تحليل

هل يضطر خامنئي إلى "استسلام واعٍ" لترامب بعد "مرونة بطولية" في عهد أوباما؟

مراد ويسي
مراد ويسي

محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، مجید تخت روانجي، في مقابلة مع وكالة أنباء "إيسنا"، أن إيران يجب أن تعد نفسها لـ"أسوأ سيناريو" في مواجهة دونالد ترامب.

هذا التصريح يُظهر أن الحكومة الإيرانية تدرك جيدًا أن التفاوض مع ترامب، خاصة مع المطالب الصعبة التي قد يطرحها، لن يكون طريقًا سهلًا، وأن فترة صعبة تنتظر البلاد.

ومن المرجح أن يقدم ترامب مقترحات للنظام الإيراني ستكون صعبة القبول. هذه الشروط قد تشمل التوقف الكامل عن البرنامج النووي، وإنهاء تطوير البرنامج الصاروخي، وقطع الدعم عن الجماعات الموالية، والتخلي عن الأنشطة المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. في الواقع، هذه الشروط تعني نوعًا من الاستسلام الكامل لنظام طهران، وإن كانت تُطرح تحت اسم "المفاوضات".

بالنسبة لمرشد النظام الإيراني، فإن مثل هذه الشروط ستكون مؤلمة للغاية. إذا كان يتحدث عن "المرونة البطولية" في عهد أوباما، فإن مثل هذه المفاوضات يمكن أن تُفسر الآن، وفقًا لبعض المحللين والخبراء المحليين، على أنها "استسلام واعٍ"؛ وهي حالة ستكون صعبة القبول بالنسبة لخامنئي بسبب تناقضها مع رؤيته وسياساته.

يشار إلى أن تصريحات تخت روانجي حول الاستعداد لأسوأ السيناريوهات تُظهر أن ضغوط إدارة ترامب والمقترحات الصارمة القادمة قد تسببت حتى في خلافات بين كبار مسؤولي النظام الإيراني. هذه الانقسامات انعكست أيضًا على الرأي العام، ما زاد من مخاوف عميقة داخل النظام.

وفي هذا السياق، كتب أحمد زيدآبادي، الصحفي والناشط السياسي، في تغريدة على X أن ترامب لا يظهر أي مرونة فيما يتعلق بأمن إسرائيل، وسياسته تجاه النظام الإيراني تقوم على نفس المبدأ. وأكد أن ترامب لن يقدم أي مقترح قد يسبب استياء إسرائيل ونتنياهو. لذلك، فإن بزشكيان، بدلًا من اتخاذ قرار يعتبره زيدآبادي انتحارًا سياسيًا، من الأفضل أن يترك هذا القرار لمنافسيه. ومع ذلك، من الواضح أن هذا القرار ليس مع منافسي بزشكيان، بل مع خامنئي، وأن مثل هذا الاتفاق والاستسلام سيكون بمثابة كأس سم أخرى لمرشد النظام الإيراني.

أزمة صنع القرار والخلافات الداخلية

إيران ليست الآن في وضع يسمح لها برفض المفاوضات مع الادعاء بأنها لا تزال قادرة على تجنب عقوبات أشد أو حتى حرب محتملة. إن إدارة ترامب تسير بطريقة تدفع النظام الإيراني نحو قبول شروط قصوى أو مواجهة صدام عسكري.

هذا الوضع أدى إلى تصاعد الصراع على السلطة والخلافات بين أجنحة النظام المختلفة حول كيفية التعامل مع أميركا. فكبار المسؤولين، بما في ذلك محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، وغلام حسين محسني إيجه إي، رئيس السلطة القضائية، هاجموا علنًا محمد جواد ظريف، أحد أبرز وجوه الحكومة، ما يُظهر أن الوحدة الداخلية في النظام قد انهارت، وأن انقسامات عميقة نشأت حول صنع القرار في القضايا الكبرى للبلاد.

وتُظهر تصريحات تخت روانجي أيضًا الضعف الاستراتيجي للنظام الإيراني. ففقدان الأدوات السابقة، مثل نفوذ الجماعات الموالية والتهديد بمهاجمة القواعد الأميركية، جعل النظام في موقف ضعف. كانت إيران تعتمد سابقًا على جماعات مثل حماس وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي للمناورة على الساحة الدولية، ولكن الآن، مع الهزائم المتتالية لهذه الجماعات أو تقليص نطاق تحركاتها، فقد النظام أدوات قوته.

وجدير بالذكر أن قادة الحرس الثوري الذين كانوا يتباهون سابقًا بالحفاظ على بشار الأسد كـ"انتصار كبير"، لم يعودوا يتحدثون عن انهيار ما كانوا يسمونه "محور المقاومة".

إن ما يواجه النظام الإيراني الآن ليس مجرد اختبار لاتخاذ قرار بشأن التفاوض أو المواجهة مع أميركا، بل هو اختبار لبقاء النظام نفسه. هذه الخلافات والحرب الداخلية على السلطة، خاصة في ظل الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد داخليًا وخارجيًا، يمكن أن تضعف أسس النظام وتؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار؛ خاصة وأن الشعب الساخط لا يقف خلف النظام في هذه الظروف الصعبة.