"إيران إنترناشيونال": الأدوية المغشوشة تُباع في قلب طهران بعشرات الملايين.. والمرضى يموتون
تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة أزمة نقص وغلاء الأدوية في إيران، حيث بات أكثر من 100 نوع منها نادرًا أو منعدمًا في السوق، بما في ذلك أدوية علاج السرطان والأمراض المستعصية.
وفي ظل هذا الوضع، ازداد تداول الأدوية المغشوشة التي تعرّض حياة المرضى للخطر.
وعلى الرغم من أن سوق الأدوية الأجنبية المهرّبة كان نشطًا دائمًا في إيران، فإن أسعار معظمها قد تضاعف منذ أواخر صيف عام 2024.
وفي هذه الظروف، التي أصبحت الحياة فيها بمثابة سباق يومي، يجد المرضى، الذين يحتاجون إلى الأدوية من أجل البقاء، أنفسهم في سباق ماراثوني لا نهاية له.
وتشير تحقيقات "إيران إنترناشيونال" إلى أن الأدوية المغشوشة تُباع في قلب طهران بأسعار خيالية تصل إلى ملايين أو حتى عشرات الملايين من عملة البلاد.
نقص أدوية السرطان وانتشار الأدوية المغشوشة
في ظل هذا الوضع، يعاني مرضى السرطان من أوضاع أكثر تعقيدًا، حيث تحدث أحد الصيادلة، بشرط عدم الكشف عن هويته، إلى "إيران إنترناشيونال"، مشيرًا إلى الارتفاع الحاد في أسعار الأدوية، وقال إن أدوية السرطان والأمراض الخاصة أصبحت باهظة الثمن، وبعضها مفقود في الصيدليات وحتى في السوق السوداء لأسابيع متواصلة. وأضاف أن هذا النقص أدى إلى ازدهار سوق الأدوية المغشوشة.
يذكر أن هذا الصيدلي، الذي يملك صيدلية في وسط طهران، أشار إلى أن أسعار أدوية السرطان تتراوح بين 10 و400 مليون تومان. وقال: مؤخرًا، اضطرت مريضة لشراء علبة تحتوي على 56 قرصًا لعلاج سرطان الثدي مقابل 90 مليون تومان.
والمنتجات الهندية ذات الجودة الأقل تكون أرخص ببضعة ملايين، لكن المرضى الذين لديهم أمل في الشفاء يسعون للحصول على المنتجات الأفضل. ولدي زبون باع منزله لعلاج شقيقه المصاب بسرطان الكبد.
وأضاف أن شراء الأدوية من السوق السوداء لا يكون مكلفًا فقط، بل ينطوي أيضًا على مخاطر الغش، أحد المرضى احتاج إلى مضاد حيوي يدعى "زاڤيسفتا" (Zavicefta) لم يكن متوافرًا في الصيدليات، فاضطر إلى شرائه من السوق السوداء مقابل 300 مليون تومان.
لكن بعد الاستخدام، لم يحدث أي تحسن. وعندما أحضر الدواء إليّ، أدركت أنه مغشوش، لأن العبوة الأصلية تكون مختومة بإحكام، في حين أن العبوة التي اشتراها لم تكن مختومة، ما يعني أنه تمت تعبئتها بطريقة غير شرعية.
تخيّل أن المرضى يدفعون مبالغ طائلة ويحصلون على أدوية مغشوشة. إنها فوضى.
وقد حذّر سلمان إسحاقي، المتحدث باسم لجنة الصحة في البرلمان، سابقًا من هذه الفوضى.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، صرح بأن نقص الأدوية وصل إلى 116 نوعًا، محذرًا من أنه إذا لم تتخذ الحكومة تدابير عاجلة، فقد يصل النقص إلى 10 أضعاف بحلول نهاية العام، أي خلال أقل من 80 يومًا.
الأدوية البديلة وتسريع وفاة المرضى
في الأثناء، قال طبيب متخصص في سرطان العظام، يعمل بمستشفى حكومي في طهران، لـ "إيران إنترناشيونال"، بشرط عدم الكشف عن هويته، إن الأطباء يصفون أفضل الأدوية المتاحة، لكن المرضى الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفها إما يطلبون بدائل أرخص أو يغيرون طبيبهم على أمل أن يصف لهم طبيب آخر أدوية أقل تكلفة. وأضاف أن هذه الممارسات تؤدي غالبًا إلى فشل العلاج وتسريع وفاة المرضى.
ووفقًا لعدة صيدليات في طهران، فإن الأدوية المستوردة تكون محدودة جدًا ومتوافرة فقط في الصيدليات الحكومية مثل الهلال الأحمر.
من ناحية أخرى، فإن الأدوية المحلية أصبحت نادرة أيضًا بسبب نقص المواد الخام، حيث يقوم بعض التجار بتخزين الأدوية وإطلاقها في السوق بين الحين والآخر بأسعار مرتفعة، ما يؤدي إلى انتشار السوق السوداء.
وقال طالب في كلية الفنون، فقد شقيقته بسبب سرطان الدم، لـ"إيران إنترناشيونال": "وصف طبيب شقيقتي أدوية ألمانية الصنع، لأنه قال إن البديل المحلي ليس بنفس الفعالية، وإن جلسات العلاج الكيميائي ستكون أكثر صعوبة معها. فعملت أنا ووالدي وأشقائي بكل جهد لتغطية تكاليف علاجها، لكن في النهاية فقدناها".
وأضاف: "اضطررنا لمراجعة صيدليات مثل الهلال الأحمر عدة مرات، لكن الدواء لم يكن متوافرًا. وفي كثير من الأحيان، كنا مجبرين على شرائه من السوق السوداء، مثل دواء 'إندوكسان' الذي لم يكن متاحًا أبدًا".
أوضاع أدوية الأمراض النادرة
تزداد الأزمة سوءًا بالنسبة لمرضى الحالات النادرة مثل الهيموفيليا، ومتلازمة MPS، ومرض SMA. وخلال الأشهر الأخيرة، نظم العديد من المرضى وعائلاتهم احتجاجات أمام وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء.
وفي يناير (كانون الثاني) الحالي، قال حميد رضا إدراكي، المدير التنفيذي لمؤسسة الأمراض النادرة، لوكالة "إيلنا" الإخبارية، إن أدوية الأمراض النادرة لا تُنتَج محليًا لأنها غير مربحة، بينما الأدوية المستوردة تبقى في الجمارك لفترات طويلة لدرجة أن صلاحيتها تنتهي قبل أن تصل إلى المرضى. وأضاف أن هناك 449 مرضًا نادرًا تم تحديده في إيران.
لكن يبدو أن أزمة الأدوية لا تحظى باهتمام الحكومة والنظام الحاكم، فبالرغم من التحذيرات المستمرة منذ شهور، لم تُتخذ أي خطوات جادة لحلها.
كما صرح وزير الصحة الإيراني، محمد رضا ظفرقندي، في وقت سابق، بأن الحكومة وافقت على رفع أسعار بعض الأدوية القابلة للحقن والمراهم لمنع نقصها في السوق، حيث فقدت المصانع القدرة على الإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف.
لكن حتى قبل إعلانه، كانت هناك زيادة في أسعار 379 نوعًا من الأدوية، وفقًا لما قاله مهدي بيرصالحي، رئيس هيئة الغذاء والدواء. وشملت هذه الأدوية المسكنات، والمضادات الحيوية، والقطرات، والأمبولات، وحتى أدوية التخدير.
ومع استمرار الأزمة، يتزايد قلق المرضى وعائلاتهم، فيما تظل الحلول غير كافية لإنقاذ الأرواح.