لماذا تعاني إيران من تفاقم أزمات الغاز والكهرباء؟

دالغا خاتين أوغلو
دالغا خاتين أوغلو

محلل اقتصادي في شؤون الطاقة

تزداد معاناة إيران من نقص الغاز بسبب زيادة الاستهلاك، الذي تحفزه إضافة 8 آلاف ميغاواط من محطات الكهرباء الحرارية الجديدة وارتفاع استخدام الغاز في المنازل. وفي الوقت ذاته، تباطأ نمو إنتاج الغاز في السنوات الثلاث الماضية ليصل إلى ثلث المعدل الذي كان عليه في العقد الماضي.

نتيجة لذلك، تعاني البلاد من نقص مزمن في الكهرباء، وانقطاع الكهرباء المتكرر، وخسائر كبيرة في الإنتاج الصناعي، مما يزيد من تعقيد الصعوبات التي تواجهها إيران تحت وطأة العقوبات الأميركية. وبقي التضخم فوق 40 في المائة لمدة خمس سنوات، وتراجعت قيمة العملة الوطنية إلى النصف خلال عامين، ويعيش الآن ما لا يقل عن 30 مليون شخص تحت خط الفقر.

انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي

يعد حقل جنوب بارس للغاز، الذي يشكل 75 في المائة من إنتاج إيران، في مرحلة تراجع من دورة حياته ويعاني من انخفاض في الإنتاج. وبسبب العقوبات، لا تستطيع إيران جذب الشركات الغربية لتركيب منصات إنتاج كبيرة مزودة بالضواغط، مما يجبرها على قبول مستويات إنتاج أقل.

تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطات للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، وهي ثالث أكبر منتج للغاز، بعد الولايات المتحدة وروسيا. ووفقًا لإحصائيات "BP"، ارتفع إنتاج الغاز في إيران من حوالي 157 مليار متر مكعب في عام 2010 إلى 252 مليار متر مكعب في العام الماضي، لكن معدل النمو تباطأ. كما تعاني إيران من خسارة سنوية تبلغ 28 مليار متر مكعب من الغاز أثناء مراحل الإنتاج والتوزيع، وهي خسارة لا تُدرج في الأرقام المذكورة.

يعتمد نحو 70 في المائة من استهلاك الطاقة في إيران على الغاز الطبيعي، ولا توجد بدائل قابلة للتطبيق لتعويض النقص. كما تواجه البلاد عجزًا في إمدادات البنزين والديزل، بينما تضاعف استهلاك المازوت الملوث للبيئة في السنوات الأخيرة.

وقد تتمكن الحكومة من تعويض جزء من نقص الطاقة عن طريق إيقاف تصدير 6.5 مليون طن من الغاز المسال و12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا. لكن إيران تعتمد بشكل كبير على إيرادات صادرات الغاز والغاز المسال.

أثر نقص الغاز على الصناعات

هذا الصيف، بسبب نقص الكهرباء، قامت الحكومة بتخفيض إمدادات الكهرباء إلى الصناعات بنسبة 50 في المائة. ووفقًا لجمعية الصلب العالمية، انخفض إنتاج إيران من الصلب بنسبة 45 في المائة في الصيف مقارنةً بالربيع، ليصل إلى 4.7 مليون طن (الربع الثالث من 2024). ومنذ الشهر الماضي، قامت الحكومة أيضًا بتخفيض إمدادات الغاز إلى صناعة الصلب بنسبة 50 في المائة.

تعاني صناعة الأسمنت من انخفاض بنسبة 7 في المائة في الإنتاج بسبب نقص الكهرباء والغاز. ولم تتمكن المصانع من إنتاج المواد الخام واستخدمت المخزون الاحتياطي خلال الصيف. ومع تقليص إمدادات الغاز إلى صناعة الإسمنت بنسبة 80 في المائة منذ أواخر سبتمبر (أيلول) وتناقص المخزون من المواد الخام، من المتوقع أن يشهد إنتاج الإسمنت انخفاضًا كبيرًا في فصل الخريف والشتاء.

أما قطاع البتروكيماويات، الذي يعد أكثر الصناعات اعتمادًا على الغاز، فقد عمل بنسبة 70 في المائة فقط من طاقته الإنتاجية العام الماضي بسبب نقص الغاز. ومع تفاقم الاختلالات هذا العام، يُتوقع انخفاضات إضافية في الإنتاج. وبالنسبة لإيران، التي تعد من المصدرين الصغار للإسمنت، سيكون عليها الآن تقليص البناء أو التحول إلى الاستيراد.

وفي العام الماضي، صدرت إيران منتجات من الصلب الخام والصلب بقيمة 8 مليارات دولار ومنتجات بتروكيماوية بقيمة 19.5 مليار دولار. ومعًا، شكلت قطاعات الصلب والبتروكيماويات 55 في المائة من إجمالي صادرات إيران غير النفطية.

التأثير على حياة المواطنين

أدى نقص الغاز الطبيعي إلى إجبار الحكومة على تقليص الإمدادات لمحطات الكهرباء، مما أسفر عن انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي. ومنذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، أثار انقطاع الكهرباء المتكرر في المناطق السكنية في المدن الكبرى غضب المواطنين. كما تسببت أزمة الكهرباء في تعطيل الأنشطة التجارية، وتقليص دخل الأسر، وتسبب في خسائر في الإنتاج الصناعي، مما أثر سلبًا على مستويات التوظيف.

ومع بداية فصل الشتاء، ستتفاقم أزمة نقص الغاز والكهرباء، مما سيؤثر على المواطنين بشكل أكبر. في حين أن الزيادة المخطط لها في أسعار الغاز قد تعزز إيرادات الحكومة، إلا أن أسعار الغاز المحلية منخفضة للغاية لدرجة أن زيادتها بمقدار الضعف لن تؤثر بشكل كبير على استهلاك الأسر.

وقد وصل استهلاك الغاز اليومي في إيران في فصل الخريف إلى 820 مليون متر مكعب، حيث تشكل القطاعات السكنية والتجارية والصناعية الصغيرة حوالي 440 مليون متر مكعب يوميًا. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 650 مليون متر مكعب يوميًا خلال ذروة الطلب في أشهر الشتاء.

وحتى مع مستويات الاستهلاك الحالية، تواجه إيران عجزًا في الغاز يصل إلى 90 مليون متر مكعب يوميًا.

ومن المتوقع أن يصل هذا العجز إلى 300 مليون متر مكعب يوميًا في الشتاء، مما يعني أن الحكومة لن تتمكن من تلبية ربع احتياجات البلاد من الغاز.