: "إن المفاوضات المباشرة مع إيران بدأت، وسنواصلها السبت (12 أبريل).
وقال: "أعتقد أن الجميع يفضّل الوصول إلى اتفاق".
وأكد أن المفاوضات تُجرى بشكل مباشر: "لا وسطاء، لا أطراف ثالثة. هذا تواصل مباشر على أعلى مستوى". لكنه حذر: "إذا فشلت المفاوضات، ستكون إيران في خطر كبير؛ لأنهم لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. هذه هي القاعدة".
وقال في 9 أبريل الجاري: "إذا اضطررنا لعمل عسكري ضد إيران، سنقوم به. إسرائيل ستلعب دورًا محوريًا، ستكون القائد فيه". وأضاف: "لكن لا أحد يقودنا. نحن نقرر وننفذ ما نراه مناسبًا".
ورغم التصعيد، فإن ترامب شدد على رغبته في التوصل إلى اتفاق، قائلاً: "أريد الخير لإيران. المشكلة الوحيدة هي أنهم لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي".
وقال: "الشعب الإيراني رائع وذكي، لكنه يعيش في ظروف سيئة، تحت نظام سيئ وقادتهم يعلمون ذلك. أنا لا أطلب الكثير، فقط لا لسلاح نووي".
وفي 10 إبريل الجاري أيضًا، ختم ترامب برسالة قوية: "إيران لا يجب أن تختبر إرادتنا. لقد عاد السلام من خلال القوة، ولن نسمح أبدًا لإيران بتهديد العالم بسلاح نووي".
الخلاصة
طوال عقد من الزمن، حافظ ترامب على مبدأ ثابت: منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن تكتيكاته تراوحت بين أقصى درجات التهديد العسكري وأقصى درجات الانفتاح التفاوضي.
فهل يكون الاتفاق الجديد وشيكًا؟ أم إن حملة الضغط الأقصى ستتحول إلى المواجهة الأشمل؟