تحليل

هل تفلح سياسة "توزيع الأدوار" بين خامنئي ومسؤوليه في مواجهة عاصفة ترامب ونتنياهو؟

مراد ويسي
مراد ويسي

محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

من أبرز سمات السياسة الخارجية لإيران التناقضات الظاهرة في تصريحات المسؤولين المختلفين، والتي برزت مرة أخرى بشأن قضايا مثل التفاوض مع الولايات المتحدة، والحديث عن قتل دونالد ترامب، والرد على تهديدات إسرائيل.

فمن جهة، أكد المرشد علي خامنئي، مرارًا أن "التفاوض مع أميركا" غير وارد بسبب "عدم الثقة في هذا البلد". ومن جهة أخرى، حملت تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان رسائل مختلفة.

وفي مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، التي بثت كاملة أمس الأربعاء، أشار بزشكيان إلى استعداد طهران للتفاوض مع واشنطن، وأكد أن طهران لم تسعَ أبدًا لقتل ترامب ولن تسعى لذلك.

استراتيجية متعمدة أم فوضى في صنع القرار؟

قد يكون أحد أسباب هذه التناقضات سياسة "توزيع الأدوار" بين المسؤولين في النظام الإيراني، فيبدو أن خامنئي يسعى لإظهار صورة زعيم لا يقبل التنازل، بينما يُسمح لدبلوماسيين ومسؤولين آخرين مثل بزشكيان وظريف وعراقجي بالحديث عن إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة. وهذا النهج يمنح خامنئي ميزة التفوق في جميع السيناريوهات:

ففي حالة نجاح المفاوضات، يمكنه الادعاء بأن الاتفاق تم رغم عدم ثقته في أميركا، وأنه يمثل مرونة إيران.

وفي حال فشل المفاوضات، يستطيع تحميل المسؤولية للمفاوضين والتمسك بموقفه الأولي بعدم الثقة في الولايات المتحدة.

وبهذا الشكل، يتجنب خامنئي أي مسؤولية عن النتائج ويحافظ على صورته كـ"زعيم مقاوم".

مواجهة التحديات الخارجية والداخلية

مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية وزيادة التهديدات الإسرائيلية، يبدو أن إيران تسعى لتخفيف الضغط الدولي باستخدام تصريحات متناقضة، مع الامتناع عن اتخاذ قرارات حاسمة.

ويدرك خامنئي أن ترامب ونتنياهو يمثلان تهديدًا حقيقيًا لاستمرار النظام. لذا، يحاول الحفاظ على مواقفه الصارمة بين أنصاره، مع إيجاد طرق لتخفيف التوترات والتهديدات الخارجية.

وهناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية قد تتبعها إيران:

أولا- التفاوض والتوصل إلى اتفاق: فقد تتجه طهران نحو التفاوض مع الولايات المتحدة وتقديم تنازلات بشأن برامجها النووية والصاروخية لتخفيف ضغط ترامب ونتنياهو ومنع سقوط النظام.
ثانيا- المواجهة والتصعيد: فقد ترفض إيران المفاوضات وتستعد لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ثالثا- الامتناع عن التفاوض أو التصعيد: يعني ذلك الامتناع عن التفاوض، مع تجنب استفزاز الولايات المتحدة بإجراءات نووية أو صاروخية تصعيدية.

تحديات خارج سيطرة خامنئي

رغم ذلك، تواجه إيران تحديات خارجة عن سيطرة خامنئي:، مثل
1- عودة ترامب بسياسة "الضغط الأقصى": وهي سياسة تعتمد على مواجهة مباشرة ضد إيران، مع تعزيز التعاون مع إسرائيل.

2- التهديدات العسكرية الإسرائيلية: فقد تستغل إسرائيل الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، خصوصًا بدعم ترامب.

3- تآكل نفوذ وكلاء طهران الإقليميين: حيث فقدت إيران كثيرًا من نفوذها في المنطقة بسبب الهزائم والضغوط.

4- العلاقة المتوترة مع أوروبا: حيث أصبحت الدول الأوروبية أكثر تشددًا تجاه إيران بسبب برنامجها النووي ودعمها لروسيا في الحرب الأوكرانية.

5- الأزمات الاقتصادية الداخلية: مع ارتفاع أسعار الدولار، ونقص الموارد المالية، وتفاقم الأزمات مثل انقطاع الكهرباء والغاز، تواجه إيران ضغوطًا متزايدة.

6- الاحتجاجات الشعبية: فالضغوط الخارجية والداخلية قد تؤدي إلى انتفاضات داخلية ضد النظام.

الانقسامات داخل النظام

لقد ظهرت انقسامات داخلية واضحة في النظام الإيراني، حيث ترى بعض التيارات ضرورة التمسك بالمواقف الصارمة، بينما يعتقد آخرون أن التفاوض هو السبيل الوحيد للبقاء.

ومع ذلك، يظل الهدف المشترك لجميع التيارات داخل النظام هو الحفاظ على النظام نفسه، وليس تلبية مطالب الشعب. كما أن خامنئي لم يتخذ بعد قرارًا نهائيًا بشأن المسار الذي سيتبعه. ومع ذلك، فإن أي خيار يتخذه قد لا يضمن بقاء النظام، حيث تُعتبر الأزمات الداخلية والخارجية تهديدًا وجوديًا حقيقيًا لنظام طهران.