الإيرانيون لا يذرفون الدموع على فلسطين: تكفينا همومنا جراء سياسات النظام

تُهيمن مشاعر الاستياء من النظام الإيراني على نظرة كثير من الإيرانيين تجاه الصراعات في الشرق الأوسط؛ حيث يبدو أن المنطق القائل: "عدو عدوي صديقي" يطغى على الاعتبارات السياسية وحتى الإنسانية، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وتنتشر اللافتات الداعية لدعم ضحايا الحروب في فلسطين ولبنان، في شوارع طهران، فيما تحث إحداها المواطنين على كفالة الأسر اللبنانية النازحة، وعلى شاشات التلفزيون الحكومي، تُعرض صور ولقطات لنساء يتبرعن بالذهب والمجوهرات لدعم غزة ولبنان، لكن هذه الصورة لا تعكس القصة الكاملة.

تقول مواطنة إيرانية تُدعى صفورا، وهي مصممة غرافيك تبلغ من العمر 38 عامًا: "هذه الحملات لدعم غزة ولبنان مثيرة للاشمئزاز. إنها تستهدف أناسًا بالكاد يستطيعون شراء الخبز. الأموال التي يمكن أن تنقذ الإيرانيين من الفقر تُحوَّل إلى غزة ولبنان".

وافقها سائق سيارة أجرة، قائلاً: "أتفق تمامًا. الحكومة تُغرق عائدات النفط في غزة ولبنان بينما يعاني شعبنا. كانوا يريدون هلالاً شيعيًا في المنطقة، ولكن انظر إلى ما حدث لقادة الحرس الثوري وقادة حماس وحزب الله. أنفقوا أموالنا بلا طائل".

ولا توجد بيانات موثوقة حول آراء الإيرانيين بشأن السياسة الإقليمية، ولكن الأدلة والآراء المتاحة تشير إلى شيوع وجهات النظر، التي عبّرت عنها "صفورا" وسائقها.

ولم تحظَ استراتيجية إيران في دعم الجماعات المسلحة ضد إسرائيل والولايات المتحدة بقبول كبير لدى قطاعات واسعة من الشعب الإيراني؛ حيث يتجلى هذا الاستياء في الأحاديث اليومية، وفي شعارات الاحتجاجات الجماعية على مر السنوات الماضية، مثل: "لا لغزة، لا للبنان، حياتي فداء لإيران".

وتُجرّم قوانين النظام الإيراني السفر إلى إسرائيل أو التعبير عن دعمها، كما يُمنع الرياضيون الإيرانيون من التنافس ضد نظرائهم الإسرائيليين في المحافل الدولية، وحتى استخدام كلمة "إسرائيل" بدلاً من "النظام الصهيوني" كان يُعد مخالفة خطيرة حتى وقت قريب. يُضاف إلى ذلك فعاليات مثل "يوم القدس" السنوي، الذي ترعاه الدولة تضامنًا مع القضية الفلسطينية، وذلك لحسابات سياسية سئم منها المواطن الإيراني، وكان ضحيتها خلال العقود الماضية.

وأدى هذا النهج الأحادي الجانب إلى نفور الكثير من الإيرانيين، الذين باتوا يربطون أزمات البلاد الاقتصادية بسياساتها الإقليمية.

وبات السخط واللامبالاة سائدين لدى معظم الإيرانيين، أما من يحملون تعاطفًا تجاه الفلسطينيين وينتقدون إسرائيل، فكثيرًا ما يلتزمون الصمت لتجنب الاتهامات بالتأييد للنظام أو التبرير له.

وتقول رُيا، ناشطة من كردستان الإيرانية تبلغ من العمر 34 عامًا: "لقد احتكر النظام الإيراني القضية الفلسطينية وأفسدها. من الصعب للغاية التعبير عن دعم الفلسطينيين في ظل هذا العداء الشعبي أو اللامبالاة على أفضل تقدير".

وأضافت: "الأشخاص الذين يعارضون قتل المدنيين على يد إسرائيل يشعرون بأنهم محاصرون. نريد أن نحتج على هذه الفظائع، لكننا لا نريد أن نُصنف كأننا نؤيد دعاية النظام".

وفي الشهر الماضي، وقّع أكثر من 400 أكاديمي وكاتب وناشط إيراني داخل البلاد وخارجها على رسالة تُدين أفعال إسرائيل في غزة. لكن هذه الرسالة أثارت ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث اتُهم الموقّعون بالنفاق لعدم انتقادهم النظام الإيراني بالقدر نفسه. وأجاب الموقّعون بأن موقف إيران غير مرتبط بمخاوفهم بشأن ما وصفوه بالإبادة الجماعية.

ويقول علي رضا، موظف في شركة دعم تقني يبلغ من العمر 29 عامًا: "لماذا يُدينون إسرائيل ولا ينتقدون حماس؟ لماذا لا يعبرون عن هذا القدر من الغضب عندما يقوم النظام بإعدام المتظاهرين؟". وأضاف: "لدينا ما يكفي من الظلم للتعامل معه في الداخل".

ولكن زميله بابك لم يُخفِ غضبه، قائلاً: "إذن أنا غبي؛ لأنني أغضب من قتل إسرائيل للأطفال؟". مضيفًا: "أحيانًا أشعر بأننا مغمورون بكراهيتنا للنظام، لدرجة أننا نتجاهل أو نبرر أي جريمة إذا كانت ضد حكومتنا".

ويعكس الجدل حول إسرائيل وفلسطين الصراع الداخلي في إيران، وبالنسبة لكثير من المواطنين الإيرانيين، فإن سخطهم وغضبهم العارم من النظام يطغى على كل شيء، بما في ذلك المشاعر الإنسانية؛ فحياة الإيرانيين قاسية للغاية، وغالبًا ما تطغى القسوة على التعاطف.