الغموض يحيط بمصير السياسي الإيراني- الألماني جمشيد شارمهد.. وابنته تشكك في إعدامه
كشفت غزالة شارمهد، ابنة المعتقل السياسي الإيراني، الذي يحمل الجنسية الألمانية، جمشيد شارمهد، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، أن السلطة القضائية الإيرانية لم تُعلن رسميًا تنفيذ حكم الإعدام بحق والدها.
وأوضحت أنها حينما سألت المسؤولين الألمان عن كيفية معرفتهم بمصير والدها، أجابوها بأن إيران أخبرتهم بأنه قد تُوفي.
وقالت غزالة، التي تسعى لمعرفة مصير والدها، إنه "لم يتم تأكيد تنفيذ حكم الإعدام بحق والدي، في أي تقرير إعلامي رسمي في إيران"، مؤكدةً: "لا أحد يعرف أين جثمان والدي، ولم نرَ أي وثيقة تثبت وفاته، كما أن ألمانيا أو الولايات المتحدة لا تمتلكان دليلًا على أنه قد فارق الحياة، إذ اكتفت ألمانيا بتصديق النظام الإيراني الذي أخبرها بأن والدي قد تُوفي".
وأشارت غزالة شارمهد إلى أن كلًا من الحكومتين الأميركية والألمانية تواصلتا معها، بعد نشر أخبار وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، التي أفادت بإعدام والدها، إلا أن أيًا منهما لم تقدم ما يُثبت قيامها بجهود فعالة لإنقاذ والدها.
وأضافت قائلةً: "لقد تعرض والدي لأشكال مختلفة من التعذيب على مدار أربع سنوات، حُرم خلالها من حقوقه الأساسية ومن الأدوية، وهذه إجراءات تهدف لإزهاق روحه، وليست وفاة طبيعية".
اختطاف وإصدار حكم الإعدام
يُذكر أن جمشيد شارمهد، هو مواطن ألماني من أصل إيراني، يبلغ من العمر 69 عامًا، وكان يحمل إقامة في الولايات المتحدة، التي عاش فيها لمدة عشرين عامًا.
واختُطف شارمهد في دبي على يد عناصر من النظام الإيراني، في الأول من أغسطس (آب) 2020، خلال رحلة من ألمانيا إلى الهند، وتم نقله إلى إيران.
وبعد أكثر من 900 يوم من الحبس الانفرادي، أصدر القاضي أبو القاسم صلواتي في المحكمة الثورية بطهران حكمًا بإعدامه بتهمة "الإفساد في الأرض". وقد نفت عائلته بشدة هذه التهمة، مشيرة إلى عدم وجود أدلة كافية لإدانته، كما لم تُظهر السلطات أي وثائق تُثبت هذه المزاعم.
وفي جلسات المحاكمة، لم يقدم ممثل الادعاء مستندات توضح الأساس الذي قامت عليه تهمة تفجير حسينية شيراز المزعومة، باستثناء ما وُصف بـ"اعترافات" جمشيد شارمهد، ولم تُعرض أي أدلة إضافية.
وأكدت غزالة شارمهد، في تعليق سابق على سير المحاكمة عبر "إيران إنترناشيونال"، أن السلطات الإيرانية نفسها أعلنت سابقًا أن حادث حسينية شيراز كان نتيجة انفجار عرضي خلال معرض الحرب العراقية- الإيرانية، حتى إن السلطات قدمت اعتذارًا للجمهور حينها.
وتابعت قائلة: "على مدار السنوات، أُعدم عدة أفراد في قضايا مشابهة تتعلق بالتفجيرات المزعومة، وما زالت السلطات تتهم آخرين في القضايا نفسها".
قتل خارج نطاق القانون
ومنذ اعتقاله في أغسطس (آب) 2020 حتى 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قضى جمشيد شارمهد، ما يزيد على أربع سنوات في الحبس الانفرادي، متنقلاً بين بیوت تابعة لأجهزة الأمن يُعتقل فيها السجناء السياسيون، وقسم 2-أ التابع لاستخبارات الحرس الثوري في سجن إيفين.
ونشرت وكالة "ميزان"، التابعة للسلطة القضائية الإيرانية، تقريرًا في 28 أكتوبر الماضي، أشارت فيه إلى أن "العدالة أُنجزت بحق جمشيد شارمهد"، دون استخدام مصطلحات محددة مثل "الإعدام" أو "التنفيذ".
وللمقارنة، فقد سبق أن استخدمت الوكالة الحكومية التابعة للقضاء الإيراني مصطلحات واضحة مثل "الإعدام" و"الشنق" عند الإبلاغ عن إعدام سجناء سياسيين آخرين؛ ففي 29 يناير (كانون الثاني) 2024، نشرت الوكالة خبر إعدام أربعة نشطاء أكراد، مستخدمةً عبارة "تم تنفيذ حكم الإعدام".
كما ذكرت الوكالة في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2023، أن أربعة أفراد آخرين أُعدموا في أذربيجان الغربية، وأشارت في 6 مايو (أيار) 2023 إلى إعدام الناشط الإيراني- السويدي، حبيب أسيود، بعبارة "تم شنقه"، وأعلنت إعدام كل من علي رضا أكبري وروح الله زم ومحمود موسوي مجد باستخدام تعبيرات "تم شنقهم" و"تم إعدامهم".
وأثارت هذه الاختلافات في صياغة الأخبار تساؤلات حول مصير جمشيد شارمهد.
وسارعت ابنته، غزالة شارمهد، بعد الإعلان عن إعدام والدها إلى التشكيك في صحة الخبر، مطالبةً بتقديم أدلة على وفاته، ومعتبرةً أن طريقة صياغة الوكالة الرسمية تشير إلى احتمال حدوث قتل خارج القضاء. وكتبت عبر منصة "إكس": "لن نقبل بأي بيان أو تعزية ما لم تتضمن عودة فورية لوالدي (حيًا أو ميتًا) ومحاسبة صارمة لمرتكبي الجريمة".
ويبقى السؤال مطروحًا حول سبب تجنّب وكالة القضاء الإيرانية استخدام مصطلحات "الإعدام" أو "الشنق" في حالة شارمهد، واكتفائها بتعبير "أُنجزت العدالة"، وهو ما يزيد من غموض مصيره ويُثير الشكوك حول طريقة وفاته.
الإخفاء القسري
يعتبر جمشيد شارمهد أحدث مثال على السجناء السياسيين في إيران الذين وقعوا ضحايا للإخفاء القسري. ويُقصد بالإخفاء القسري احتجاز أو اختطاف شخص من قبل القوى الحكومية أو الجهات التابعة لها دون معرفة مصيره أو مكان احتجازه، وعدم نشر أي معلومات عنه.
وقد تعرض عدد كبير من معارضي النظام الإيراني وناقديه منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم لمختلف أساليب الإخفاء القسري.
ومنذ وصوله إلى الحكم، لم ينضم النظام الإيراني إلى "الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري"، وما زال يستخدم الطرق الأمنية في تصفية معارضيه.
مدير مشروع التاريخ الشفاهي لحقوق الإنسان في إيران: مقتل شارمهد انتقام حكومي
أجاب مدير مشروع التاريخ الشفاهي لحقوق الإنسان في إيران، المحامي سعيد دهقان، في حديث لموقع "إيران إنترناشيونال"، عن سؤال حول سبب عدم تصريح القضاء الإيراني بأن جمشيد شارمهد "أُعدم" أو "شُنق" كما هو الحال في القضايا المماثلة، مشيرًا إلى أن الإعلان باستخدام عبارة "نال جزاء أعماله" هو تعبير صريح عن التوجه الانتقامي في هذا النوع من العقاب.
وقال دهقان: "هذه إحدى المرات القليلة، التي تستخدم فيها السلطة القضائية في إيران تعبيرًا أقرب إلى حقيقة ما قامت به في بيانها الصادر عن وكالة ميزان"، مضيفًا أن هذه اللغة تُظهر أن العقاب يعتمد على ما تعتبره إيران "انتقامًا"، سواء كان الجرم سياسيًا أو يتعلق بقضايا الحجاب أو المشروبات الكحولية.
وأوضح دهقان أن عبارة "نال جزاء أعماله" ترتبط عند النظام الأيديولوجي بمفاهيم أخروية كالجنة والنار، لكنها في هذا السياق تنطوي على خلل فني، حيث يُفترض أن تُقال "عاقبناه على أعماله" لتدل على أن النظام هو الفاعل المباشر في العقاب، وبهذا يُعد النظام الإيراني مسؤولاً عن تنفيذ العقاب الدنيوي، دون الالتزام بالقواعد التي وضعها، معتمدًا سياسة الانتقام لارتكاب جرائم قتل تحت غطاء حكومي.
مساءلة النظام الإيراني
وقد قارَن دهقان بين قضية شارمهد وقضيتي الصحافي روح الله زم، والناشط الأهوازي حبيب أسيود، مشيرًا إلى أن الحالات الثلاث تعد نماذج للإخفاء القسري. وأكد أن النظام الإيراني، بطبيعته الحالية، لا يُتوقع أن يخضع للمساءلة.
ووجه المحامي الحقوقي نقدًا لألمانيا والولايات المتحدة لتقاعسهما في هذه القضية؛ حيث إن ألمانيا لم تتخذ خطوات كافية لحماية مواطنها، فيما اكتفت بإجراءات عقابية سياسية غير كافية مثل إغلاق القنصليات.
وذكر دهقان أن إحدى الطرق الممكنة لمساءلة النظام الإيراني عن قضايا الإخفاء القسري تكمن في تقديم شكاوى للجنة الأمم المتحدة المعنية بالإخفاء القسري، مشيرًا إلى أن هذا الضغط يمكن أن يدفع النظام إلى إعادة النظر في أساليبه.
احتمال وفاة شارمهد تحت التعذيب
من جانبه، قال الناشط الحقوقي المقيم في السويد، معين خزائلي، لموقع "إيران إنترناشيونال": "إن ما حدث لشارمهد يختلف عن الإعدامات المعتادة في إيران".
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الرسمية في إيران غالبًا ما تستخدم عبارات مثل "أُعدم" أو "شُنق"، إلا أن استخدام عبارة "نال جزاء أعماله" في حالة شارمهد قد يعني أن الأمر لم يكن عملية إعدام قضائية تقليدية وفق قوانين النظام الإيراني نفسه، مؤكدًا أن اختطاف شارمهد وحرمانه من حق الدفاع في المحكمة يجعله مثالاً للإخفاء القسري.
وأضاف خزائلي أنه، حتى في حالات الإعدام في إيران، تُعلن وسائل الإعلام عادةً عن تفاصيل العملية في ساعات الصباح، لكن بالنسبة لشارمهد، صدر البيان الرسمي من القضاء الإيراني مساءً، ما يطرح تساؤلات حول حقيقة ما جرى له.
كما أشار الناشط الحقوقي إلى احتمال أن يكون شارمهد قد تُوفي نتيجة التعذيب، أو ربما قُتل على أيدي المسؤولين الأمنيين داخل السجن. وأضاف أن عدم وجود أدلة واضحة لا ينفي احتمال تعرضه للإخفاء القسري، مما يفتح المجال للتكهنات حول ظروف وفاته.