"نيويورك تايمز": إيران تدرس نهجا أسرع لصنع أسلحة نووية.. وواشنطن تعلم

أفادت "نيويورك تايمز" أن معلومات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني أقنعت المسؤولين الأميركيين بأن فريقًا سريًا من العلماء الإيرانيين يدرس نهجًا أسرع، وإن كان أكثر بدائية، لتطوير سلاح نووي، بحيث يصبح من الممكن إنتاجه إذا قررت طهران المضي قدمًا في بناء القنبلة.

وقد تم جمع هذه المعلومات الجديدة في وقت تظهر فيه مؤشرات على أن إيران تسعى بنشاط للتفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبحسب مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين تحدثوا إلى "نيويورك تايمز" دون الكشف عن أسمائهم، فقد تم جمع هذه المعلومات في الأشهر الأخيرة من ولاية جو بايدن، ثم نُقلت إلى فريق الأمن القومي الخاص بدونالد ترامب خلال عملية انتقال السلطة.

تحذيرات بشأن تطوير سلاح نووي سريع

حذّرت التقييمات الاستخباراتية التي قُدّمت إلى البيت الأبيض من أن المهندسين والعلماء العسكريين الإيرانيين يبحثون عن "طريق مختصر" يمكنهم من تحويل مخزونهم المتزايد من الوقود النووي إلى سلاح فعال في غضون أشهر، بدلاً من سنة أو أكثر، بحيث تكون إيران جاهزة لإنتاج القنبلة إذا قررت تغيير استراتيجيتها الحالية.

وقبل ثمانية أشهر، كشفت قناة "إيران إنترناشيونال" في تقرير خاص أن إيران تواصل سرًا تنفيذ مشاريع متعددة تهدف إلى تطوير الأسلحة النووية، بما في ذلك استئناف الاختبارات المتعلقة بإنتاج مفجّر القنبلة النووية.

ووفقًا للتقرير، فقد كثفت إيران جهودها لإكمال دورة إنتاج الأسلحة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، وتصنيع المفجّرات النووية، وتطوير الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.

وقد صرّح مسؤولون أميركيون مؤخرًا بأنهم ما زالوا يعتقدون أن إيران والمرشد علي خامنئي لم يتخذوا قرارًا نهائيًا بعد بشأن بناء قنبلة نووية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، إن إدارة بايدن كانت قلقة من أن إيران، التي تعاني من ضعف شديد، قد تصل إلى نقطة امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، وإن فريق ترامب أصبح على علم بهذه المخاطر خلال عملية انتقال السلطة.

لكن المعلومات الجديدة تشير إلى أن إيران، في ظل تراجع نفوذ قواتها الإقليمية وعدم فاعلية صواريخها أمام أنظمة الدفاع الأميركية والإسرائيلية، باتت تدرس بجدية خيارات جديدة لردع أي هجوم أميركي أو إسرائيلي محتمل.

ووفقًا للمسؤولين الأميركيين، فإن إيران ما زالت على أعتاب امتلاك السلاح النووي، حيث استأنفت إنتاج اليورانيوم خلال السنوات الأخيرة، وأصبح لديها الآن ما يكفي من الوقود لإنتاج أربع قنابل أو أكثر. لكن هذا المخزون من الوقود وحده لا يكفي لصنع قنبلة نووية، وتشير المعلومات الجديدة إلى أن الحكومة الإيرانية تركّز على المراحل النهائية المطلوبة لتحويل هذا الوقود إلى سلاح.

تغيّر محتمل في موقف إسرائيل

منذ سنوات، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقترب مرارًا من إصدار أمر بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، لكنه كان يتراجع في اللحظة الأخيرة بسبب ضغوط من قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليين، وكذلك الولايات المتحدة.

غير أن "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن الظروف الإقليمية الحالية تختلف كثيرًا عن الماضي، وقد تؤدي إلى تغيّر في حسابات نتنياهو بشأن إيران.

جدير بالذكر أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يرون أن طهران لم تكن أضعف مما هي عليه اليوم. فحماس وحزب الله، اللذان كانا يتلقيان الدعم العسكري والمالي من إيران، فقدا الكثير من قدراتهما الهجومية ضد إسرائيل، كما أن الرئيس السوري بشار الأسد بات يعتمد بشكل متزايد على موسكو، مما يقلل من قدرة إيران على استخدام الأراضي السورية لنقل الأسلحة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، خلال الضربة الإسرائيلية الثانية ضد إيران، تم تدمير الدفاعات الصاروخية حول طهران وبعض المنشآت النووية، كما تم استهداف المنشآت التي تستخدم في تصنيع وقود الصواريخ الإيرانية، ما أدى إلى اضطرابات كبيرة في برنامجها الصاروخي.

وعلى الرغم من أن ترامب صرّح سابقًا بأنه ليس في عجلة من أمره للدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، فإنه يبدو مهتمًا بإجراء مفاوضات معها. وفي أول مؤتمر صحفي له بعد تنصيبه، قال ترامب ردًا على سؤال حول دعمه المحتمل لضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية: "نأمل أن نتمكن من حل هذا الأمر دون الحاجة إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة. سيكون من الجيد حقًا إذا استطعنا حل المشكلة دون اللجوء إلى الخيار العسكري".

الانقسام في إيران: الحرس الثوري مقابل الدبلوماسية

أبدى مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، استعداده لإجراء مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع القوى العالمية. ومع ذلك، يقول خبراء أميركيون إنه من غير المرجح أن يكون لديه معرفة دقيقة عن نشاطات الحرس الثوري المتعلقة بالبرنامج النووي.

وقال كريم سجادبور، الخبير في الشأن الإيراني بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لـ"نيويورك تايمز": "بزشكيان ووزارة الخارجية الإيرانية لا يملكان على الأرجح معلومات حقيقية عن القرارات الداخلية للنظام بشأن البرنامج النووي. فإيران لديها منذ فترة طويلة بنية حكومية مزدوجة، حيث يوجد هيكل رسمي يتألف من الدبلوماسيين والسياسيين، إلى جانب دولة سرية تشمل القوى العسكرية والاستخباراتية التي تعمل تحت إشراف خامنئي، وهي المسؤولة عن البرنامج النووي والميليشيات الإقليمية وعمليات القمع والاغتيالات".

وأضاف أن "المسؤولين الرسميين الذين يُسمح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين غالبًا ما يكون دورهم مقتصرًا على نفي هذه الأنشطة، دون أن يكون لديهم دراية حقيقية بتفاصيلها".

ووفقًا للمسؤولين الغربيين، إذا قررت إيران بناء قنبلة نووية، فإنها لن تحتاج سوى بضعة أيام لرفع تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المائة وهو المستوى المطلوب عادة للأسلحة النووية.

لكن تخصيب اليورانيوم وحده لا يكفي، إذ تحتاج إيران أيضًا إلى تصميم رأس حربي مناسب يمكن تحميله على صاروخ باليستي، وهي عملية يُعتقد أنها ستستغرق ما بين عام إلى 18 شهرًا.

ومع ذلك، يبدو أن إيران تبحث عن خيار بديل: سلاح نووي بسيط لكنه سريع التصنيع.

وتشير التقارير إلى أن إيران تمتلك بالفعل تصميمًا قديمًا لقنبلة نووية حصلت عليه من العالم الباكستاني عبد القدير خان قبل أكثر من 25 عامًا. هذا التصميم، رغم بدائيته، يمكن تصنيعه بسرعة مقارنة بالتصاميم الحديثة الأكثر تعقيدًا.

هذا السلاح البدائي قد لا يكون مناسبًا للتحميل على صاروخ باليستي، وقد لا يكون موثوقًا بدرجة كافية، لكنه يمكن أن يُستخدم في اختبار نووي، ما يسمح لإيران بالإعلان عن نفسها كقوة نووية، وهو ما قد يخلق تأثيرًا رادعًا ضد أي هجوم أميركي أو إسرائيلي محتمل.