تحليل

أوجه الشبه بين إيران اليوم والاتحاد السوفياتي قبيل انهياره

سام شهروي
سام شهروي

إيران إنترناشيونال

ربما يتذكر أبناء جيلي مشهد الطابور الطويل أمام أول فرع لـ"ماكدونالدز" في موسكو يوم 31 يناير (كانون الثاني) 1990. حينها جاء ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة بوعود إصلاحات واسعة، وفتح أبواب الاتحاد السوفياتي أمام "مظاهر الرأسمالية"، لكن الوقت كان قد تأخر لإنقاذ الدولة الشيوعية.

شعب عاش سبعة عقود من بطولات مصطنعة وصناعة أعداء، لكنه مثل بقية الناس لم يعد يقبل بأن يعيش خلف الستار الحديدي. لقد كانوا، مثل الشباب الإيراني اليوم، يريدون "حياة طبيعية".

الأنظمة الاستبدادية، أحيانًا، عند مواجهة استياء شعبي واسع، تقوم بفتح المجال قليلًا ولو للعرض فقط، لكنها سرعان ما تعود وتقمع حتى هذه الحريات الشكلية خوفًا من فقدان السيطرة؛ وهذا ما يؤدي إلى سقوطها في النهاية.

رغم اختلاف الأيديولوجيا بين النظام في إيران والاتحاد السوفياتي، إلا أن هناك العديد من أوجه التشابه البنيوية، خاصة في النظام السياسي وقمع الحريات. السلطة مركزة في مؤسسات خاصة، مثل المكتب السياسي للحزب الشيوعي في السوفييت، ومجلس صيانة الدستور ومكتب المرشد في إيران. لا وجود لمنافسة سياسية حقيقية، والمؤسسات المنتخبة خاضعة لهيمنة مؤسسات أخرى غير منتخبة.

في الاتحاد السوفياتي، كان يتم قمع المعارضين تحت عنوان "أعداء الشعب والثورة". كان الحفاظ على الثورة وإنجازاتها هو الهاجس الأساسي للحكومة، حيث لم يكن أمام المواطنين خيار سوى الطاعة أو تحمل عواقب التمرد. وفي إيران، يتم قمع المعارضين استنادًا إلى أيديولوجيا مركزية هي "الإسلام السياسي".

في السوفيات، كانت هيئة "غلافليت" مسؤولة عن الرقابة على الكتاب والصحف. أما في إيران، فتتولى هذه المهمة وزارة الثقافة والإرشاد، والمجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهيئات مشابهة.

لكن كما في الاتحاد السوفياتي، حيث انجذب الشباب إلى الثقافة الغربية وابتعدوا عن الشيوعية، فإن الشباب الإيراني اليوم يرفض رموز الثورة الإسلامية، بدءًا من الحجاب الإجباري إلى الخطاب الديني.

بعد مقتل مهسا أميني واندلاع احتجاجات 2022، أصبحت إيران تشبه إلى حد كبير السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي.

وكما كان رونالد ريغان، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، يطلق النكات عن السوفيات، كان السوفيات في أواخر عهدهم يسخرون من حكومتهم الشيوعية.

وفي إيران اليوم، لم تعد العمامة، اللحى، أو العباءة لها تلك الدلالات الرمزية التي كانت تمتلكها في الثمانينيات.

جيل الشباب الإيراني، كما كان حال الشباب السوفياتي في الثمانينيات، بات أكثر ارتباطًا بالعالم الخارجي يومًا بعد يوم.

ومع تزايد سهولة الوصول إلى التكنولوجيا، تعمق الفجوة بين معتقدات وقيم هذا الجيل وبين معتقدات الحاكمين.

لم يعد شعار "إما الحجاب أو الضرب" فعّالًا مع هذا الجيل. كما أن استعادة أجواء القمع التي سادت في العقد الأول من الثورة باتت صعبة.

ويقول عالم الاجتماع الفرنسي الشهير إميل دوركايم إن الفجوة بين الأجيال على مستويات الهوية والثقافة تؤثر بعمق على البُنى الاجتماعية. وعندما تصل هذه الفجوة إلى حد تحول الاختلاف إلى صدام بين الأيديولوجيات، لا بد أن يتنحى أحد الطرفين عن الساحة.

الشباب الإيراني، الذين يرقصون ويحتفلون رغم المصاعب المعيشية، هم مثل مشهد الطابور الطويل أمام ماكدونالدز في موسكو أو ربما أشبه بانفجار مفاعل "تشيرنوبيل" قبل بضع سنوات من انهيار الاتحاد السوفياتي.

إنها إشارات تحاول السلطات دفنها تحت السجاد لتبدو الأمور طبيعية، تمامًا كما فعل قادة السوفيات قبل انهيار دولتهم بسنوات قليلة.