الديمقراطية في إيران بعد 46 سنة من الحكم الديني الاستبدادي
"الحرية ليست مجانية".. لا أتذكر بالضبط من قال هذه العبارة، لكنها دائمًا ما تبقى في ذهني كشمعة مضيئة تنير طريقًا غامضًا ومليئًا بالضباب، خاصة في هذه الأيام التي صدر فيها حكم غير إنساني بالإعدام بحق رفيقيّ في السجن، بهروز كارمي وفرهاد ميرزا، وعشرات الأحباب الآخرين.
ومع تأكيد حكم الإعدام بحق بهروز من قبل المحكمة العليا وإبلاغه لتنفيذ الأحكام بناءً على ملفات قضائية واهية واتهامات كيدية، وفي إطار انتقام النظام الإسلامي من انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" وإضعاف موقفه في المنطقة والمجتمع الدولي، أصبحت أكثر من أي وقت مضى متمسكة بعهدي بأنني لن أدخر أي جهد للإطاحة بهذا النظام وإنهاء تاريخ الرعب والخوف والظلام، مع الأمل في إيران واعية وحرة ومزدهرة، حتى لو كلفني ذلك حياتي.
قبل كل شيء، يجب أن أقول إن جزءًا من هذا المقال كان من المقرر نشره بمناسبة يوم الطالب في 6 ديسمبر (كانون الأول)، ولكن تأخر نشره، بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة وتأثيرها على نظام طهران.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أتواصل مع مجموعات فكرية مختلفة وأجري حوارات وتبادلًا للآراء معهم، كما أنني كطالبة علوم سياسية ذاتية التعلم في السجن، قمت بدراسة تحليلات الأساتذة والمفكرين بشكل أعمق.
كما أنني على يقين من أن العملية السياسية والاجتماعية في تفاعل الناس مع الحكومات تتطور باستمرار، ومع كل حركة احتجاجية وانتفاضة، تزداد خبرات الشرائح المختلفة من الناس، وبالتالي فإن آراء الأفراد ليست مستثناة من هذه القاعدة.
لذلك، فإن المقالة الحالية قابلة للإكمال والتعديل بناءً على تطورات الأحداث المستقبلية ونقد وتبادل الآراء من قبل الخبراء والمفكرين. كما أنني حاولت أن أكون منصفة تجاه جميع أطياف المعارضة.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أنظر بشكل نقدي إلى تحليل الثورة الإيرانية عام 1979 والأحداث التي تلت ذلك، والتي أعتقد أنها ضرورية وملهمة لوضع إيران الحالي وللانتقال إلى الديمقراطية.
الغضب الأصيل
في خضم انقلاب المجر، كواحدة من الدول التابعة للاتحاد السوفياتي في عهد خروتشوف، تقول حنا أرندت نقلاً عن أحد الطلاب المؤثرين في الحركات الثورية: "لقد سئم الناس من أزمة المعيشة والفقر المدقع، ولكن ما وحّد الحركة الطلابية كطليعة مع النقابات والعمال والشرائح الأخرى من الناس في احتجاجات الشوارع هو "الغضب" من سنوات من الكتمان الحكومي في تفسير الأحداث والكوارث، وفي الأساس "غياب حرية التفكير".
عندما قرأت ذلك البيان غير الإنساني والصادر عن القوات المسلحة والذي يشير إلى "خطأ بشري" في كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بإطلاق صاروخين من قبل الحرس الثوري، استولى عليّ غضب مضاعف بالإضافة إلى الحزن على وفاة مواطنيّ. غضب ما زال في نظري أصيلًا وهو نتيجة سنوات من "الكذب"، و"الكتمان"، و"إلغاء الذات" للمواطنين من قبل النظام.
لو أعلن النظام "الحقيقة" بعد ساعات من وقوع الكارثة ولم يكن مضطرًا للكشف عنها تحت ضغط من حكومات كندا وأوكرانيا ووسائل الإعلام الناطقة بالفارسية خارج البلاد، هل كنا سنغضب لدرجة أن نخرج في مظاهرات أمام جامعة أمير كبير ونصرخ "الموت للديكتاتور"؟
أو في قضية مقتل مهسا أميني على يد قوات شرطة الأخلاق، لو لم يتم استهدافها وعائلتها بهذا القدر من الإهانة والضغط، وتم تقديم الجناة للعدالة، كيف كانت ردود فعل الناس؟
بمعنى آخر، ما زاد من غضبنا وأعطاه أصالة هو "الكذب الممنهج" و"تدمير الكرامة الإنسانية واحترام الذات" للمواطنين من قبل النظام.
غضب أصيل يمكن أن يصبح المحور الرئيسي للانتفاضات والحركات المدنية. هذا العامل الموحّد في الانتفاضات والحركات بعد الثورة لوحظ مرارًا وتكرارًا.
ففي عام 1999، خرج الطلاب والنشطاء السياسيون والمدنيون إلى الشوارع احتجاجًا على إغلاق المساحة السياسية المحدودة وقمع حرية التعبير وإغلاق الصحف بشكل جماعي بأمر مباشر من علي خامنئي.
وفي عام 2009، مع طرح مسألة "تزوير الانتخابات الرئاسية"، خرج الناس في 15 يونيو (حزيران) تحت عنوان "مسيرة الصمت" في أكبر تجمع منذ الثورة، حيث وصل عدد المشاركين حسب الإحصائيات الرسمية إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وفي أعقاب هذا التجمع، قُتل عشرات الأشخاص بإطلاق النار المباشر من قبل قوات النظام.
وقد امتدت الحركة الخضراء لاحقًا إلى جميع أنحاء البلاد مع احتجاجات الناس على أساس الغضب من نظام "مزور"، و"مسيطر"، و"شمولي". غضب متراكم وأصيل نجم عن سنوات من القمع بأشكال مختلفة من قبل ولاية الفقيه المطلقة، ما أدى إلى هتاف شعار مهم "الموت لمبدأ ولاية الفقيه".
وتكمن الأهمية الخاصة لهذا الشعار في أن الناس أدركوا أن سياسات نظام إيران لا تتغير بتغيير الحكومات، وأن الرئيس ليس رئيسًا لحكومة وطنية بل مجرد موظف وتابع للنظام الشمولي.
وبين عامي 2017 و2019، لم يكن الضغط الاقتصادي المتزايد والارتفاع غير المسبوق في سعر الدولار والتضخم وارتفاع أسعار البنزين وفشل حكومة "التدبير والأمل" في الوفاء بوعودها، أو بمعنى آخر "الفقر" وتدهور الطبقة الدنيا وتدمير الطبقة المتوسطة، العامل الوحيد والمحور الرئيسي للانتفاضات والاحتجاجات؛ على الرغم من أنها كانت محركًا مهمًا في تفجير الغضب الاجتماعي المتراكم.
على الرغم من التحليلات والآراء التي تحيل هذه الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية إلى مسألة الفقر والمعيشة فقط، يبدو أنه مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية وتعزيز المجتمع الشبكي، وصل الناس إلى مستوى من الوعي السياسي والبصيرة الاجتماعية يجعلهم لا يحددون أساس احتجاجاتهم فقط بتحسين الأوضاع الاقتصادية الحرجة، ولا يكتفون بحركة جماهيرية من استبداد إلى آخر.
ويعرف الناس أن غضبهم الأصيل الذي يقودهم للتغلب على الخوف من قمع النظام ناتج عن "إلغاء الفردية" و"الذاتية" كوجهة نظر في مجتمع متعدد تحت المظلة السياسية.
يجب أيضًا مراعاة أن مجرد الوعد بتحسين الأوضاع المعيشية يمكن أن يحرف الانتفاضات والثورات عن مسار العملية السياسية (أي الدور الفعال للأفراد في السياسة وفي النهاية الانتقال إلى الديمقراطية) ويؤدي في النهاية إلى وصول نظام ديكتاتوري آخر إلى السلطة.
في الواقع، يمكن أن تتحول الضرورة واليأس الناتجان عن الفقر إلى "استبداد الحرية". أي أن الفرد قد يختصر حريته ليس في اختيار أو إقالة القادة السياسيين، بل فقط في المطالبة بأجر عمله من صاحب العمل.
حكم الاستبداد الديني
إذا كان مسار الانتقال إلى الديمقراطية يشبه نفقًا، فإن نظرة الشخص اليائس الذي فقد ذاته ستقتصر فقط على النور الذي يعد بالخلاص من الفقر والتدهور الاقتصادي، وسيختفي المطلب الأساسي للحرية السياسية والديمقراطية، وفوق كل ذلك، حقوق الإنسان.
هذه الفكرة الاختزالية، التي تؤدي في النهاية إلى تعزيز الاستبداد وسلطة الحكومات، تعتمد على تعزيز الهوية السلبية وفرض طريق مستقيم يُصوَّر على أنه الوحيد الصحيح، بينما يتم تصوير أي رأي أو فكر آخر على أنه منحط ومنحرف. هذا النهج يؤدي إلى تعصب أقصى وتثبيت الاستبداد الشمولي.
إن الحكم الديني الشمولي أيضًا يضع الديمقراطية فقط في إطار "الأمة الشيعية الإسلامية"، وهو ما أود أن أسميه "الشيعية الإسلامية الشمولية". خامنئي، كقائد لهذا النظام، لم يعد يفكر حتى في مصالحه الشخصية أو الحزبية أو الوطنية، أو على الأقل لا يسعى لإقناع الجماهير المطيعة من "الأمة الإسلامية" بها. بل إنه يركز فقط على عالم من الأساطير القائمة على الإسلام الفقهي والأفكار المستوحاة من "سيد قطب"، والتي تدعو إلى نوع من الإمبريالية الدينية الشيعية، وتبرر التوسع والاعتداء على أراضٍ أخرى لزيادة نفوذها تحت غطاء هوية سلبية وخلق أعداء عبر الحروب بالوكالة، والتي تواجه اليوم هزيمة مذلة.
وعلى الرغم من أن خامنئي يحاول، من أجل جعل الجماهير أكثر انصياعًا وجذب المزيد من المؤيدين، أن يشير إلى القومية والثقافة الإيرانية مع إضافة الإسلام، خاصة في خطاباته الأخيرة، إلا أن هذه المصطلحات تُعرَّف أيضًا في إطار الخطاب المذكور. بمعنى آخر، إن إيران الشيعية الإسلامية، التي تعرّف المواطن الإيراني على أنه فرد بلا هوية ولا قيمة وسط كتلة "الأمة الإسلامية"، هي الحلم النهائي لهذا الخطاب. وإذا تمرد أي مواطن، يتم تصنيفه على أنه "عنصر غير موالٍ" ويستحق الطرد والعقاب.
وكما كان الحال في بداية الثورة، حيث كان بقاء الأفراد وحياتهم السياسية والمادية، وحصولهم على الحقوق المدنية والاجتماعية، تعتمد على قربهم من روح الله الخميني ومقربيه. وإلا، كان يتم تصنيفهم بألقاب مثل "غير ثوري" أو "منافق" أو "خائن" ويتم استبعادهم.
القمع الممنهج
إن التاريخ المظلم لما بعد الثورة في الثمانينيات هو مجرد جزء من هذا التطهير الممنهج الهائل الذي اتخذ أشكالًا متعددة ولا يزال مستمرًا حتى اليوم. وأولى القضايا كانت حجاب النساء، الذي أصبح إجبارياً رغم الوعود الكاذبة، وادعاءات إنشاء مدينة فاضلة، ومع الاحتجاجات الواسعة للنساء، تم فرضه بأمر من الخميني. وبالتالي، تم استبعاد شريحة كبيرة من المجتمع، بما في ذلك النساء اللواتي رفضن الامتثال لقانون الحجاب الإجباري عبر العصيان المدني، من المجال السياسي والاجتماعي.
بهذه الطريقة، بدأ تحديد العناصر الموالية من غير الموالية، والتطهير والقمع الممنهج لتنقية كتلة المنتصرين في الثورة:
- في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والمكاتب والنقابات، عبر "الثورة الثقافية" وتعزيز دور الجمعيات الإسلامية كقوات للتطهير والتحكم.
- في المجال السياسي، عبر الافتراء والتشهير واغتيال الشخصية والسمعة.
- في الحرس الثوري والقوات العسكرية الأخرى، عبر ضغوط "الانقلاب الزاحف" (مصطلح استخدمه حسين علي منتظري بعد الخلافات بين قادة الحرس الثوري والقوات القريبة من تيار محمد تقي مصباح يزدي حول الاستراتيجيات العسكرية الخاطئة ومعارضة استمرار الحرب بعد تحرير خرمشهر. هذه الخلافات، بعد أن علم بها مكتب الخميني، صاحبها تهديدات بمحاكمة المعارضين في المحاكم الثورية والعسكرية. التيار القريب من مصباح يزدي ساعد لاحقًا في تمكين خامنئي وتمهيد الطريق لقيادته وعزل منتظري من منصب القائم مقام).
وجدير بالذكر أن تنفيذ عمليات مسربة مثل "كربلاء 5"، والتي كانت تتماشى مع ذلك الانقلاب، وإقامة محاكم الثورة وإعدامات جماعية للمجموعات المعارضة والمختلفة فكريًا تحت إشراف لجان الموت (التي بلغ عددها حسب اعتراف مصطفى بورمحمدي أكثر من 45 لجنة في جميع أنحاء البلاد)، وتقييد النقابات العمالية وتحويلها إلى منظمات إسلامية حكومية، كلها أمثلة صغيرة لكنها مروعة من حملة التصفيات الثورية التي هدفت إلى "تأهيل" المجتمع.
إن النظام الديني الشمولي (الإسلامي الشيعي) استطاع أن يجذب كتلة بلا هوية وخالية من الذات، لدرجة أنه جعل الجريمة تبدو أخلاقية وشرعية وضرورة ثورية.
والفرد في مثل هذا النظام فقد دوره الفريد الذي كان يمكن أن يقوده إلى العمل والمبادرة، وتحول إلى مجرد ترس صغير في آلة الشمولية الدينية.
ولا شك أن الخوف والقمع وحدهما لا يمكن أن يكونا تفسيرًا كافيًا لتحول الناس إلى "أمة" تحت حكم النظام.
فعندما اقتحم طلاب الجمعيات الإسلامية (الذين عُرفوا لاحقًا باسم "طلاب خط الإمام") السفارة الأميركية، كانت حشود غاضبة وبلا هوية تردد الشعارات ليل نهار خارج السفارة، مطالبين بإعدام "الخونة للنظام والإسلام".
ومن هذا الحدث المروع يتضح أن "التصفيات الثورية" التي تمت بأبشع الطرق غير الإنسانية، كانت مقبولة من قبل الجماهير (الأمة)، بل تحولت إلى مطلب وطني قائم على واجبات دينية.
هنا يظهر الفارق بين الغضب الأصيل الواعي والغضب الناتج عن اليأس وفقدان الهوية الذي أدى إلى تحول الناس إلى كتلة بلا هوية.
يمكن القول إن سرقة الثورة عام 1979 من قبل القوى الإسلامية بقيادة الخميني لم تكن أمرًا مستبعدًا.
وبالرغم من صعوبة تحديد السبب الرئيسي للإيمان الشيعي وتحول الناس إلى "أمة"، إلا أن هناك عوامل تاريخية واجتماعية أسهمت في تأسيس نظام إسلامي، خاصة في مجتمع تقليدي مثل إيران.
ويوضح آصف بيات في كتابه "العمال وثورة 1979" أن السبب الرئيسي لانجذاب الطبقات الفقيرة إلى الإسلاميين كان عدم قدرتهم على قضاء أوقات فراغهم في أماكن بورجوازية مثل المقاهي والمطاعم، بينما كانت المساجد توفر مكانًا مجانيًا للاجتماع.
فالمساجد أصبحت، ليست فقط مكانًا لتجمع الطلاب والأساتذة والمفكرين الدينيين، بل أيضًا مكانًا لعمال الطبقة الفقيرة لقضاء وقتهم مجانًا.
ومع انفتاح المشهد السياسي والثقافي في السبعينيات، تم التعاون مع رجال دين مثل محمد بهشتي ومحمد جواد باهنر في تأليف الكتب المدرسية، خاصة في المواد الدينية.
إن احتلال السفارة الأميركية والنظرة السلبية نحو الغرب، بالإضافة إلى الحرب العراقية الإيرانية، كلها عوامل أسهمت في تعزيز الانعزالية الدولية لإيران، وأدت إلى خسائر جسيمة ما تزال مستمرة حتى اليوم.
كل هذه العوامل ساعدت في تحول إيران إلى "أمة" أكثر تجانسًا، وفي هذا السياق استطاع الخميني أن يعلن أن "حفظ النظام من أهم الواجبات"، واستمرت التصفيات الثورية حتى اليوم.
وفي إطار هذا المنطق، يمكن "شرعًا" الكذب والافتراء والقمع وحتى قتل الأبرياء. ويمكن التضحية بآلاف الجنود في عمليات مسربة مثل "كربلاء 5" تحت شعار "القدس تمر عبر كربلاء"، أو إعدام سجناء بلا محاكمات عادلة تحت ذريعة الأمن الوطني.
و"حفظ النظام" يمكن أن يمتد بأي ذريعة إلى المؤسسات والأركان الحكومية الأخرى.
ففي "الجمعية الإسلامية لجامعة طهران"، ومنذ سنوات، يتم استخدام ذريعة "حفظ المؤسسة" وقدسيتها، باعتبارها أكثر المؤسسات الطلابية أمنا في البلاد، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة "حفظ النظام". هذه المؤسسة هي إرث وهمي دوري، يعمل بدافع المصلحة الشخصية والرغبة في البقاء أو الترقية داخل نواة السلطة الصلبة، حيث يتم تحويل الطلاب إلى مجرد أتباع للأحزاب الإصلاحية داخل الجامعة.
وهذه المؤسسة كنت أنا أيضًا نشطة فيها، لكنني كنت أعتقد أنها فرصة لتحقيق حق التنظيم للجماعات الفكرية والعقائدية الأخرى. حلم تحول في النهاية إلى مرثية مريرة مع حضور مسعود بزشكيان في انتخابات 2024 بدعوة من المنتدى الإسلامي لطهران، حيث تفاخر المنتدى بكونه منصهرًا في ولاية الفقيه وشجع الحاضرين على ذلك.
كنا نحن أيضًا، كجزء من "الأمة الإسلامية"، نجد هويتنا داخل هذه المؤسسة. وإذا حاول أي فرد منا اكتشاف ذاته واستقلاليته في إطار النشاط الطلابي، كانت الأجهزة الأمنية تعمل باستمرار مع أجهزة المراقبة الدورية لتحديد العناصر "غير الموالية" وإزالتها.
إن عقد حلقات دراسية وأنشطة ثقافية وحتى نقابية ذات أساس سياسي يمكن أن يسهم، حتى في ظل أجواء القمع، في زيادة الوعي السياسي والاجتماعي للأفراد، وبالتالي تعزيز المجتمع المدني.
النظام الإيراني والتحديات التي تواجهه
الآن يواجه النظام الإيراني تحديات عديدة، وعلى الرغم من نيته في تحقيق تغيير في المسار أو الانتقال إلى حياة طبيعية للمواطنين من خلال هندسة الانتخابات وصعود حكومة معتدلة تحت عنوان "الوفاق الوطني"، والتي يبدو أنها تسير في اتجاه تحقيق سياسات حكومة حسن روحاني وأكبر هاشمي رفسنجاني، بالإضافة إلى توقع صعود حكومة ديمقراطية في الولايات المتحدة وتحسين السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية مع الغرب وإزالة العقوبات أو تقليلها إلى الحد الأدنى، إلا أنها فشلت في جميع هذه الجوانب.
في الولايات المتحدة، عادت حكومة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة مع تهديدات مباشرة ضد النظام الإيراني. وفي سوريا، تم تبديد الاستثمارات الضخمة التي تم إنفاقها لسنوات على المستشارين والقوات الوكيلة تحت اسم "الدفاع عن الحرم"، ولكن في الحقيقة كانت تهدف إلى منع انهيار حكومة بشار الأسد. كما أن "تحرير الشام" بقيادة محمد الجولاني وصلت إلى السلطة بدعم كامل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى حماس.
كما أن الوفد الدبلوماسي لحكومة بزشكيان قد تم استبعاده فعليًا من الساحة الإقليمية، ولم تسفر المشاورات الواسعة مع الدول العربية وحتى الحكومات التي بدت في السابق حليفة لإيران، مثل الصين وروسيا، عن أي رد واضح.
لذلك يبدو أن النظام الإيراني أقرب من أي وقت مضى إلى الانهيار.
في هذا السياق، يجب الانتباه إلى أن الإصلاحات، سواء كانت هيكلية أو بالمعنى الكلاسيكي للإصلاح في نظام ولاية الفقيه المطلقة "الشمولي"، ستؤدي إلى القمع وتثبيت النظام؛ كما رأينا في امتداد حكومات الإصلاح والبناء والتدبير والأمل.
لذلك، فإن تشكيل "طاولة ديمقراطية" بمشاركة مجموعات وآراء متعددة من المعارضة، مع التركيز على القوى الفاعلة والنشطاء السياسيين والمدنيين داخل البلاد، يعتبر أمرًا ضروريًا وسيكون الحل والبديل "لإنقاذ إيران". يجب على المجموعات المتعددة في المعارضة أن تعمل بشكل أكبر على توضيح مواقفها وسياساتها وعلاقتها بالديمقراطية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتمكن الشعب من اتخاذ أفضل القرارات.
وفي الظروف الإقليمية الحالية، يخشى البعض أن يتم تعطيل عملية التحول الديمقراطي من خلال دخول قوى راديكالية وعنيفة، وحتى من الإسلاميين والمتطرفين الدينيين، ما قد يؤدي إلى بقاء العملية ناقصة وفي خضم حرب أهلية أو خوف أو ترهيب، ما قد يؤدي إلى استبدال النظام الحالي بنظام استبدادي آخر. ومع ذلك، وبالنظر إلى الانتشار الواسع للعلمانية بين الشعب الإيراني، فإن احتمال تحول إيران إلى نظام طالباني أو هيمنة الإسلاميين يعتبر ضعيفًا جدًا.
لذلك، فإن الشرط الأول للدخول إلى طاولة الديمقراطية هو تجنب العنف والالتزام بالديمقراطية والعلمانية معًا، ومنع أي سيطرة أو هيمنة لتحقيق أهداف أو مصالح شخصية أو جماعية.
الشرط الثاني هو "الحفاظ على المصالح الوطنية" و"حماية الوحدة الإقليمية". التحدي الذي قد يطرح هنا هو ما إذا كانت المجموعات العرقية المتعددة التي تعرّف نفسها كـ"شعب" ستثق بممثليها في طاولة الديمقراطية للحفاظ على حقوقها.
لقد حاول النظام الإيراني لسنوات أن يشوه سمعة المجموعات العرقية من خلال وصمها بالانفصالية، بينما كان في الواقع يتجاهل القضية الأساسية المتمثلة في القمع والإقصاء بطرق مختلفة.
ولكن في النظام الديمقراطي، فإن ممثلي الشعب ملتزمون بحماية الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وضمان الحرية الكاملة لجميع فئات المجتمع.
لذلك، من الواضح أنه إذا لم يتم تحقيق ذلك، فإن هذه الفئات من الشعب قد تطالب بحكومة أو إدارة ذاتية لتأمين مصالحها.
شرط آخر مهم هو "المطالبة بالإطاحة". أي أن الفرد أو المجموعة المشاركة في طاولة الديمقراطية يجب أن تكون راغبة في الإطاحة الكاملة بنظام طهران دون أي شك أو تردد.
إن تشكيل واستمرارية وتماسك طاولة الديمقراطية يعتمد على اتحاد وتضامن المجموعات المتعددة في المعارضة.
بمعنى آخر، وبالنظر إلى الشروط المطروحة، يجب أن تكون القواسم الفكرية بين الأفراد بارزة ومكتملة وحتى مصححة بحيث تكون النتيجة النهائية خطابًا مشتركًا يتجنب العنف (مع التأكيد على أن ذلك لا يعني إنكار الحق في الدفاع المشروع ضد قمع القوات الحكومية) للانتقال إلى الديمقراطية.
نقطة أخرى مهمة هي قدرة الأفراد والمجموعات على "النقد الذاتي".
بمعنى أن الخطوة الأولى نحو الديمقراطية يجب أن تكون متمثلة في استيعابها وتأسيسها داخليًا بحيث تبدأ بنقد وتحليل تاريخي لأفكارها وخطابها، والسعي للإجابة على الأفكار الجماعية وتصحيح النقاط المتعارضة مع الديمقراطية.
ولن تكون هناك مجموعة متفوقة على أخرى، ولن تتمكن أي مجموعة من الادعاء بأنها البديل الوحيد "لإنقاذ إيران".
في النهاية، فإن إرادة الشعب هي التي ستؤيد أفضل خيار لمستقبل إيران من خلال عملية ديمقراطية في استفتاء عام، وهذا يعتمد على مقاومة الشعب من خلال العصيان المدني والفعل والتوعية، بالإضافة إلى قوة المجتمع المدني.
مطهرة كونهاي، طالبة في طب الأسنان والمسؤولة السياسية السابقة للرابطة الإسلامية للطلاب في جامعة طهران وعلوم الطب في طهران، تم اعتقالها في عام 2022 فيما يتعلق بانتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" من قبل القوات الأمنية.
تم اعتقال هذه الناشطة الطلابية مرة أخرى في 1 مايو (أيار) 2024 بعد استدعائها إلى جهاز استخبارات الحرس الثوري في طهران، وأفرج عنها بعد أيام قليلة بعد تقديم كفالة. وفي يوليو (تموز) 2024، قضت المحكمة الثورية في طهران ضدها بالسجن لمدة عام، وهي تقضي فترة عقوبتها في سجن إيفين منذ سبتمبر (أيلول).