سياسة المهادنة مع المرشد الإيراني لا تجدي نفعا
يعتقد البعض في وسائل الإعلام الغربية وحتى داخل إيران أن تقديم الحوافز الاقتصادية للنظام الإيراني قد يسهم في إصلاح سلوكه والوصول إلى اتفاق معه. لكن هذه الرؤى، التي غالبًا ما يطرحها مؤيدو سياسة المهادنة مع النظام الإيراني، تتجاهل الحقائق الراهنة.
وتستند وجهات النظر التي تدعو إلى تقديم حوافز اقتصادية لإيران إلى سببين رئيسين يعتبران خاطئين: أولاً، أثبتت التجربة أن سياسة المهادنة مع هذا النظام لم تؤدِّ إلى تعديلات في سلوكه، بل على العكس، جعلت تحركاته أكثر عدوانية. على سبيل المثال، سياسة المهادنة التي انتهجتها إدارة جو بايدن تجاه إيران أدت إلى دعم برنامج طهران الصاروخي والنووي، وقمع داخلي متزايد، ودعم الجماعات بالوكالة مثل حماس وحزب الله. كما أن الهجوم الأخير من حماس على إسرائيل والصراعات الإقليمية هي مثال بارز على هذا الأمر.
ثانيًا، حتى إذا افترضنا أن تقديم الحوافز الاقتصادية للنظام الإيراني يمكن أن يغير سلوكه، فإن وجهة نظر المرشد الإيراني علي خامنئي واستراتيجيته تتناقض تمامًا مع هذا الافتراض.
رفض التعاون مع الغرب
أكد المرشد الإيراني علي خامنئي مرارًا أنه لا يريد التعاون الاقتصادي مع الغرب، واتبع نهج "الاقتصاد المقاوم".
وفي أغسطس (آب) 2016، أي بعد شهر واحد فقط من تنفيذ الاتفاق النووي، أعلن بوضوح أنه سيمنع التعاون الاقتصادي مع أميركا.
ومن الناحية الأيديولوجية، يعارض خامنئي توسيع التفاعلات الاقتصادية مع العالم. فقد أظهر مرارًا أن "الاقتصاد المقاوم"- الذي يعني قطع العلاقات مع الاقتصاد العالمي- هو محور تفكيره.
وهنالك العديد من الأمثلة على هذا التفكير، فبعد إعلان الاتفاق النووي، عندما كان العالم مستعدًا للاستثمار في إيران، أعلن خامنئي بوضوح أن الشركات الأميركية لا يحق لها العمل في إيران.
وثبل ذلك في عام 2004، قام الحرس الثوري الإيراني بإغلاق مدرج مطار الخميني باستخدام المركبات العسكرية لمنع شركة تركية من إدارة المطار.
وبناءً على توجيه خامنئي، قام أنصار النظام وقوات الأمن المتخفية بالزي المدني بمهاجمة حافلة تحمل سياحًا أجانب.
وتُظهر هذه المواقف أن خامنئي والحرس الثوري لا يرحبان بالتفاعل الاقتصادي مع العالم، بل يعارضانه بشدة.
السياسة الأميركية: الضغط الأقصى
في الولايات المتحدة، وبخلاف سياسة المهادنة التي انتهجها بايدن، تبنى دونالد ترامب في فترته الرئاسية السابقة سياسة "الضغط الأقصى"، حيث فرض عقوبات صارمة على النفط الإيراني، وسعى لتقليص إيرادات النظام النفطية. ومن المرجح أن يعيد ترامب تبني نفس النهج في حال عودته إلى السلطة.
وقد أكد مساعدوه أنه بمجرد عودته إلى الحكم، سيفرض عقوبات إضافية على إيران، ولن يعود إلى طاولة المفاوضات إلا إذا تراجع النظام الإيراني.
ونظرًا لقربه من إسرائيل، يمتلك ترامب فهماً مختلفًا تمامًا عن فهم بايدن لطبيعة النظام الإيراني. فهو يعتقد أن طهران لا تستسلم إلا تحت الضغط، وليس من خلال تقديم الامتيازات.
دعم الجماعات الوكيلة
من جهة أخرى، يعتبر خامنئي أن دعم الجماعات التابعة مثل حماس وحزب الله والحوثيين هو أداة أساسية لإيران في التأثير على المنطقة. وبالنسبة له، تعتبر هذه الجماعات ليست فقط أدوات للهجوم على إسرائيل وأميركا، بل وسيلة للحفاظ على بقاء النظام نفسه.
وقد ألحقت الهزائم الأخيرة لحماس وحزب الله أمام إسرائيل خسائر قوية بالنظام الإيراني، وأظهرت أن نفوذه في المنطقة قد تآكل. كما أن هذه الهزائم قد أضعفت مكانة خامنئي والحرس الثوري، وهو ما يصب في مصلحة الشعب الإيراني.
تصورات ساذجة
إن تقديم حوافز اقتصادية لكي يقوم النظام الإيراني بتغيير سلوكه يعتبر تصورا ساذجا، ويعكس عدم فهم حقيقي لطبيعة هذا النظام. فقد أظهرت التجارب أن سياسة المهادنة، سواء من إدارة أوباما أو بايدن، أو من بعض مراكز الفكر الغربية، لم تؤدِ إلى أي نتيجة سوى دعم سلوك النظام العدواني.
لقد أثبتت التجربة أن سياسة "الضغط الأقصى" هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجبر هذا النظام على التراجع. كما أن خامنئي، بأيديولوجيته المعادية للغرب، لن يقبل أبدًا بالتفاعل الاقتصادي مع العالم.