هل "تخرّب" روسيا المفاوضات النووية بين أميركا وإيران؟
مع إعادة ترتيب الأولويات الجيوسياسية عالميًا في الأيام الأولى لإدارة ترامب، قد تمنح روسيا دورًا جديدًا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، مما يعطيها ورقة قوية جديدة في الشرق الأوسط.
وفي ظل الخلافات المتزايدة مع أوروبا والشعور بالتطويق بسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، من المرجح أن تتصرف موسكو كعامل تخريبي، حيث لن تسمح لحليفها في الشرق الأوسط بأن يضعف بشكل حاسم، ولن تسمح له أيضًا بأن يكون معزولًا تمامًا عن مطالب الغرب بشأن برنامجه النووي.
وقد أعلنت روسيا هذا الأسبوع أنها تسعى إلى اتفاق على غرار الاتفاق النووي الدولي لعام 2015 الذي وقعته مع الولايات المتحدة، مما يشير إلى أنها قد تنضم إلى الجهود الرامية للضغط على طهران بشأن تخصيبها النووي المتصاعد.
كما توحي هذه التصريحات بأن موسكو تعتقد أن إيران قد تحد من أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات.
تجدر الإشارة إلى أن لروسيا مصلحة راسخة في منع تصاعد هذه القضية إلى أزمة كاملة. وترى موسكو أن الانهيار الاقتصادي الإيراني- الناجم عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة المزمن- يمثل عبئًا يضعف نفوذ طهران الإقليمي.
إن تراجع قدرة طهران على بسط نفوذها في سوريا والعراق يهدد الوجود الاستراتيجي الروسي، خاصة في سوريا، حيث استثمرت روسيا بشكل كبير.
كما أن إيران غير المستقرة قد تعقد المناورات الجيوسياسية الأوسع لروسيا، بما في ذلك جهودها لمواجهة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
وتستفيد روسيا من إيران التي تكون قادرة اقتصاديًا ولكنها غير مدمجة بالكامل في النظام العالمي؛ وتعتمد بشكل كافٍ على موسكو لتبقى موالية، وفي نفس الوقت مستقرة بما يكفي لمنع الاضطرابات الإقليمية.
وتتطلع إيران بشكل يائس إلى تخفيف العقوبات، ولكن من غير المرجح أن تتخلى تمامًا عن طموحاتها النووية، التي تعتبرها عنصرًا أساسيًا للأمن القومي.
ومع ذلك، يمكن لموسكو أن تقنع طهران بالحد من بعض جوانب برنامجها النووي مقابل تنازلات اقتصادية دون التخلي الكامل عن قدراتها.
ومع ذلك، يظل المرشد الإيراني علي خامنئي ثابتًا في معارضته للمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، وهو موقف متجذر في الأيديولوجيا وعدم الثقة.
وفي عام 2013، سمحت سياسة "المرونة البطولية" التي تبناها خامنئي بالوصول إلى الاتفاق النووي في عام 2015، المعروف رسميًا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" لكن السياق تغير منذ ذلك الحين.
كما أن انسحاب ترامب من الاتفاق في عام 2018 بالإضافة إلى الاعتماد المتزايد لإيران على روسيا والصين قد عزز موقف خامنئي. وأي مفاوضات جديدة ستتطلب ضمانات من غير المرجح أن تثق بها إيران، مما يجعل تحقيق اختراق دبلوماسي أكثر صعوبة.
وفي الوقت نفسه، تفكر القوى الغربية بشكل متزايد في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في الأشهر القليلة المقبلة.
وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات إلى حد المواجهة العسكرية، خاصة مع إسرائيل، التي حذرت بشكل مستمر من أنها لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية.
تجدر الإشارة إلى أن صراعًا مباشرًا يشمل إسرائيل والولايات المتحدة لن يؤدي فقط إلى زعزعة استقرار المنطقة، بل سيضعف أيضًا نفوذ روسيا، ويعطل أسواق الطاقة، ويحول الانتباه العالمي عن أولويات موسكو، بما في ذلك حربها في أوكرانيا.
ومن الصعب قياس القدرة الفعلية لروسيا على الوساطة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول إنه يتمتع بعلاقة جيدة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما يمكن أن يكون عاملًا إيجابيًا. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتمتع أيضًا بعلاقات جيدة مع بوتين.
وعلى الرغم من أن العلاقة تعقدت مع تزايد الشراكة العسكرية والاقتصادية بين موسكو وطهران، فإن الكرملين قد يكون في وضع يسمح له بثني تل أبيب عن اتخاذ إجراءات عسكرية واسعة النطاق.
وفي النهاية، تكمن مصلحة روسيا في منع تصاعد غير محسوب قد يعطل طموحاتها الاستراتيجية. ولذلك لا تسعى موسكو إلى حل الأزمة النووية الإيرانية، بل إلى إدارتها؛ مع الحفاظ على توترات عالية بما يكفي للاحتفاظ بنفوذ على كل من إيران والغرب، مع تجنب الحرب المباشرة.