الحياة الليلية في طهران.. عالم خفي من الرقص والمشروبات والتحدي
تحت وطأة القيود الدينية، التي تفرضها سلطات النظام الحاكم في إيران، يتغير المشهد تمامًا مع حلول الليل على العاصمة طهران، التي تتحول إلى عالم خفي مليء بالموسيقى الصاخبة، والرقص، وتتصادم كؤوس المشروبات، ويصنع الشباب الإيرانيون نوعًا خاصًا من الحرية.
يبدأ الأمر برسالة نصية على وسائل التواصل الاجتماعي من مقهى معروف: "إيداع بضعة ملايين من الريالات، ووعد بليلة لا مثيل لها في العاصمة الإيرانية طهران".
يقول مدير المقهى: "عليك دفع بعض المال مقدمًا وحجز مكانك".
"كم المبلغ؟"
"خمسة عشر مليون ريال (نحو 17 دولارًا). سيتم خصمها من فاتورتك في النهاية. كما نطلب سبعة ملايين ريال (8 دولارات تقريبًا) من كل شخص مقابل الخدمة الخاصة".
الخدمة الخاصة. عبارة غامضة ولكنها مغرية، تعني عروض "الدي جي"، والألعاب النارية، والأهم من ذلك، مساحة بلا قيود على الرقص، والشرب، أو الاختلاط بين الجنسين.
مدينة ذات وجهين
خلال النهار، تتردد أصداء النقاشات في برلمان طهران؛ حيث يدفع المتشددون الملتحون نحو تشديد قوانين الحجاب، وتمسح كاميرات الشرطة الشوارع، وتغرّم النساء، اللواتي تجرأن على القيادة دون غطاء رأس، تلقائيًا. ولكن مع حلول الليل، تتشكل حقيقة مختلفة في زوايا معينة من المدينة.
تبدأ ليلتنا بالشراء، وعلى الرغم من أن الكحول محظور في إيران، فإن شبكة سرية تضمن توفر كل شيء من "ويسكي شيفاز" إلى "عرق سكي" (فودكا إيراني محلي الصنع) بسعر معين.
يقول فريد، جهة الاتصال لدينا: "أعرض ويسكي أصليًا معبأً في الخارج بسعر يصل إلى 150 مليون ريال (نحو 170 دولارًا)، وفودكا مهربة إلى إيران بنصف هذا السعر. أو يمكنك أخذ عرق سكي محلي الصنع".
أضحك وأسأل: "هل أنت متأكد أننا لن نُصاب بالعمى؟".
يرد: "يا أخي، أنا لست نصابًا. اشترِ جهاز فحص الإيثانول عبر الإنترنت واختبره بنفسك".
تُلقى زجاجة داخل "كيس بلاستيك" إلى سيارتنا من دراجة نارية عابرة. لا كلمات، لا تبادل. الصفقة تمت مقابل 500 ألف ريال (نحو نصف دولار).
النادي خلف الأبواب المغلقة
كان الموقع في سعادت آباد، وهو أحد الأحياء الشمالية الراقية في طهران. نصل لنجد بابًا عاديًا دون أي علامة على النشاط. لا جرس، فقط مدخل يحمل اسم المقهى أو المطعم. ثم يظهر حارس من خلف شجرة، ويفتح الطريق إلى عالم خفي.
ويجلس 300 إلى 400 شخص جنبًا إلى جنب، في الداخل. الهواء مشبع بالموسيقى، والضحك، وصرير الكؤوس. تقريبًا كل طاولة تحتوي على زجاجات- تبدو كأنها مياه معدنية- تُسكب بحذر في المشروبات الغازية.
ويأخذ "الدي جي" الميكروفون: "أتمنى أن يأتي اليوم الذي تنتظرونه قريبًا". ينفجر المكان بالهتافات، الجميع يعرف بالضبط ما يعنيه.
وتُعزف أغنية مخصصة لقتلى احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، ويتحول الجو إلى تحدٍ، لا ينكسر.
كمما أن إجراءات الأمان مشددة؛ حيث يجول حارسان ذوا بنية قوية في الصالة الكبيرة بأشعة ليزر، يسلطانها على أي شخص يجرؤ على الوقوف. ويعلن "دي جي" آخر: "ممنوع الرقص حتى الواحدة صباحًا".
على طاولتنا، نطلب السلطات والأطباق الجانبية والمشروبات الغازية. أضيف قليلًا من "عرق سكي". يرفع الزوجان على الطاولة المجاورة كأسيهما مبتسمين.
تمر الساعات في ضباب من الموسيقى، والنخب الهادئة، ولحظات سرقة الفرح العابرة، ثم في الواحدة صباحًا، تنطفئ الأضواء.
بداية الرقص
يهز صوت الجهير الأرض، وتومض الأضواء الوامضة. وفجأة، يقف الجميع. فتيات بفساتين ضيقة، رجال بقمصان مصممة، يتحركون، يهزون، يحتفلون بليلة لا ينبغي أن تكون موجودة.
يُحذّر "الدي جي": "ممنوع التصوير. إذا أردتم أن نستضيفكم مرة أخرى، أبقوا هواتفكم منخفضة. فيديو واحد يمكن أن يغلق هذا المكان".
ويميل رجل بجانبي، يرفع صوته فوق الموسيقى: "عدت للتو من إيطاليا، حتى هناك، لا تجد نوادي تعمل حتى هذا الوقت المتأخر".
ويتصفح ضيف آخر "إنستغرام"، ويظهر لنا صفحات مقاهٍ مماثلة تقيم حفلات في مناطق: فرشته وأندرزغو واقدسية بطهران، كل منها يعد بالرفاهية، والسرية، والحرية.
وبحلول الثالثة والنصف صباحًا، نخرج مترنحين، نشعر بنشوة أكثر من مجرد الكحول. الفاتورة؟ خمسة وستون مليون ريال إيراني (نحو 75 دولارًا) مقابل سلطة دجاج، ومشروبات غازية مخلوطة بـ "فودكا فريد"، وشطيرتي لحم بقري. ولكن التكلفة غير مهمة.
تقول صديقتي، بينما نقود للعودة إلى المنزل: "لنفعل هذا مرة أخرى الأسبوع المقبل. إنه مكلف، لكنه أرخص من عطلة نهاية الأسبوع في دبي أو إسطنبول".
إنها محقة. وأنا أفكر في السنوات التي أضعناها في الخوف، في الصمت، أندم على عدم دخول هذا العالم من قبل.
هذه هي طهران، المدينة، التي يتم فيها اضطهاد النساء ومضايقتهن نهارًا، بسبب الحجاب الإجباري، ولكنهن يرقصن ليلاً في صالات خفية، يستعدن الحرية التي يرفضن التخلي عنها.