النضال بالأزياء في إيران.. وإبراز هوية المرأة
تبدو الصور التي أراها من شوارع بلدي، خاصة أسلوب ملابس المواطنين، لاسيما النساء الإيرانيات بعد حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، مذهلة وجذابة، وقد أجبرت كباحثة في المنفى على تغطية تطورات إيران خلف جدار عالٍ من المسافة وبشكل غير مباشر.
وتكتظ منصات التواصل الاجتماعي مثل "إكس" (تويتر سابقًا) و"إنستغرام" بمقاطع الفيديو والصور للنساء والفتيات الشابات اللاتي، رغم القمع اليومي والمضايقات من قبل النظام في شكل دوريات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و"حرس الحجاب" والقوات "المفوضة بحرية التصرف"، يرتدين سترات قصيرة ومعاطف، بشعرٍ مُسدل أو بقبعات، وحتى بملابس داخلية تحت المعاطف في الأماكن العامة.
تتشابه تسريحات الشعر ومساحيق التجميل وأسلوب الملابس والإكسسوارات لدى العديد من الفتيات الشابات من جيل "زد" مع ما هو سائد في الغرب من موضة واتجاهات.
الموضة كرمز للنضال
لم ينتشر هذا النمط من الملبس والموضة بين ليلة وضحاها، بل كانت هناك عوامل، مثل تغيير جيل الآباء إلى مواليد الثمانينيات، الذين يتمتعون بنظرة وثقافة مختلفة عن الأجيال السابقة، وانتشار الوصول إلى الإنترنت حتى في المدن الصغيرة والقرى، وانتشار تعليم اللغات الأجنبية بين الأطفال والمراهقين، مما جعلهم على دراية بالثقافة والموسيقى، ومِن ثمّ بالحريات الفردية والديمقراطية الغربية. كل هذا كان يحدث تحت سطح المجتمع الإيراني.
ومع ذلك، فإن حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، التي ركزت على حقوق المرأة والحريات المدنية والسياسية، كانت عاملاً محفزًا، وعجّلت بظهور هذا التغيير في الموضة وأسلوب الملبس بين الشباب والنساء.
والنظام الإيراني، الذي طوال أكثر من أربعة عقود من استيلائه على السلطة، نظر دائمًا إلى جسد المرأة كأداة وحاول استخدامه كساحة لعرض أيديولوجيته الدينية من خلال فرض الحجاب الإجباري، وتعريف دور الأمومة بأنها "الوظيفة والقيمة الأساسية للمرأة"، أظهر مقاومة شديدة لهذا التغيير في أسلوب الملبس ولم يتراجع عن القمع.
وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو، التي تخترق رقابة وسائل الإعلام الحكومية، وتُنشر يوميًا من مدن إيران على منصات التواصل الاجتماعي، أن العديد من النساء، خاصة مواليد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، أصبحن غريبات عن مفهوم "المعطف"، وغالبًا ما يرتدين "التيشيرتات" والسراويل في الأجواء الحارة، والسترات القصيرة في الأوقات الباردة، دون ارتداء الحجاب.
وتحدثت عدة نساء يعشن في مدن إيرانية، مثل طهران وأصفهان ورشت، عن التغيير في أسلوب ملبسهن، بعد بدء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، وقلن إنهن أصبحن أكثر جرأة في اختيار ملابسهن واتباع الموضة التي يفضلنها.
وقالت "مينا"، وهي صحافية تعيش في طهران، تحدثت إلى "إيران إنترناشيونال" تحت اسم مستعار لحماية هويتها، إنها تخلت تمامًا عن الحجاب والمعطف بعد هذه الحركة، ووفقًا لملاحظاتها الشخصية، فإن النساء، باستثناء العاملات في المؤسسات الحكومية، لا يرتدين الحجاب في الأماكن العامة أو في أماكن العمل.
ومع ذلك، فهي لا تعتبر هذا "زيًا اختياريًا"، وتقول: "اللبس الاختياري يعني أن يكون لدى المرأة خيار ارتداء الملابس القصيرة في الصيف، لكن النساء الإيرانيات محرومات عمليًا من هذه الخيارات؛ رغم أنهن دفعن حدود الإلزام الحكومي إلى الوراء بشكل جدي".
وهذه الصحافية، التي تتابع عن كثب موضوع الموضة والاتجاهات اليومية، تصف قضية الموضة ولبس النساء بأنها "قضية معقدة ومرتبطة بحق الملكية على الجسد"، وهي تتغير مع الحركات الاجتماعية.
"شادي"، امرأة تبلغ من العمر 23 عامًا وتعيش في أصفهان، قالت لـ"إيران إنترناشيونال" إن أسلوب لبسها شهد "تغييرًا ملحوظًا" بعد احتجاجات 2022، وإن هذه الاحتجاجات جعلت من السهل عليها تحدي قانون الحجاب الإجباري.
وفي عام 2024، شاركت مجموعة من النساء الإيرانيات في حملات تلقائية على منصة "إكس"؛ حيث نشرن صورًا لأنفسهن وهن يرتدين "البيكيني" أو بدون حجاب في شوارع إيران، ووصفن هذا الإجراء بأنه خطوة لاستعادة أصواتهن وحضورهن الجسدي كشكل من أشكال النضال في المجتمع.
وأكدت "شادي" أن عدم ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وحتى عند مواجهة عناصر الأمن، الذين يمنعون دخول المترو من دون حجاب، يشعرها الآن بالقوة ولا تشعر بالخوف، مضيفة: "في العام الماضي، عندما ذهبت إلى جامعتي في طهران لإكمال إجراءات التخرج، وعندما رفضت الالتزام بقيود اللبس، رأيت هذا التحدي للحجاب الإجباري، ودخول الجامعة باللباس الذي أريده كجزء من هويتي التي تميزني عن الآخرين".
هذه الشابة ترى أن اختيار الموضة والأزياء في إيران يتجاوز تقديم صورة خارجية، بل هو قضية سياسية "تُظهر اتجاه الفرد في النضال ضد الديكتاتورية".
كيف تغيّر تصميم الأزياء في إيران؟
ظهرت التغييرات الاجتماعية، التي حدثت في إيران، خاصة بعد حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، أيضًا على مستوى تصميم الأزياء.
ويتمتع جيل الشباب في إيران، المعروف بجيل "زد"، بمعلومات أوسع بكثير عن أنماط الموضة، مقارنة بالأجيال السابقة، ويعبرون عن آرائهم الشخصية من خلال أسلوب لبسهم، رغم ضغوط النظام لقمع فردية النساء ونظرتهن المختلفة لأيديولوجية الثورة الإيرانية.
وكان هذا الوعي المختلف عن الموضة والأزياء واضحًا في أسلوب النساء والفتيات المشاركات في احتجاجات 2022؛ من النساء اللاتي كنّ يظهرن بشعر مصبوغ بالأخضر والأحمر والأزرق، وأظافر مطلية باللون الداكن، وأحذية ضخمة، ووشوم وثقوب في الشفاه والأنف والحاجبين والأذنين، إلى الفتيات اللواتي كنّ يرتدين "الكروب توب" والتنانير القصيرة جدًا مع الأحذية الطويلة في الشوارع.
لكن هذا التغيير ليس مقتصرًا على جيل الشباب من مواليد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي.
وقالت "بيتا"، التي تعمل في مجال حياكة الملابس وتعيش في مدينة رشت، لـ"إيران إنترناشيونال"، إنها لاحظت تغييرًا في الطلبات، التي تتلقاها خلال العامين الماضيين، حيث لم تعد النساء يطلبن خياطة "المعطف"، بل ارتفعت طلبات السترات القصيرة مع التنانير أو السراويل بشكل كبير.
وهي ترى هذا التغيير أيضًا في أسلوب العملاء، الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و60 عامًا.
"نادية آيدان"، خريجة تصميم الأزياء والناشطة في مجال حقوق المرأة، لديها ملاحظات مشابهة لـ"بيتا"، تقول إن العملاء وحتى المقربين منها أصبحوا أكثر جرأة في اختيار الملابس، وإن العديد من النساء بدأن بتجربة أنماط جديدة لم يجربنها من قبل؛ لأنها لم تكن متوافقة مع معايير الحجاب الإجباري التي يفرضها النظام.
صورة المرأة الإيرانية عام 2024
بالنسبة لي، ونظرًا لأنني أعيش بعيدًا عن بلدي، فإن متابعة مقاطع الفيديو والصور للنساء على منصات التواصل الاجتماعي ترسم هذه الصورة: نساء أنيقات ومهتمات باتباع أحدث صيحات الموضة، ولم يعدن يخضعن لقيود الملبس، التي تفرضها أيديولوجية النظام الإيراني، ولم يعدن يرتبطن بها بأي شكل.
تؤكد "مينا" هذه الصورة وتقول إن النساء الإيرانيات، برغبتهن في الأناقة، يرتدين ملابس تتعارض تمامًا مع قيم النظام.
وتضيف، في إشارة إلى العنف الذي تتعرض له النساء بسبب أسلوب لبسهن: "النساء الإيرانيات لا يستحققن أبدًا تحمل هذا الضغط اليومي لمجرد المشي في شوارع بلادهن، ولا ينبغي أن يصبح هذا الشعور طبيعيًا".
وتؤكد "نادية آيدان"، وهي مواطنة إيرانية أيضًا، أن "ارتداء الملابس ليس مجرد اختيار بسيط، بل يمكن أن يكون بيانًا واحتجاجًا وتذكيرًا بشيء سُلب منا كنساء ونحن الآن نستعيده".
وكما تقول، فإن المرأة الإيرانية في عام 2024، بعد كل الأثمان الباهظة التي تحملتها من أرواح وأموال، لم تعد تسعى للاندماج في الأطر التي يفرضها النظام والمجتمع، بل أصبحت النساء الإيرانيات يفكرن أكثر في أن تحمل ملابسهن رسالة، وتعبر عن هويتهن الشخصية، وليس فقط عن جمالهن الخارجي.