مستشار خامنئي: البرنامج النووي الإيراني قابل للتفاوض.. لكن لا تندفعوا بتهور

أكد علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، أن التفاوض بشأن البرنامج النووي ضروري، لكي يتمكن الناس من العيش. وانتقد، بسخرية، المؤيدين للمفاوضات، مشيرًا إلى أنهم اندفعوا نحوها بتهور، دون أن يتقدم أحد بعرض رسمي، حتى الآن.

وصرّح لاريجاني، السياسي المخضرم المقرب من خامنئي، بأن الطاقة النووية ليست سوى "جزء من قدرات" النظام، ويمكن التفاوض بشأنها.

وتأتي تصريحات لاريجاني بعد 22 عامًا من العقوبات المشددة، التي فُرضت على إيران، بسبب إصرار مسؤولي النظام على تطوير البرنامج النووي.

وقال لاريجاني، في مقابلة إعلامية: "القضية النووية جزء من قدراتنا الوطنية، لكنها ليست كل شيء، والناس بحاجة إلى العيش".

وأشار لاريجاني، الذي تولى منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بين عامي 2005 و2007، خلال تصاعد الخلافات حول الملف النووي الإيراني في عهد الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد، إلى تجربته السابقة في المفاوضات، مؤكدًا أن لها "حدودًا".
وأضاف أنه رغم زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي من 9 آلاف إلى 50 ألفًا، بعد الاتفاق النووي، فإن ذلك أتاح في المقابل فرصًا للنشاط الاقتصادي وتطوير قطاعات أخرى في البلاد.

وأعاد حديث لاريجاني إلى الأذهان تصريحات الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، الذي دافع عن المفاوضات النووية، في ديسمبر (كانون الأول) 2013، قائلاً: "يجب أن تدور أجهزة الطرد المركزي، لكن يجب أن تدور عجلة حياة الناس والاقتصاد أيضًا".

هل يعكس مستشار المرشد موقف النظام؟
رغم أن لاريجاني يحمل لقب مستشار المرشد الإيراني، وإرساله كمبعوث خاص في الاتفاق المثير للجدل مع الصين لمدة 25 عامًا، فإنه رُفض مرتين من قِبل مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات الرئاسية في إيران.

وتراجعت عائلة لاريجاني، وخاصة صادق لاريجاني، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع في أوساط النظام الإيراني، تدريجيًا إلى الهامش، منذ تولي الرئيس الأسبق، إبراهيم رئيسي، رئاسة السلطة القضائية. ورغم تعبيرهم عن استيائهم علنًا، لم يقم علي خامنئي بأي خطوة فعلية لدعمهم، مكتفيًا بإشارات تهدئة غير مباشرة.

وتعد تصريحات لاريجاني الأخيرة بشأن التفاوض أقرب إلى تيار حزب "كوادر البناء" والمعتدلين؛ أي أنصار الرئيسين الإيرانيين الأسبقين، أكبر هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، أكثر منها إلى مكتب خامنئي. وهو التيار الذي اقترب منه لاريجاني، الذي كان في الأصل محسوبًا على التيار الأصولي، خلال السنوات الأخيرة.

مساعي الإصلاحيين للنجاة عبر المفاوضات
تحولت قضية التفاوض لرفع العقوبات في إيران إلى ساحة تنافس بين التيارين الأصولي والإصلاحي. ومع انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، وما تبعه من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حاولت حكومة حسن روحاني الثانية، حتى آخر أيامها، إحياء الاتفاق، خاصة مع وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية؛ حيث بدا أن إدارته أكثر استعدادًا لإعادة العمل بالاتفاق.

وخلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة عام 2024، بعد مقتل إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم طائرة، تبيّن أن بايدن قد منح إعفاءات في الأشهر الأخيرة من ولاية روحاني، ما كان سيسمح لحكومته بإحياء الاتفاق النووي. وكان محمد جواد ظريف، وزير خارجية حكومة روحاني، الذي يشغل حاليًا منصب مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، قد صرّح في مارس (آذار) 2021 بأن إدارة بايدن كان ينبغي أن تعيد الاتفاق قبل انتخابات 2021.

وحاولت حكومة "رئيسي" الأصولية تسجيل الاتفاق باسمها، لكنها فشلت. ومع مقتل رئيسي في مايو 2024، دخل مسعود بزشكيان السباق الانتخابي، رافعًا شعار رفع العقوبات عبر التفاوض، فيما خاض ظريف المواجهة إلى جانبه بقوة. لكن فوز بزشكيان تزامن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

أضعف نسخة من الإصلاحيين في مواجهة أشد الإدارات الأميركية حسمًا
وفقًا للإحصاءات الرسمية للنظام الإيراني، والتي تحيط بها شكوك جدية، لم تتجاوز نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2024 حاجز 40 في المائة، بينما بقيت أقل من 50 في المائة في الجولة الثانية، وهي أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وفي المقابل، عندما خاض حسن روحاني مفاوضات الاتفاق النووي عام 2013، كان يستند إلى مشاركة شعبية بلغت قرابة 73 في المائة.

وعلى الجانب الآخر، عاد ترامب إلى البيت الأبيض، ليس فقط محافظًا على شعبيته السابقة، بل معزّزًا إياها. وخلال ولايته الأولى، أمر باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي كان يُلقب بين أنصار النظام بـ "مالك الأشتر"، وتولى قيادة الجماعات المسلحة التابعة لإيران في المنطقة. كما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وتبنى سياسة "الضغط الأقصى"، ما أدى إلى شل صادرات النفط الإيرانية وارتفاع معدلات التضخم داخل البلاد؛ حيث تضاعفت الأسعار ثلاث مرات، وقفز سعر الدولار من نحو 3600 تومان عام 2017 إلى نحو 11000 تومان، بعد الانسحاب من الاتفاق.

وفي انتخابات 2024، حظي ترامب بدعم قوي من إسرائيل، التي شهدت خلال هذا العام استهدافًا مباشرًا من داخل الأراضي الإيرانية، وردّت بشن أول هجوم مباشر على إيران.

لكن على عكس فترة رئاسة روحاني، لم يعد النظام الإيراني يحتفظ بالنفوذ نفسه على حلفائه الإقليميين، إذ فقد سيطرته الفعلية على حزب الله في لبنان، وبشار الأسد في سوريا، وكتائب حزب الله في العراق، الذين كانوا يشكلون أهم أوراقه في المنطقة.

توافق من أجل البقاء.. مفاوضات الاستسلام
في ظل هذه الظروف، تشير التقارير إلى أن جزءًا من مراكز النفوذ في إيران يسعى للتفاوض المباشر مع ترامب. فقد دعا محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، إلى التخلي عن الوساطة عبر دول ثالثة والتواصل مع ترامب من خلال شخصيات داخل الولايات المتحدة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، انتشرت تقارير عن لقاء بين إيلون ماسك، الذي عيّنه ترامب لقيادة "وزارة كفاءة الحكومة الأميركية" الجديدة، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني.

وصرّح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، خلال مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" الإخبارية، بأن إيران مستعدة لسماع مقترحات ترامب، لكنها لن تبدأ المفاوضات بسهولة، مشيرًا إلى أن الشروط الآن "أكثر تعقيدًا وصعوبة من الماضي".

وفي المقابل، علّق علي لاريجاني، الذي أقرّ مؤخرًا بأن البرنامج النووي الإيراني قابل للتفاوض، قائلاً: "ما دام لم يطرح أحد أي عرض، فعن أي شيء نتحدث؟"، وأكد أن التفاوض يحتاج إلى آلية واضحة وعروض رسمية، مضيفًا: "أرى كثيرين يكررون هذا الحديث في وسائل الإعلام المحلية، لكن لا داعي لهذا التهافت غير المبرر، لأن أحدًا لم يقدّم لكم عرضًا حتى الآن".

وحذّر لاريجاني من أن "الاندفاع غير المدروس في المشهد الدبلوماسي وإطلاق التصريحات المتسرعة قد يؤدي إلى أخطاء في الحسابات لدى الطرف الآخر".

وفي الأسابيع الأخيرة، تكررت التصريحات المشابهة لما قاله عراقجي، والتي وصفها لاريجاني بأنها "قفز متسرع إلى المشهد الدبلوماسي". ففي 28 يناير الماضي، كشف نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، مجيد تخت روانجي، عن "مشاورات وتنسيق مع الأصدقاء" بشأن سياسات حكومة ترامب الجديدة، مؤكدًا أن طهران لديها "أفكار" لكنها تستعد أيضًا "لأسوأ السيناريوهات".

وفي هجوم لإسرائيل على إيران، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأن منظومة الدفاع الجوي "إس-300" الإيرانية دُمّرت بالكامل. وفي ديسمبر 2024، أعلن مسؤولون عسكريون إسرائيليون أن ضعف الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في المنطقة وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا يتيح فرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.

وفي الداخل، تواجه إيران أزمة طاقة حادة، حيث يعجز النظام عن تأمين الكهرباء في الصيف، وعن توفير الكهرباء والغاز في الشتاء، ما أدى إلى تعطيل مفاجئ للبلاد بشكل متكرر.

وتبقى عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الآن أكثر حزمًا من ولايته الأولى، ليست خبرًا سارًا للنظام الإيراني، وفي ظل الانهيار الاقتصادي، وتدهور البنية التحتية، وفقدان الحلفاء الإقليميين، بات السعي للتفاوض ضرورة لا مفر منها.