نشطاء إيرانيون: قطع المساعدات الخارجية الأميركية "هدية" ترامب للمستبدين في طهران

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف جميع المساعدات الخارجية موجة من القلق بين النشطاء الإيرانيين الذين يخشون أن يؤثر هذا الإجراء على البرامج المتعلقة بإيران، ويؤدي إلى قيام النظام الإيراني بتقييد وصول المواطنين إلى المعلومات أكثر من أي وقت مضى.

وعلمت "إيران إنترناشيونال" أن عددًا من المنظمات الإيرانية لحقوق الإنسان، والبرامج المتعلقة بحرية الإنترنت، والناشطين في مجال الإعلام والمجتمع المدني، تلقوا رسائل تشير إلى تعليق تمويلهم لمدة ثلاثة أشهر.

وفي أول يوم من ولايته الرئاسية الثانية، أصدر دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا علق بموجبه المساعدات الخارجية للولايات المتحدة لمدة 90 يومًا لمراجعة فعاليتها ومدى توافقها مع سياسة "أميركا أولاً".

وأظهرت مذكرة داخلية تم توزيعها بين المسؤولين والسفارات الأميركية أن وزارة الخارجية الأميركية أوقفت معظم برامج المساعدات الخارجية الجارية، وعلقت أيضًا بدء مساعدات جديدة.

ووفقًا للإحصاءات الحكومية الرسمية، تعد واشنطن أكبر مانح للمساعدات الدولية في العالم، حيث أنفقت في السنة المالية 2024 وحدها ما يقرب من 39 مليار دولار في هذا المجال، منها 65 مليون دولار مخصصة لتمويل برنامج "الديمقراطية الإقليمية للشرق الأدنى"، والذي تديره وزارة الخارجية الأميركية.

ووفقًا لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، لعب هذا البرنامج، باعتباره المصدر الرئيسي للمساعدات الخارجية، دورًا مهمًا في دعم الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والمجتمع المدني في إيران منذ عام 2009.

وقال أحد متلقّي المساعدات من وزارة الخارجية الأميركية بشأن قرار ترامب الأخير: "تم إبلاغنا كتابيًا بأننا يجب أن نوقف جميع الأنشطة المتعلقة بهذا البرنامج، وعدم تكبد أي نفقات جديدة اعتبارًا من 24 يناير (كانون الثاني) الجاري، وإلغاء التزاماتنا قدر الإمكان".

وأضاف: "لا يبدو أن أي شخص قد فكر في عواقب هذا القرار. الغموض الموجود في الإشعار [بشأن قطع المساعدات] لا يُصدق حقًا. ليس من الواضح كم من الوقت ستستغرق هذه العملية".

ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية على طلب للتعليق على هذا القرار.

دعم حرية الإنترنت

من بين متلقي المساعدات الخارجية الأميركية، وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية التي تقدم الأخبار دون رقابة للمواطنين الإيرانيين؛ كما توجد منظمات حقوقية توثق انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وبالتالي تلعب دورًا مهمًا في مساءلة نظام الجمهورية الإسلامية.

ويتم تخصيص جزء من المساعدات الأميركية أيضًا لتغطية تكاليف خدمات برامج فك الحجب (وي بي إن) التي يستخدمها المواطنون الإيرانيون للتحايل على رقابة النظام الإيراني.

وفي أعقاب قطع المساعدات، ستضطر العديد من هذه الخدمات إلى وقف أنشطتها.

قال خبير أمن سيبراني لـ"إيران إنترناشيونال" في هذا الصدد: "هذا الإجراء خطير للغاية لأن قضية حرية الإنترنت حيوية لكل من الشعب الإيراني وحلفائه في الغرب".

وحذر ناشط في مجال الإنترنت في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" من أن أمر ترامب الأخير بقطع المساعدات سيحرم 20 مليون إيراني، أي ما يعادل خُمس سكان البلاد، من الوصول إلى خدمات برامج فك الحجب المدعومة من الولايات المتحدة؛ وهي الخدمات التي يستخدمها الشعب الإيراني للتحايل على القيود التي يفرضها النظام الإيراني.

وفي ذروة حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، ارتفع مستوى الاعتماد على برامج فك الحجب للوصول إلى المعلومات في إيران بشكل كبير، حيث استخدمها ثلثا السكان.

وكتب سروش أحمدي، الناشط في مجال الإنترنت، في مقال نشرته مجلة "بيس لاين": "في إيران اليوم، الإنترنت دون برامج فك الحجب لا معنى لها".

ومجلة "بيس لاين" تصدرها منظمة "نشطاء حقوق الإنسان في إيران"، وهي منظمة غير حكومية ومقرها فيرجينيا.

ويُقال إن خدمات برامج فك الحجب المتوفرة في السوق الإيرانية تخضع لسيطرة النظام الإيراني، بل إنها تُقدم من قبل كيانات تابعة للحرس الثوري التي تستغل حاجة الشعب الإيراني إلى الوصول الحر إلى الإنترنت لتحقيق مكاسب مالية.

في عام 2020، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، سجلت شركات التكنولوجيا المدعومة من الحكومة الأميركية زيادة في استخدام برامج التحايل على الرقابة في إيران.

وجاء ذلك بعد أن توسعت الجهود لمساعدة المحتجين المناهضين للنظام في إيران على مواجهة رقابة الإنترنت واستخدام تطبيقات المراسلة الآمنة للهواتف المحمولة.

وبعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في إيران، كثفت واشنطن جهودها لتقديم المزيد من الخيارات للمواطنين الإيرانيين للتواصل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي.

ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" في عام 2020 عن مسؤول في وزارة الخارجية في إدارة ترامب قوله إن هذه الجهود شملت تقديم تطبيقات وخوادم وتقنيات أخرى لمساعدة الناس على التواصل، وزيارة المواقع المحجوبة، وتثبيت برامج مكافحة التتبع، ومكافحة قطع الوصول إلى البيانات.

وقبل تنصيب ترامب في 20 يناير، بدا أن إدارة ترامب الثانية ستتبع نفس النهج تجاه الشعب الإيراني.

"الضغط الأقصى" على الشعب الإيراني أم على النظام؟

وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي: "أي إجراء نتخذه تجاه إيران يجب أن يتم بحذر وواقعية نظراً لطبيعة ذلك النظام، وكذلك الشعب الإيراني؛ لأنهم ليسوا مثل قادتهم".

ومع ذلك، قال خبير في مجال الإنترنت لـ"إيران إنترناشيونال" إن القرار الأخير "يتناقض مع الموقف المعلن لإدارة ترامب في دعم الشعب الإيراني ضد نظام الجمهورية الإسلامية".

وأضاف: "في الواقع، هذه السياسة تفرض ضغطًا أقصى على الشعب الإيراني وليس على النظام.

هذا القرار سيحاصر المواطنين الإيرانيين خلف جدار رقمي، وسيساعد النظام على إنشاء الإنترنت الوطني الذي يريده، وفصل الشعب الإيراني بشكل فعال عن بقية العالم".

أسوأ أنواع العقاب

وواصل خبير الأمن السيبراني حديثه لـ"إيران إنترناشيونال" قائلًا إن التناقض بين تصريحات روبيو والأمر التنفيذي لترامب "يثير تساؤلات جدية في أذهان العديد من الإيرانيين، لأن هذا هو أسوأ أنواع العقاب للشعب الإيراني".

وأضاف محذرا: "في ظل الرقابة والقمع المستمر من قبل النظام الإيراني، إذا اختفى الشكل الحالي لدعم حرية الإنترنت خارج إيران، فسيكون هذا بمثابة أكبر هدية تقدمها إدارة ترامب للطغاة في طهران".

وتابع الخبير الإيراني في مجال الإنترنت: "حركة تلقائية؛ توقيع الأمر التنفيذي لترامب والمذكرة التي نفذها روبيو، حققت شيئًا فشل النظام الإيراني في تحقيقه بعد إنفاق مليارات الدولارات لإنشاء الإنترنت الوطني، وقطع آخر طريق لوصول الإيرانيين إلى الإنترنت العالمي".

وحذر أحمد أحمديان، مدير شركة "هوليستيك رزيليانس" التكنولوجية غير الربحية ومقرها كاليفورنيا، من أن هذا القرار لا يضعف فقط تدفق المعلومات الحرة ووصول الشعب الإيراني إلى الإنترنت الحر، بل "يعطل العديد من أنشطة المجتمع المدني، بما في ذلك الاتصالات الآمنة بين هؤلاء الأفراد التي عززت المجتمع المدني، وأصبحت ضرورية لتنظيم الأنشطة بأمان".

وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا القرار للنظام الإيراني بإسكات صوت الشعب من خلال قطع وصول المواطنين إلى أدوات المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تخضع للرقابة في إيران، والسيطرة على الرواية العامة".

وتسعى شركة أحمديان إلى تعزيز حرية الإنترنت والخصوصية من خلال البحث في طرق التحايل على الرقابة وتطويرها.

عمالقة التكنولوجيا

في سبتمبر (أيلول) الماضي، عقد البيت الأبيض اجتماعًا مع ممثلي أمازون، وغوغل ألفابت، ومايكروسوفت، وكلاودفلار، ونشطاء المجتمع المدني لحث عمالقة التكنولوجيا الأميركيين على توفير نطاق ترددي رقمي أكبر لتطوير أدوات التحايل على رقابة الإنترنت التي تفرضها الحكومات.

وذكرت وكالة "رويترز" في ذلك الوقت أن استخدام هذه الأدوات في إيران ودول استبدادية أخرى تمارس رقابة صارمة على الإنترنت قد زاد بشكل كبير بدعم من "صندوق التكنولوجيا المفتوحة".

ومع ذلك، يبدو أنه دون مساعدات الحكومة الأميركية، لن يكون أو لن يتمكن عمالقة التكنولوجيا في البلاد من مواصلة دعمهم لأدوات مكافحة الرقابة.

وقال أحمديان في هذا الصدد: "لقد لعب قيادة الحكومة الأميركية دورًا حيويًا في حث الشركات التكنولوجية الكبرى على تقديم خدمات عامة. دون تشجيعات الحكومة الأميركية، لم تكن هذه الشركات لتتخذ المبادرة بمفردها".

وبعد بدء الاحتجاجات الوطنية في إيران عام 2022، قام النظام الإيراني بتقييد وصول المواطنين الإيرانيين إلى الإنترنت على نطاق واسع.

وردًا على هذه القيود، التي شملت قطع الإنترنت بشكل كامل أو مؤقت وخفض سرعته بشكل كبير، أزالت الحكومة الأميركية بعض العقبات أمام تصدير خدمات الإنترنت إلى إيران وسمحت لشركة "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك بتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في إيران.

وقال مسؤول رفيع في قطاع الصناعة في إيران سابقًا إن عدد مستخدمي الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في البلاد تجاوز 100 ألف شخص.

تداعيات قرار ترامب على أنشطة حقوق الإنسان

ويحذر النشطاء الإيرانيون من أن عواقب الأمر التنفيذي لترامب لن تقتصر على أدوات التحايل على رقابة الإنترنت.

وقال ناشط في مجال حقوق الإنسان في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" إنه نتيجة لوقف المساعدات الخارجية الأميركية، ستواجه المشاريع التي تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد الحكومي والعسكري [في إيران] قيودًا؛ "فساد كان له تأثيرات سلبية على الاقتصاد والظروف الاجتماعية في إيران وعمل لصالح الأنشطة الإرهابية الخارجية وغسل الأموال للنظام".

وأشار هذا الناشط، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن "قرار إدارة ترامب سيكون هدية نظام الجمهورية الإسلامية ومسؤوليه الفاسدين، الحرس الثوري، وشبكات غسل الأموال في الغرب".

وأضاف هذا الناشط الإيراني أن العديد من المؤسسات غير الإيرانية في الولايات المتحدة استخدمت المساعدات الخارجية للحكومة الأميركية للتحقيق في فساد وغسل أموال النظام الإيراني في مجالات البيئة والبناء.

وحذر الناشط: "الآن ستضطر هذه المنظمات إلى وقف أنشطتها".

وأكد العديد من النشطاء الإيرانيين في حديثهم مع "إيران إنترناشيونال" أنه إذا لم يتم إعفاء المشاريع المتعلقة بتعزيز حقوق الإنسان وحرية الإنترنت في إيران من أمر ترامب خلال الشهر المقبل، فإما أنها ستختفي تمامًا أو سيتم تقييدها بشدة.

وحذر أحدهم من أن تأثير قرار الحكومة الأميركية قد لا يكون مرئيًا على الفور، لكن: "ستظهر عواقبه الوخيمة مع مرور الوقت".

وحذر خبراء الإنترنت من أنه حتى إذا استؤنفت مساعدات الحكومة الأميركية بعد ثلاثة أشهر، فإن الضرر الذي سيحدث سيكون لا رجعة فيه، حيث يهاجر العديد من الإيرانيين إلى برامج فك الحجب المحلية الضعيفة، وقد لا يعودوا تمامًا إلى استخدام الخدمات الآمنة المدعومة من الولايات المتحدة.

وحذر الخبير السيبراني: "هذا يعرض حرية المعلومات وأمن الأفراد للخطر".