خامنئي يراهن على صبر قد يفتقر إليه ترامب
ألمح المرشد الإيراني علي خامنئي إلى إمكانية إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وحذر في الوقت نفسه من أجنداتها الخفية، محافظًا على استراتيجيته الطويلة الأمد المتمثلة في "الغموض المحسوب".
وفي خطاب ألقاه في طهران، أول من أمس الثلاثاء، حذّر خامنئي المسؤولين الإيرانيين من نوايا واشنطن، لكنه لم يستبعد المحادثات بشكل كامل.
وهذا الأسلوب هو سمة مميزة لحكمه؛ فهو يعارض السياسات الأميركية، لكنه يُبقي الباب مفتوحًا للتعامل وفق شروط معينة. والهدف واضح: إدارة القوى الداخلية والضغوط الخارجية دون الالتزام بمسار محدد.
لكن هل سينجح هذا النهج مع الرئيس دونالد ترامب، الذي من المتوقع أن يزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية؟
ويبدو أن نهج خامنئي يستند إلى ما يسميه أنصاره "الصبر الاستراتيجي"، لكن يمكن وصفه بشكل أكثر دقة بأنه تدخل غير حاسم.
فمن خلال عدم رفض المفاوضات تمامًا أو تبنيها بشكل كامل، يراهن على جميع الاحتمالات، مما يسمح له لاحقًا بالقول: "لقد أخبرتكم بذلك"، بغض النظر عن النتيجة.
وفي كثير من الأحيان، مكّن هذا النهج إيران من التكيف مع الضغوط الجيوسياسية مع الحفاظ على مصالحها الأساسية. خامنئي يأمل في ردع السياسات الأميركية العدائية وتخفيف الاضطرابات الداخلية دون تقديم تنازلات جوهرية.
رد إيران على سياسة ترامب المتشددة
من المتوقع أن تعيد إدارة ترامب إحياء حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، بهدف إجبار طهران على التفاوض بشروط مواتية لواشنطن. ويقف هذا على النقيض من نهج جو بايدن الأكثر اعتدالًا في التعامل مع النظام الإيراني.
وقد قال ترامب صراحة بأن هدفه الأساسي هو منع إيران من تطوير أسلحة نووية، مشيرًا إلى قصر المدة التي تحتاجها طهران لتحقيق ذلك.
لكن هناك مؤشرات على أنه قد يتبنى نبرة أكثر ليونة لتشجيع الحوار. فعلى سبيل المثال، لم تصدر الولايات المتحدة تقارير عن انتهاكات إيران لحقوق الإنسان في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، مما قد يكون دلالة على هذا التوجه.
مع ذلك، من غير المرجح أن يتخلى ترامب عن استراتيجيته الأساسية المتمثلة في قطع عائدات النفط الإيرانية، لا سيما من خلال إدارة الطلب الصيني على الخام الإيراني.
في ظل هذه التوقعات، ومع معاناة الاقتصاد الإيراني والنكسات الإقليمية، يبدو أن النخبة الحاكمة في إيران تبنت استراتيجية دفاعية.
ركزت آخر مناورة عسكرية لطهران على قدرات الردع- أي الاستعداد لمواجهة التهديدات الخارجية- وفقًا لما أعلنه اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني.
بعد أن تراجع نفوذ إيران الإقليمي بسبب أحداث العام الماضي في سوريا ولبنان، يركز قادة طهران الآن على الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإدارة العلاقات الدولية دون تصعيد النزاعات.
ومن الدلائل على ذلك أن الانتقام الذي وعدت به ردا على هجوم إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي أطلق عليه اسم "الوعد الصادق 3"، لم يتحقق، مما قد يشير إلى رغبة طهران في تجنب مزيد من التصعيد.
في خطابه يوم الثلاثاء، استشهد خامنئي بآية قرآنية: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، في محاولة أخرى لرفع معنويات أنصاره، مقدمًا الصبر على أنه ضرورة دينية واستراتيجية.
المفاوضات والتوقعات المستقبلية
يشار إلى أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وأعضاء كبار في إدارته أعربوا عن استعدادهم للتفاوض مع إدارة ترامب. لكن شروطهم للمحادثات تبدو غير واقعية، مما يعكس الخلافات الداخلية والحسابات الاستراتيجية.
الفصيل المهيمن داخل النظام الإيراني يعبر علنًا عن تردده في التعامل مع ترامب، مشيرًا إلى عدم ثقته في نوايا واشنطن، ومخاوفه بشأن الحلفاء الإقليميين.
لكن إشارة ضمنية من المرشد خامنئي، تحت غطاء المصلحة الوطنية أو الضرورة، يمكن أن تتجاوز جميع هذه التحفظات، كما حدث في المحادثات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
قد تُقدَّم مناورات عسكرية مثل "الرسول الأعظم 19" على أنها التزام بالأمن الإقليمي ووسيلة لردع أي عدوان أجنبي. لكن في الواقع، تؤدي هذه التحركات إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وزيادة، القلق في عواصم الدول العربية المطلة على المياه الخليجية.
إيران لديها سجل حافل في التكيف مع التهديدات الوجودية.
وفي عام 2025، قد يتطلب هذا التكيف تقديم خامنئي تنازلات لترامب؛ وهو احتمال متفائل للغاية.
تعتمد استراتيجية خامنئي على تأجيل المفاوضات، وتشكيل تحالفات، وتعزيز القدرات الداخلية لتحمل العقوبات. الهدف هو الوصول إلى نقطة تفاوضية أقوى، حتى لو كان ذلك يعني تحمل سنوات من المصاعب الاقتصادية والعزلة الإقليمية.
إن التنبؤ بمسار العلاقات بين طهران وواشنطن أمر صعب، نظرًا للسرية وتعقيد الديناميكيات المحلية والجيوسياسية.
كما أن إيران ليست أولوية قصوى لترامب، وفقًا لما يمكن استنتاجه من أول عشرة أيام له في المنصب. لكنه أكد أنه يسعى إلى صفقة.
لكن هل يمتلك الصبر الذي يسعى إليه خامنئي؟