هل يتذرع مسؤولو النظام الإيراني بـ"تهديد الحرب".. كدرع أخير للبقاء؟
يعتقد كثيرون في إيران هذه الأيام، أن البلاد على أعتاب حرب. هذا الاعتقاد، وإن كان قد بدأ يتبلور لدى بعض المحللين السياسيين منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإنه أصبح أكثر جدية عندما صرح الرئيس ترامب، بأن النظام الإيراني سيتم إيقافه بقصف عسكري أو باتفاق مكتوب.
وأكد ترامب في مقابلة مع "فوكس نيوز": "هناك طريقة لإيقافهم [مسؤولي النظام الإيراني]: إما بقصف عسكري وإما من خلال اتفاق مكتوب. أعتقد أن إيران قلقة للغاية ومرعوبة، لأن قدراتها الدفاعية قد تضاءلت تقريبًا".
جاءت هذه التصريحات في وقت أكد فيه مسؤولو النظام مرارًا أنهم غير مستعدين للتفاوض مع الولايات المتحدة، واختاروا طريق "المقاومة" بتأكيد قوي. ومنذ أن أعلن علي خامنئي علنًا معارضته للتفاوض، تحدث المسؤولون الإيرانيون مرارًا عن احتمال الحرب واستعدادهم لمثل هذا الحدث.
بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في ظهور العسكريين في وسائل الإعلام، أصبحت المصطلحات الأمنية أكثر بروزًا في الخطاب الرسمي للنظام. والتركيز المستمر على الحرب لا يتم فقط كخطر وشيك، بل كأداة سياسية واستراتيجية تُستخدم لتعزيز الأجواء الأمنية وقمع الاحتجاجات الشعبية تحت غطاء التهديد الخارجي.
الحرب كأداة للدفاع والتهديد
في خطابات مسؤولي النظام الإيراني، فإن التركيز على الحرب أو رموزها له وظيفة خارجية. فهم ربما يريدون تهديد الخصوم بسبب خوفهم من اندلاع الحرب. وفي كلام المسؤولين، تم تهديد إسرائيل ودول المنطقة، خاصة دول الخليج العربي، مرارًا. كما قال أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجو فضائية في الحرس الثوري: "إذا ضربوا مراكزنا النووية، سيشتعل حريق في المنطقة لا يمكن حساب أبعاده".
كما صرح إبراهيم جباري، مستشار قائد الحرس الثوري، بلغة أكثر حدة: "عملية الوعد الصادق-3 ستكون بالحجم المناسب وستؤدي إلى تدمير إسرائيل وحرق تل أبيب وحيفا".
هذه التهديدات يصاحبها كشف النقاب عن أسلحة جديدة وإجراء مناورات عسكرية. وفقًا لتقرير صحيفة "فايننشيال تايمز"، ضاعفت إيران تقريبًا عدد مناوراتها العسكرية في الأشهر الأخيرة. وتم تنفيذ هذه المناورات في المناطق الغربية والجنوبية من البلاد، بما في ذلك بالقرب من المنشآت النووية في نطنز ومضيق هرمز.
من خلال هذه الإجراءات، تريد إيران التأكيد على قدراتها الصاروخية والهجومية، وفي الوقت نفسه، التأكيد على قوتها الدفاعية. فقد صرح المرشد مؤخرًا بأن إيران تقف على مستوى دفاعي لا يدعو للقلق من التهديدات العسكرية للعدو.
ويمكن اعتبار هذه التصريحات جزءًا من استراتيجية الحرب النفسية للنظام؛ حيث لا يقتصر الهدف على ردع إسرائيل وأميركا فحسب، بل أيضًا على إدارة الرأي العام داخل البلاد. في ظل تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فإن خلق أجواء التهديد الخارجي هو وسيلة لتحويل انتباه الناس عن الأزمات الداخلية.
الحرب كأداة للسيطرة
بغض النظر عما إذا كان مسؤولو النظام الإيراني يطرحون الحرب كتهديد أو كدفاع، فإن التكرار المستمر لرموز وخطابات الحرب في الشهر الماضي أصبح أمرًا يوميًا. هذا التركيز المكثف على الأجواء الحربية يتجاوز مجرد رد فعل بسيط على التهديدات الخارجية، بل هو أداة واعية لخلق تماسك إجباري والتحكم في الرأي العام. يحاول النظام من خلال التلميح المستمر باحتمال الحرب دفع المجتمع نحو التوحد والانصياع الإجباري.
ولكن يبدو أن ما تسعى إليه إيران من هذا التوحيد أو الاتحاد هو خلق الخوف ومحاولة السيطرة الداخلية. فقد أشار بهزاد نبوي، أحد وجوه الإصلاح، في مقابلة إلى أن الأجواء الحربية يمكن أن تساعد في خلق وفاق وطني. ويمكن اعتبار هذا الرأي جزءًا من رؤية النظام الذي يريد خلق هذا "الوفاق" من خلال نشر الخوف.
في نفس الوقت، يرى العديد من المسؤولين أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجههم هو تدفق المعلومات الحرة على الإنترنت. يقولون إن هناك حربًا معرفية تُشن ضدهم ويجب إنشاء سد لمنعها.
في الواقع، توسيع نطاق الحرب من قبل المسؤولين في أبعاد مختلفة يُظهر محاولة لتعزيز السيطرة ونشر الخوف. ويمكن ملاحظة هذا في كلام أحمد رضا رادان، قائد الشرطة، الذي قال في 23 فبراير مقارنًا بين أيام الحرب العراقية الإيرانية والوضع الحالي: "في تلك الأيام كنا محاصرين في قناة "كميل"، أما اليوم فنحن محاصرون في قنوات الفضاء الإلكتروني، وإذا لم نكن مقاتلين، فسنتراجع بالتأكيد وسنترك الوطن لهم".
الحرب كأداة للبقاء
تواجه إيران مجموعة من الأزمات الداخلية مثل الاقتصاد المنهار، والبيئة المدمرة، والعجز المالي، والفساد المنهجي، مما أثار تساؤلات حول شرعية النظام السياسي الحالي في أذهان الكثير من الناس. نتيجة لهذا الوضع، ومع توقع المزيد من الاحتجاجات، يحذر مسؤولو النظام من أن "فتنة أخرى" قد تندلع، وهو تعبير استُخدم مرارًا لقمع الاحتجاجات.
ولكن هذه المرة، الخطر أكثر واقعية من أي وقت مضى. في مثل هذه الظروف، لم يعد النظام يعتمد فقط على أدوات القمع التقليدية، بل لجأ إلى أزمة أكبر للحفاظ على السلطة: قرع طبول الحرب.
إن خلق أجواء الحرب في الوقت الحالي يجعل السيطرة على الوضع أسهل للنظام. الحرب، أو حتى التهديد المستمر باندلاعها، هي أهم أداة لتحويل انتباه الرأي العام وقمع السخط.
ومن خلال تعزيز أجواء الحرب، يمكن للنظام توسيع نطاق الأجواء الأمنية، وفرض المزيد من السيطرة على وسائل الإعلام، وتقييد الإنترنت، وتكثيف قمع المعارضين تحت ذريعة "الظروف الاستثنائية". في مثل هذه الأجواء، يمكن قمع أي احتجاج بتهمة معارضة "النظام" أو "إثارة الرأي العام" أو "التعاون مع العدو".
ويمكن القول إن الحرب، أو حتى ظلها، هي السلاح الذي يحتاجه النظام الإيراني لإنقاذ نفسه من الانهيار. النظام الحاكم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى "عدو خارجي" ليوحد المجتمع، ويبقي قواته في حالة تأهب، ويدمر أي احتجاج داخلي. النظام السياسي للبقاء يحتاج إما إلى الحرب، أو إلى التهديد الدائم بها. وفي كلتا الحالتين، سيدفع الشعب الإيراني واقتصاد البلاد واستقرار المنطقة ثمن هذا "البقاء".