النساء في إيران.. 46 عامًا من النضال ضد استبداد النظام
منذ بداية النظام الإيراني الحالي، كانت النساء وما زالت في طليعة الثورة ضد القمع؛ وما هتافات "لم نثُر لكي نعود إلى الوراء"، وحملة "مليون توقيع" وحركة "المرأة، الحياة، الحرية"، والاحتجاجات النسائية داخل سجن إيفين، إلا أمثلة لنضال الإيرانيات المستمر طوال 46 عامًا.
وحاولت السلطات الإيرانية قمع هذه الاحتجاجات من قبل بطرق متنوعة، في مناسبات مختلفة، ومنها "اليوم العالمي للمرأة"، الذي يوافق 8 مارس (آذار) من كل عام، أو عبر الأجهزة الأمنية والقضائية التابعة للنظام.
وخلال هذه الفترة، تعرضت النساء، اللاتي قاومن الشمولية ومعاداة المرأة في القوانين الرسمية للنظام الإيراني، لعقوبات قاسية، حيث واجهن السجن، والجلد، والإعدام، بالإضافة إلى الإقصاء الاجتماعي والسياسي والثقافي.
وتواصل النساء نضالهن من أجل تحقيق مطالبهن، على الرغم من تزايد القمع، واعتقال المئات من الناشطات السياسيات والمدنيّات، وإصدار أحكام بالإعدام ضد ثلاث سجينات منهن، وهن: وریشه مرادی، وبخشان عزیزی، وشریفة محمدی.
وفي هذا السياق، أصبح قسم النساء في سجن إيفين بطهران، الذي يحتجز نحو 80 سجينة سياسية، رمزًا من رموز مقاومة النساء ضد الاستبداد الحاكم في إيران.
صوت عالٍ من أجل الحرية
يعد قسم النساء في سجن إيفين هو المكان، الذي تُحتجز فيه السجينات اللاتي انتهت فترات التحقيق معهن في مراكز الاحتجاز الأمنية، أو يتم نقلهن لقضاء فترة عقوبتهن بعد الحكم عليهن.
وقد شهد هذا القسم في مناسبات مختلفة العديد من الحركات الاحتجاجية، وكان دائمًا في قلب حركة النضال الشعبي ضد النظام الإيراني، وفي بعض الحالات كان رائدًا في تلك الاحتجاجات.
وتواصل النساء المحتجزات في هذا القسم، واللاتي يطلقن عليه منذ سنوات اسم "خط الجبهة للمرأة، الحياة، الحرية"، محاولاتهن لمتابعة نضالهن داخل السجن بطرق مختلفة، ويطلقن صرخاتهن بصوت عالٍ من أجل الحرية.
وتروي إحدى النساء، التي أمضت أكثر من عام في هذا القسم، تجربتها، مشيرةً إلى أنها لا ترغب في الكشف عن هويتها حفاظًا على أمنها، قائلة: "على عكس ما يعتقد الكثيرون، الذين لم يعايشوا تجربة السجن، فإن السجينات بعد انتهاء التحقيقات والتعذيب في مراكز الاحتجاز الأمنية غير الآمنة في إيران، عندما يتم نقلهن إلى القسم العام، يبذلن قصارى جهدهن للحفاظ على روح النضال في جميع أوقات سجنهن".
وأضافت هذه السجينة السياسية السابقة أن النساء يمارسن الرياضة بانتظام. وبعضهن يتناوبن على تنظيف القسم، بينما تتناوب أخريات على تحضير وجبة الإفطار، ويتم تنظيم جلسات عرض ونقد للأفلام، بالإضافة إلى قراءات جماعية للكتب والمقالات.
وتابعت قائلةً: "يجب تصور هذه الأنشطة إلى جانب مقاومة السجينات في لحظات الفرح والحزن، من خلال الهتافات، والإضرابات الاحتجاجية، والرقص في وجه الاستبداد. النساء في السجون كانت نضالاتهن مستمرة في الخارج، وفي قسم النساء بسجن إيفين، فإن الحياة والنضال مستمران بالفعل".
وما كتابة الرسائل والبيانات الاحتجاجية، والاعتصام والإضراب عن الطعام الجماعي، والاعتراض على إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، والهتاف ضد المسؤولين خلال زياراتهم للسجون؛ إلا بعض من أشكال الاحتجاجات التي قامت بها النساء السجينات في سجن إيفين، خلال الأشهر الماضية.
وقالت إحدى السجينات السياسيات، التي قضت فترة قصيرة في قسم النساء بسجن إيفين، عن إحدى الاحتجاجات التي جرت في السجن، لـ"إيران إنترناشيونال": "في العام الماضي، عندما اقترب المسؤولون القضائيون من قسم النساء في السجن لزيارته، رددنا نحن والسجينات السياسيات الأخريات الأناشيد الثورية، ووقفنا أمامهم وجهًا لوجه، وهتفنا بشعارات مثل: المرأة، الحياة، الحرية والموت للديكتاتور".
وأضافت سجينة سياسية سابقة، طلبت عدم الكشف عن هويتها: "بين نضال السجينات، والدراسات، والنقاشات، والتعلم، رأيت بأم عيني كيف فرّ القضاة والمسؤولون المجرمون أمام قوة الاحتجاجات، أدركت جوهر النضال. في تلك اللحظات، كان السجن هو المكان الذي عشت فيه النضال الحقيقي بكل معانيه".
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، وصفت الناشطة السياسية الإيرانية، نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في رسالة من محبسها، زيارة المسؤولين القضائيين من النظام الإيراني إلى قسم النساء في سجن إيفين بتشكيل محكمة شعبية من قِبل السجينات ضد المسؤولين القضائيين المتورطين في الجرائم.
لا للإعدام
تقبع شريفة محمدي في قسم النساء بسجن لاكان في رشت، بينما توجد وريشه مرادي وبخشان عزيزي في قسم النساء بسجن إيفين في طهران، وهن ثلاث سجينات سياسيات حكمت عليهن السلطات القضائية التابعة للنظام بالإعدام.
ومن جهة أخرى، ظل التأكيد على شعار "لا للإعدام"، أحد الأهداف، الذي ظلت النساء السجينات في "إيفين" يناضلن من أجله طوال الوقت؛ بهدف إلغاء أحكام الإعدام لجميع السجناء، بغض النظر عن التهم الموجهة إليهم.
وتعتبر النساء السجينات في إيفين من أولى المجموعات، التي انضمت إلى الحملة الاحتجاجية "كل ثلاثاء لا للإعدام"، التي بدأت في فبراير (شباط) 2024 من قِبل السجناء السياسيين في سجن قزل حصار بمدينة كرج.
وقد حظيت هذه الحملة، التي مضى عليها أكثر من عام، بدعم من المنظمات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، وتعتبر واحدة من كبرى الحركات الاحتجاجية، التي تهدف إلى وقف إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام في إيران، كما يظهر الدور البارز للسجينات في استمراريتها بوضوح.
ومن بين الشعارات، التي تم ترديدها مرارًا في ساحة قسم النساء بسجن إيفين، خلال الأشهر الماضية: "قسم النساء في إيفين صوت واحد حتى إلغاء حكم الإعدام، سنظل صامدات حتى النهاية"، و"لا تهديد، لا قمع، لا إعدام، لم يعد هناك تأثير، جمهورية الإعدام لا تحلم براحة"، وغيرها من الشعارات.
وقد طلبت النساء السجينات في إيفين مرارًا من الإيرانيين أن ينضموا إليهن في الاحتجاجات ضد الإعدام، عبر هتاف "لا للإعدام" و"حرية السجين السياسي" من داخل السجن.
وفي استجابة لهذه المطالب، نظم عدد من الناشطين المدنيين وأسر السجناء المحكومين بالإعدام تجمعات أمام سجن إيفين، خلال الأسابيع الماضية، بالتزامن مع حملة "كل ثلاثاء لا للإعدام".
محاولات النظام لتفريق السجينات
حاولت الأجهزة الأمنية الإيرانية في الأشهر الأخيرة مرارًا، وبطرق مختلفة خلق فجوة بين النساء السجينات السياسيات، اللواتي تم سجنهن لأسباب فكرية واعتقادية متنوعة، بهدف تفريقهن والقضاء على اتحادهن.
واستخدمت تلك الأجهزة عناصر أمنية، ومسؤولين في السجون، ووكالات الأنباء الحكومية، ووسائل الإعلام التابعة للأجهزة الأمنية لتشويه صورة النساء السجينات والتشكيك في نضالهن الفعّال ضد الاستبداد.
غُلرخ إيرائي، وهي سجينة سياسية ظلت في السجون الإيرانية لأكثر من عقد من الزمن، وصفت في رسالة من محبسها، في سبتمبر (أيلول) 2024، السجن بأنه "نموذج مصغر للمجتمع الأكبر وراء الجدار"، وذلك ردًا على تصريحات فائزة هاشمي رفسنجاني عن أوضاع قسم النساء في سجن إيفين.
وجاء في جزء من رسالتها: "في المناسبات نجتمع معًا. من ذكرى مجزرة 1988 إلى يوم 8 مارس. ومن الأول من مايو/أيار حتى ذكرى الانتفاضة الثورية في 2022. تُعقد جلسات نقاش وتحليل ودروس تعليمية، ومراجعة أحكام الإعدام، ومشاهدة الأفلام الاجتماعية بشكل جماعي وفردي، وتعلم اللغات، وتحليل الأحداث الجارية في المجتمع والعالم، وتنظيم أمسيات شعرية وجلسات أدبية، وتقديم وتحليل الكتب، وكذلك الرياضة الجماعية".
وكتبت الناشطة الحقوقية والسجينة السياسية السابقة، آتنا دائمي، في الوقت نفسه حول هذا الموضوع أيضًا: "قسم النساء في سجن إيفين هو بلا شك واحد من أبرز معاقل مقاومة حركة الشعب الإيراني".
الرأس يذهب.. الروح تذهب.. لكن الحرية لن تذهب أبدًا
النساء السجينات في إيفين، مثل باقي النساء اللاتي يناضلن من أجل الحرية في إيران، رددن مرارًا في احتجاجاتهن شعارات، مثل: "الرأس يذهب، الروح تذهب، لكن الحرية لن تذهب أبدًا"، وأكدن مقاومتهن وصمودهن حتى الوصول إلى الحرية والمساواة.
وتواصل النساء، اللاتي تم سجنهن بسبب معتقداتهن وآرائهن ونشاطاتهن الاجتماعية والسياسية أو مطالبتهن بالعدالة، مسيرتهن بشجاعة نحو تحقيق الحرية والمساواة والوصول إلى العدالة.
وتقضي زينب جلاليان، أقدم سجينة سياسية في إيران، عامها الثامن عشر في السجن المؤبد، ومثلها مريم أكبري منفرد تقضي عامها السادس عشر في السجن أيضًا. وهناك فاطمة سبهري وناهيد شيربيشه، كل هؤلاء رموز للمقاومة ضد القمع، وهن محتجزات في سجون أخرى بإيران.
وفي المقابل، لم يتحمل النظام الإيراني وأجهزته القمعية احتجاجات النساء السجينات في أي مرحلة، وفي كل مرة يحاول قمع أصواتهن ووقف احتجاجاتهن بطرق مختلفة.
وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن، ردّت الأجهزة الأمنية والقضائية على احتجاجاتهن بالقمع، وتلفيق القضايا، وإصدار أحكام جديدة، والنقل إلى السجون التأديبية، والحبس في الزنازين الانفرادية، والضرب، ومنعهن من التواصل الهاتفي أو زيارة عائلاتهن ومحاميهن، بالإضافة إلى عقوبات أخرى.
وفي الأشهر الأخيرة، زاد المسؤولون القضائيون والأمنيون ومسؤولو السجون من محاولاتهم لإغلاق قسم النساء في سجن "إيفين"، أو نقل السجينات السياسيات إلى سجون أخرى في إيران.
وعلى الرغم من هذه المحاولات، تواصل السجينات المحتجزات في سجن "إيفين"، جنبًا إلى جنب مع باقي النساء والرجال المقاومين، تزامنًا مع يوم المرأة العالمي، الذي يوافق الثامن من مارس من كل عام، نضالهن لمقاومة ظلم واستبداد النظام الإيراني.