من الغاز إلى الكهرباء والبنزين.. استمرار أزمة الطاقة في إيران والحكومة تعترف بالعجز
تواجه إيران سلسلة من الأزمات المرتبطة بنقص الطاقة، والتي تشمل الغاز والكهرباء والبنزين. وهي أزمة تفضل الحكومة تسميتها "عدم التوازن الطاقي".
لكن تغيير اسم هذه الأزمة لا يخفف من عجز الحكومة عن توفير البنزين، ولا من سنوات الإهمال في الاستثمار بقطاع الغاز، ولا من نقص الوقود بمحطات الكهرباء. ومن المتوقع أن يكون خريف وشتاء 2024 في إيران باردًا، ملوثًا، ومظلما.
وفي مساء الثلاثاء 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، اعترف محمد جعفر قائن بناه، المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني، خلال برنامج إخباري بثته وسائل الإعلام الرسمية، بوجود "عدم توازن" في قطاعات الوقود والغاز والكهرباء.
وقال: "الرئيس يتخذ التدابير اللازمة لحل هذه المشكلات في أقصر وقت ممكن أو في العام المقبل، حتى لا نشهد انقطاعًا للكهرباء يسبب معاناة للمواطنين".
"عدم التوازن" هو مصطلح استخدمته السلطات الإيرانية في السنوات الأخيرة لوصف الأزمة والندرة في قطاع الطاقة.
وتعود جذور أزمة الطاقة في إيران إلى سنوات ماضية، لكنها بدأت بالظهور بشكل ملموس في النصف الثاني من العقد 2010، والآن يعاني المواطنون من كل جوانبها في حياتهم اليومية. لقد أصبحت سلسلة من الأزمات في إيران تؤثر على جميع القطاعات.
أزمة البنزين
منذ فترة حملات الانتخابات الصيفية لعام 2024 وحتى اجتماع تقديم مشروع الميزانية لعام 2025 للبرلمان الإيراني، دأب الرئيس الإيراني، مسعود بزشکیان، على الشكوى من أسعار الطاقة، وبشكل خاص من أسعار البنزين، مؤكدا أنه يتم إنفاق 5 مليارات دولار سنويًا لاستيراد البنزين.
إلا أن وكالة "تسنيم"، التابعة للحرس الثوري، رفضت هذا الادعاء، قائلة إن إيران استوردت بنزينًا بقيمة ملياري دولار فقط في العام الماضي.
من جهة أخرى، قال بزشکیان إن الحكومة تدفع 6500 تومان كدعم لكل لتر من البنزين المحلي.
بعيدًا عن الأرقام الدقيقة، من الواضح أن إيران تخطط لزيادة أسعار الوقود. ولا يرفض المسؤولون الحكوميون الزيادة بشكل قاطع، بل يؤكدون فقط أنه سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب.
وآخر مرة تم فيها تعديل أسعار البنزين في إيران كانت قبل 5 سنوات. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، قررت الحكومة الإيرانية رفع أسعار الوقود، مما أدى إلى اندلاع أحد أكبر الاحتجاجات في تاريخ إيران.
ومنذ ذلك الحين، تواجه إيران عقوبات اقتصادية شاملة بسبب طموحاتها العسكرية، وتهديداتها لدول المنطقة، وبرنامجها النووي.
وقد أدى هذا إلى أن طهران لم تعد قادرة على بيع نفطها كما كانت في السابق، فضلاً عن أنها لا تستطيع بسهولة تأمين البنزين بسبب العقوبات والقيود المالية.
في الوقت نفسه، قالت السلطات الإيرانية إنها مضطرة لدفع دعم الوقود، لكنها تواجه صعوبة في شراء البنزين بسبب العقوبات.
ومع ذلك، فإن زيادة أسعار البنزين، التي عادة ما تكون مصحوبة بارتفاع أسعار الديزل، سيكون لها تأثير مباشر وفوري على مستويات الأسعار بشكل عام، وستؤدي إلى سلسلة من التغيرات الاقتصادية التي قد تخلق مشكلات كبيرة للحكومة الجديدة برئاسة پزشکیان.
الغاز.. أزمة مستمرة رغم الثروات الطبيعية
تُعتبر إيران من بين الدول المالكة لأكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطيات غاز معروفة على كوكب الأرض. ومع ذلك، في عام 2024، تواجه إيران مشكلة كبيرة في تأمين الغاز للمنازل، الصناعات، ومحطات الطاقة.
وتكمن المشكلة في أن امتلاك الغاز ليس كافيًا، بل يتطلب استخراج هذا الغاز ونقله استثمارات مستمرة ومتواصلة.
في حديثه لوكالة "إيسنا" في 26 أغسطس (آب) الماضي، أكد نرسی قربان، الخبير في قطاع الطاقة، أن حل مشكلة صناعة الغاز في إيران يتطلب تطوير العلاقات الدولية والاستثمارات في القطاع.
وقال: "كما أُشير في الحكومة السابقة، نحن بحاجة إلى 250 مليار دولار من الاستثمارات لإحياء صناعة النفط والغاز، وهذه الحاجة لم تُحقق حتى الآن، ومن المحتمل أننا بحاجة إلى أكثر من هذا المبلغ".
وعلى الرغم من الوضع المالي الصعب الذي تعاني منه إيران حاليًا، فقد تم إنفاق العائدات النفطية الوفيرة في الماضي على قطاعات أخرى، دون أن يتم استثمارها بشكل كافٍ في صناعة الغاز.
ونتيجة لذلك، ومع اقتراب فصل الشتاء، يواجه البلد نقصًا حادًا في الغاز، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا مع انخفاض درجات الحرارة.
ومن غير الواضح بعد حجم أزمة الغاز بشكل دقيق، ولكن الأخبار تشير إلى أن نطاق الأزمة واسع جدًا.
ففي 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أعلن "ديوان المحاسبات" الإيراني، وهو الجهاز الرقابي في البرلمان، عن نتائج تحقيقاته الفنية التي أظهرت أن نقص الغاز في عام 2023 بلغ 63.9 مليار متر مكعب، في حين تم هدر 18 مليار متر مكعب من الغاز بسبب المشاعل (الفلير).
وأكد ديوان المحاسبات أن "الاهتمام بمسألة الاستثمار في قطاع الغاز أصبح أمرًا ضروريًا، بالإضافة إلى معالجة التقصير والانتهاكات في هذا المجال".
من جانب آخر، أصدرت حكومة الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشکیان، في 10 نوفمبر الجاري، قرارًا يقضي بتعديل تعريفة الغاز بحيث تحصل الدولة على إيرادات أكبر من استهلاك الغاز من قبل المواطنين.
الكهرباء.. أزمة متفاقمة رغم الوعود بحلول عاجلة
في صيف عام 2024، ومع تفاقم حالات الانقطاع الواسع للكهرباء، أعلن مسؤولو النظام الإيراني أن المواطنين يمكنهم تجنب انقطاع الكهرباء عن طريق تقليل استخدام المكيفات، لكن الواقع كان مختلفًا.
فقد كانت الشبكة الكهربائية في البلاد بحاجة إلى استثمارات تقدر بـ19 مليار دولار لتحديث محطات إنتاج وتوزيع الكهرباء المتهالكة، وهو ما لم يكن ممكناً حله بتقليل استخدام المكيفات.
اليوم، في نوفمبر (تشرين الثاني)، ومع توقف المواطنين عن استخدام المكيفات، أصبح خيار الحكومة هو تحديد مصير الشعب بين خيارين: "استحدام المازوت" أو "الانقطاع الكهربائي".
وفقًا لبعض المراقبين، يعد الحديث عن استخدام المازوت في فصل الشتاء توجيهًا خاطئًا من قبل الحكومة. إذ تُنتج 80% من الكهرباء في إيران عبر محطات توليد كهرباء حرارية، وهذه المحطات تعتمد بشكل أساسي على الغاز.
من بين 140 محطة كهرباء كبيرة، هناك 14 محطة فقط قادرة على تشغيل المازوت.
وفي تقرير نشرته وكالة "فارس" المقربة من الحرس الثوري، استنادًا إلى بيانات وزارة الطاقة، أفادت بأن عملية تعبئة مخازن الوقود السائل للمحطات توقفت منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، مما أدى إلى تراجع احتياطيات الوقود إلى الثلث.
ووفقًا للتقرير، فإن توفير الغاز لمحطات الكهرباء في الأسبوعين الأولين من نوفمبر (تشرين الثاني) قد انخفض بنسبة 30% مقارنة بعام 2023، بينما تراجعت احتياطيات الديزل إلى أقل من 1260 مليون لتر، مما جعل شبكة الكهرباء الإيرانية تقترب من حالة الطوارئ القصوى.
بناءً على ذلك، كان رد الحكومة الأول هو إعلان جدول انقطاع كهربائي شامل بسبب توقف استخدام المازوت. لكن بجانب هذه الانقطاعات، تم إقرار زيادة أسعار الكهرباء بشكل غير معلن.
ونشرت صحيفة "خراسان" تقريرًا موسعًا، اليوم الأربعاء 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، حول الزيادة المفاجئة في تعرفة الكهرباء للمنشآت الصناعية، حيث أظهرت الفواتير الصادرة أن تكلفة الكهرباء لمصنع في خراسان قد ارتفعت بشكل غير مسبوق، حيث بلغ إجمالي فاتورة الكهرباء حوالي ستة ملايين و600 ألف تومان، بينما تم فرض ما يصل إلى 50 مليون تومان كـ"تعرفة ترانزيت" على نفس الفاتورة.
وفي محاولة لتبرير الأزمة، أكد عباس علي آبادي، وزير الطاقة، في 19 نوفمبر الجاري، خلال اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي تيشيولف، أن إيران وروسيا تمتلكان شبكات كهربائية ضخمة، وأن اتصال هذه الشبكات سيمكن من إنشاء "قوة كهربائية كبيرة في المنطقة" تستفيد منها دول أخرى.
ورغم تكرار الوعود بهذا الاتصال منذ عام 2015، لم يتحقق أي تقدم ملموس في ربط الشبكتين الكهربائيتين حتى الآن.