هل تراجع خامنئي عن موقفه بشأن انضمام إيران إلى "FATF"؟

مريم سينائي
مريم سينائي

صحافية ومحللة سياسية - إيران إنترناشيونال

عندما بدأت إحدى الهيئات الاستشارية الرئيسية في إيران "مراجعة" القضية المثيرة للجدل بشأن الانضمام إلى الاتفاقيات المالية الدولية، لم يواجه ذلك فقط معارضة من المتشددين، بل أثار أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان المرشد الإيراني قد عدّل من موقفه.

جدير بالذكر أن مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي قيل إنه مفوض من قبل المرشد علي خامنئي للقيام بهذه المراجعة، تم إنشاؤه لحل النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، الهيئة المسؤولة عن منح الموافقة النهائية على جميع التشريعات.

وقد أعلن وزير الاقتصاد، ناصر همتي، مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي أن المرشد وافق على "مراجعة" انضمام إيران إلى الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. فيما لم يدلِ خامنئي بأي تصريحات علنية حول هذه المسألة حتى الآن.

يذكر أن مجموعة العمل المالي (FATF) هي منظمة تم إنشاؤها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتهديدات الأخرى للنظام المالي الدولي. وتم وضع إيران لأول مرة على القائمة السوداء لهذه المجموعة بسبب فشلها في تلبية المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويعتقد كثير من المراقبين أن التدهور السريع في الاقتصاد الإيراني، إلى جانب المطالب من قبل الإدارة الرئاسية والعديد من السياسيين في طهران، ربما يكون قد دفع خامنئي إلى إعطاء الضوء الأخضر لحل هذه المسألة.

وفي مقابلة نشرت بواسطة "يورونيوز" أول من أمس الثلاثاء، والتي غطتها وسائل الإعلام الإيرانية على نطاق واسع، عبر أسغر فخريه كاشان، نائب محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، عن شعوره بأن الرئيس مسعود بزشكیان قد توصل إلى اتفاق مع خامنئي لحل القضية.

ما دور مجلس تشخيص مصلحة النظام؟

إحدى المهام الرئيسية للمجلس هي التحكيم بين البرلمان والمراقب الدستوري مجلس صيانة الدستور، عندما تتم الموافقة على قانون من قبل الأول ولكنه مرفوض من قبل الثاني، ولا يمكن حل النزاع بينهما. ويتم تعيين رئيس المجلس وأعضائه من قبل خامنئي.

إن الجدل الحالي يتركز حول قانونين تتطلبهما مجموعة "FATF" لإزالة إيران من القائمة السوداء: "اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، وقانون "CFT" لمكافحة تمويل الإرهاب.

وعلى الرغم من أن البرلمان وافق على هذه القوانين في عام 2018، فإن مجلس صيانة الدستور رفضها، مستندًا إلى تعارضها مع "إرشادات الاقتصاد المقاوم"، وسياسات الأمن القومي، و"مخالفتها للشريعة".

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، تمت إحالة القضية إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث ظلت عالقة. ولم يكن من الممكن حدوث هذا التأخير المستمر دون توجيه أو موافقة خامنئي.

جدير بالذكر أن الموافقة من قبل ثلثي الأعضاء الحاليين للمجلس الـ43 ضرورية لتسوية هذين القانونين المتأخرين.

من يدعم ويعارض الانضمام إلى "FATF"؟

كان انضمام إيران إلى الاتفاقيات قضية مثيرة للجدل في الساحة السياسية الإيرانية منذ عام 2016، ويرجع ذلك إلى القيود الكبيرة التي تواجهها إيران في علاقاتها مع البنوك الدولية والتجارة الخارجية نتيجة وجودها على القائمة السوداء لـ"FATF".

وقد دعا بزشكیان مرارًا وتكرارًا إلى الانضمام لاتفاقيات "FATF" خلال حملته الانتخابية كخطوة حاسمة لمنع عزلة البلاد المالية. وتقول حكومته إن الحل النهائي لهذه القضية قد أصبح قريبًا.

يذكر أن المفاوض النووي السابق المتشدد سعيد جليلي، الذي نافس بزشكیان في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يوليو (تموز)، هو حاليًا عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويحظى بدعم أعضاء المجلس وبعض النواب في البرلمان.

وفي خطاب ناري ضد أميركا مؤخرًا، انتقد النائب المتشدد مهدي كوشاك زاده الجهود المبذولة للانضمام إلى اتفاقيات مكافحة غسيل الأموال بموجب مجموعة العمل المالي (FATF)، واصفًا ذلك بـ"الموافقة على العبودية لأميركا".

وعبر رسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، صادق آملي لاريجاني، جادل 120 نائبًا بأن الانضمام إلى اتفاقيات باليرمو و"CFT" لن يفيد الأمة الإيرانية. وأكدوا أن مثل هذه الخطوة ستؤدي فقط إلى "تصعيد المشاكل الناجمة عن العقوبات" وتمكين الولايات المتحدة من الكشف عن طرق إيران في التحايل عليها.

وتشير التقارير إلى أن نصف أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام على الأقل لديهم تاريخ من المعارضة ليس فقط لهذه القوانين ولكن لانضمام إيران إلى جميع الاتفاقيات التي تطالب بها "FATF".

ومع ذلك، كما هو الحال في العديد من الحالات الأخرى، قد تؤدي الإشارة الدقيقة من خامنئي عبر القنوات غير الرسمية إلى تغيير مواقف بعضهم.

لماذا يعتبر قرار تشريع "FATF" مهمًا؟

توصي "FATF" بـ"العناية الواجبة المعززة" للمعاملات التي تشمل البلدان المدرجة على القائمة السوداء. وهذا يجعل التعاملات المالية مع إيران مكلفة ومرهقة ومخاطرة بالنسبة للمؤسسات الدولية. وقد تطبق الدول أيضًا تدابير مضادة، مثل إنهاء العلاقات المصرفية، وحظر المعاملات، أو فرض متطلبات تدقيق إضافية.

وسوف يقلل حل القضايا المتعلقة بـ"FATF" من هذه الحواجز، ما قد يسهل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية ويخفف الضغط الاقتصادي على إيران.

ما الخطوات التي اتخذتها إيران لتلبية متطلبات "FATF"؟

في عام 2016، وافقت إيران تحت رئاسة حسن روحاني على خطة عمل من "FATF" للانتقال من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية.
ومع ذلك، في عام 2020، أعادت "FATF" إدراج إيران في القائمة السوداء بسبب فشلها في إتمام خطة العمل.

لذلك، حثت "مجموعة العمل المالي" أعضاءها على الاستمرار في تقديم المشورة لمؤسساتهم المالية لتطبيق العناية الواجبة المعززة على علاقات الأعمال والمعاملات مع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من إيران.

وقد تم قبول 37 من أصل 41 توصية قدمتها "FATF" للحكومة الإيرانية في عام 2016، بما في ذلك نظام إعلان النقد، وتم تقديم تشريعات ذات صلة في هذه المجالات. ولكن مكافحة تمويل الإرهاب تظل أكبر عقبة في إيران، حيث يعتقد المتشددون أن ذلك سيقيد قدرة طهران على دعم جماعاتها الوكيلة في الخارج.