علي خامنئي.. "آية الله إنكار"

علي خامنئي.. بدلاً من قبول حقائق المجتمع الإيراني، مثل الاستياء الشديد للشعب من النظام ومنه هو شخصيا، يصر على إنكار هذه الحقائق. يفضل أن يقول إن الشعب الإيراني تحت تأثير دعاية وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، ترتفع أصوات الناس في إيران احتجاجًا على ظلم النظام، وفشل الحكومة، والفساد والسرقة من المسؤولين. خطاب خامنئي يظهر مدى فهمه لتراجع شرعية النظام بين الإيرانيين. حيث يدعي أن "العدو" يسعى من خلال الدعاية إلى فصل الشعب عن النظام.
لكن هل حقًا أن الدعاية الخارجية هي سبب هذه الفجوة الواسعة بين الشعب والنظام؟ أم إن حقائق الحياة اليومية في إيران، مثل الفقر، والفساد، والقمع، وفشل الحكومة، هي التي أدت إلى هذا الاستياء الواسع؟
خامنئي على دراية واضحة بأنه فقد قاعدته الشعبية، لكنه غير مستعد للاعتراف بهذه الحقيقة، ويلقي باللوم على دعاية الأعداء ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. في حين أن وسائل الإعلام، على عكس ما يدعي، هي فقط مرآة لواقع المجتمع.
وظيفة وسائل الإعلام هي نقل الحقائق، ووسائل التواصل الاجتماعي هي مجرد انعكاس لحياة الناس في الظروف الحالية في إيران. لذلك، إذا فقد النظام قاعدته الشعبية، فهذا ليس بسبب دعاية وسائل الإعلام الأجنبية، بل بسبب أداء النظام نفسه.
الغالبية العظمى من الشعب الإيراني اليوم غير راضية، ويعبّرون عن استيائهم بوضوح، حتى إنهم يستهدفون خامنئي نفسه بشكل مباشر في انتقاداتهم واحتجاجاتهم. هذه الأصوات ليست دعاية، بل هي صدى الاستياء العام الذي يُعبّر عنه يوميًا بأشكال مختلفة. ولكن بدلاً من قبول هذه الحقيقة، التي مفادها أن الشعب قد بلغ به السأم من ظلم وفساد النظام، يصر خامنئي على إنكار هذه الحقيقة ويعتبرها نتيجة لعمليات إعلامية من الأعداء. ولهذا السبب، كلّف الأجهزة الإعلامية التابعة للنظام بإنتاج محتوى موجه لتغيير الرأي العام.
هذه السياسة تظهر عدم فهم خامنئي لطبيعة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. في العالم اليوم، من لديه ما يقوله يستطيع جذب الجمهور، لكن السلطات الإيرانية تسعى إلى غلق فضاء وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق حجب شبكات التواصل مثل "إنستغرام"، و"تليغرام"، و"تويتر"، و"يوتيوب"، بينما في الوقت نفسه، تطلب من القوى التابعة لها إنتاج محتوى في هذا الفضاء، وهو تناقض واضح.
لو كان لدى خامنئي القدرة، لقطع الإنترنت تمامًا، لكن بما أن ذلك مستحيل من الناحية التقنية والاقتصادية، فإنه لجأ إلى سياسة "السيطرة".
سياسات خامنئي تجاه وسائل الإعلام هي استمرار لنفس النهج الذي اتبعه قبل عقدين ضد الصحف المنتقدة. كما فعل في عام 2000 عندما أصدر أمرًا بإغلاق 16 صحيفة في ليلة واحدة، اليوم أيضًا، كلما سنحت له الفرصة، يفرض المزيد من القيود على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
هدفه دائمًا كان منع انعكاس الحقائق، ولكن كما أن إغلاق الصحف لم يمنع الناس من استخدام وسائل الإعلام البديلة المحلية والدولية، فإن حجب وسائل التواصل الاجتماعي لم يمنع الناس من الوصول إلى الأخبار والمعلومات.
الوسيلة الإعلامية التي لا تعكس الحقيقة تفقد مصداقيتها. وإذا كان هناك مثال واضح لهذا الأمر، فهو مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية؛ فهي مؤسسة تملك إمكانيات واسعة، ولكن بسبب عدم نقلها للحقائق الاجتماعية، فقدت مصداقيتها ولا يثق بها الشعب.
يتوقع خامنئي أن لا يلجأ الشعب إلى وسائل الإعلام غير الحكومية، ولكنه في الوقت نفسه يمنع وسائل الإعلام الحكومية من نشر الحقائق. هذا التناقض هو السبب الرئيسي لفشل النظام في الساحة العامة.
من ناحية أخرى، بعد الهزائم الإقليمية الأخيرة وتراجع مكانة إيران، لجأ خامنئي الآن إلى القومية والوطنية الزائفة، ويحاول استعادة الدعم الشعبي من خلال شعارات وطنية. في لقائه الأخير مع الناس في تبريز، أشار إلى هذه المسألة.
لكن هذا السلوك أيضًا يتناقض مع الخطاب والسياسات السابقة للنظام، حيث لم يكن هناك أي حركة أو جهة مارست معارضة للقومية الإيرانية كما فعل النظام شخصيًا وخامني نفسه، فقد كان دائمًا يسعى إلى إضعاف هذه القومية.