كيف شكلت الأعمال الروائية واليسار الأميركي رؤية خامنئي للديمقراطية في الولايات المتحدة؟

منذ أن تولّى علي خامنئي منصب "مرشد النظام الإيراني" عام 1989، أُجريت 8 انتخابات رئاسية في أميركا. وقد استند خامنئي إلى قراءته للروايات الأدبية، وانتقد القمع الذي يتعرّض له اليسار في الولايات المتحدة، واصفاً رؤساء الحزبين الديمقراطي والجمهوري بأنهم "فاقدو الوعي" و"مهرجون".

وقد أجريت أول انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة خلال فترة قيادة خامنئي يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، لكن دون أن يُدلي بتصريحات خاصة حولها.

وفي الانتخابات الرئاسية الثانية خلال فترة حكمه، التي جرت في 5 نوفمبر 1996 بين الديمقراطي بيل كلينتون والجمهوري بوب دول، عقد خامنئي اجتماعاً مع مسؤولي الإعلام الإيرانيين، حيث ركز على نقد الديمقراطية الأميركية، مستشهداً بكتابات الكاتب اليساري المفضل لديه، هوارد فاست، لتقديم تحليلاته حول الانتخابات الأميركية.

وخلال الاجتماع، انتقد خامنئي قمع الولايات المتحدة لليسار والشيوعيين، في إشارة إلى رواية فاست "المهاجرون".

وقال: "تمت ترجمة بعض رواياته إلى الفارسية، وقد قرأتها بنفسي. اطلعوا عليها لتروا ما كتب عن اليسار!". كما حثّ الحضور على قراءة رواية "عناقيد الغضب" لجون شتاينبك، وقال: "اقرأوا لتروا كيف أن مركز ما يُسمى الديمقراطية وملجأ من يملكون أقلاماً سيئة في إيران لم يتحملوا اليسار لأنه هدد النظام الرأسمالي الأميركي".

وفي 5 ديسمبر (كانون الأول) 1996، خلال لقاء مع الطلاب بعد الانتخابات، عاد خامنئي لاستعراض الانتخابات الأميركية من خلال الروايات، قائلاً إنه قرأ كتاباً للكاتب الأميركي اليساري هوارد فاست، مضيفاً أن "فاست تناول الانتخابات في سياق قصة حقيقية، وشرحها جيداً".

وعند اقتراب الانتخابات الأميركية لعام 2000، والتي أسفرت عن فوز الجمهوري جورج بوش الابن، عدّل خامنئي تكتيكاته، قائلاً في أبريل (نيسان) 2000 إنه لن يُشير إلى أسماء الكتاب الأميركيين الذين يستشهد بهم، مضيفاً: "لا أنقل عن كاتب مسلم متعصب، بل عن الكتّاب الغربيين أنفسهم. لا أحبذ ذكر أسمائهم، لكن كتّاباً أميركيين وصفوا أساليب الانتخابات، وكيف أن أصوات الناس هناك لا دور فعلياً لها".

وفي يوليو (تموز) من العام نفسه، كرر انتقاداته للانتخابات الأميركية، مشيراً إلى أن الناس في الديمقراطيات الغربية يُدلون بأصواتهم بناءً على أوامر حزبية، بينما في إيران "يحب الناس مسؤوليهم ويتواصلون معهم بشكل عاطفي، وليس عبر مجرد التصويت".

وفي سبتمبر (أيلول) 2000، خلال لقاء مع طلاب من الباسيج، عاد خامنئي مجدداً إلى الكتب التي قرأها عن الانتخابات الأميركية، قائلاً: "اقرأوا ما كتبه الأميركيون حول دور الإعلام ونوعية الانتخابات لتعرفوا كيف تجرى انتخابات البلديات، وانتخابات حكام الولايات، وانتخابات الرئاسة والكونغرس. رأس المال والمال هو صاحب الدور الأول، أما الشعب فلا تأثير له؛ الديمقراطية الحقيقية غير موجودة".

وفي نوفمبر من نفس العام، انتقد خامنئي من وصفهم بأنهم "ينزعجون" من آرائه حول الديمقراطية الأميركية، مؤكداً: "هذه ليست كلماتي، وليست ناتجة عن تعصب أو جهل؛ بل هي مستندة إلى آراء كتّاب بارزين في الأدب الغربي. هؤلاء يعترفون بذلك بين السطور، وإن كانوا لا يصرحون علانية بأن الشعب لا تأثير له.. ولكن في أعماق الأدب نجد الحقيقة".

خامنئي: الديمقراطية الأميركية "نسخة حديثة من الاستبداد"

تزامنت الانتخابات الرئاسية الأميركية التالية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 مع فترة قيادة علي خامنئي، حيث كانت المنافسة بين جورج بوش الابن وجون كيري.

لم يكن لخامنئي رد فعل واضح على هذه الانتخابات تحديدًا. إلا أن خامنئي، وقبل نحو عام من هذه الانتخابات، خلال لقاء مع أعضاء الحكومة الإيرانية في نوفمبر 2004، قارن بين الديمقراطية الأميركية وفترة حكم رضا شاه في إيران، ووصف الديمقراطية الأميركية بأنها "نسخة حديثة من الاستبداد"، مشيراً إلى سيطرة الشركات الاقتصادية الكبرى على الحكم، قائلاً: "هم من يحددون من يصبح نائباً في الكونغرس، ومن يتولى منصب الرئيس".

وفي الانتخابات التالية، التي جرت في 4 نوفمبر 2008، استطاع المرشح الديمقراطي باراك أوباما الفوز على الجمهوري جون ماكين، وهو ما اعتُبر بداية لمرحلة تقارب غير رسمي بين أميركا وإيران.
وعلى الرغم من أن خامنئي لم يتناول هذه الانتخابات بتفصيل، فإنه عاد للحديث عنها في الانتخابات الثانية لأوباما عام 2012.

من اتهام الأميركيين بالعنصرية إلى حركة "وول ستريت"

في خطابه بمناسبة عيد النوروز لعام 2012 في مشهد، تطرق خامنئي إلى الانتخابات الأولى لأوباما عام 2008، واصفاً إياه بأنه جاء "بشعار التغيير"، وأضاف: "التغيير يعني أن هناك وضعًا سيئًا يرغب الرئيس في تغييره، ولذلك صوت له الشعب".

ثم تابع خامنئي منتقداً العنصرية في الولايات المتحدة، قائلاً إن "الشعب العنصري هناك لم يكن مستعدًا للتصويت لشخص أسود، ولكنه فعل ذلك أملاً في التغيير".

كما أشار خامنئي إلى الاحتجاجات المناهضة للرأسمالية في أميركا عامي 2011 و2012، والمعروفة باسم "حركة احتلال وول ستريت" أو "حركة الـ99 في المئة"، قائلاً: "اندلعت حركة احتلال وول ستريت في المدن الأميركية نفسها، فهل هذا الوضع يُعتبر وضعًا جيدًا؟ الناس في أميركا تقبلوا التغيير، مما يعني أن الوضع الحالي سيئ، وهذا الوضع السيئ لم يتغير حتى الآن، مما يُظهر أن أميركا تعاني".

وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، قبل أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية الأميركية، تناول خامنئي موضوع الانتخابات مرة أخرى خلال لقاء له في "بجنورد"، قائلاً إن "المشكلات الاقتصادية هي القضية الرئيسة المطروحة في الانتخابات، فالشعب يعاني، والفئات الضعيفة يتم سحقها". وتابع مشيراً إلى حركة الـ"99%"، قائلاً إنها "واقع، رغم القمع الذي تتعرض له".

وبعد أسبوع واحد من هذا التصريح، وفي لقاء مع الطلاب في 10 نوفمبر 2012، عاد خامنئي للحديث عن الانتخابات الأميركية، متسائلاً: "أليس من العار أن يتسابق المرشحون الأميركيون في حملاتهم الانتخابية لكسب رضا الصهاينة وإثبات طاعتهم لهم؟... كل منهم يحاول أن يُظهر طاعته أكثر للمجتمع اليهودي الصهيوني والرأسمالي الإسرائيلي، لأنهم أسرى لهذه القوى".

خامنئي: لا فرق بين الديمقراطيين والجمهوريين

وفي 8 نوفمبر 2016، أُجريت الانتخابات الأميركية التي شهدت منافسة بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

وفي خطاب بمدينة مشهد بمناسبة بدء عام 2016، أشار خامنئي إلى الانتخابات الأميركية، قائلاً: "ستبدأ الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد عدة أشهر- حوالي سبعة أو ثمانية أشهر- وسيتم تغيير الحكومة الحالية في الولايات المتحدة، ولا يوجد أي ضمان أن الحكومة الجديدة ستفي بالتزامات الحكومة السابقة. الآن، يتنافس مرشحو الرئاسة الأميركية في خطبهم الانتخابية في سباق لتشويه سمعة إيران".

وفي 14 مايو (أيار) 2016، علق خامنئي على تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية، قائلاً: "نحن لا ننقض الاتفاق النووي، لكن إذا انتهك الطرف الآخر الاتفاق، كما يهدد هؤلاء الذين يتنافسون على الرئاسة الأميركية، بأنهم سيأتون ويمزقونه، إذا مزقوه، سنحرقه".

وفي 19 أكتوبر 2016، أي قبل نحو أسبوعين من الانتخابات، أعرب خامنئي عن رد فعله على المناظرات الانتخابية الأميركية، قائلاً: "انظروا إلى وضع الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة؛ لقد وصل الأمر إلى شخصين، انظروا إلى مناظراتهم، شاهدوا ما يفعلونه معاً، وماذا يقولون لبعضهم! أحد هذين الشخصين سيكون رئيساً".

وفي 16 نوفمبر 2016، بعد حوالي عشرة أيام من إعلان نتائج الانتخابات، وفي لقاء مع مواطني أصفهان، أشار خامنئي إلى فوز ترامب في الانتخابات، قائلاً: "بالطبع، لا أحكم على هذه الانتخابات التي جرت في أميركا. أميركا هي أميركا؛ سواء جاء هذا الحزب أو ذاك إلى السلطة، لم يقدموا لنا خيراً بل أضروا بنا... نحن لا نشعر بالقلق... في العالم، هناك من يشعر بالحزن بسبب نتيجة الانتخابات في ذلك البلد؛ وآخرون يشعرون بالفرح والسرور. نحن لا، لا نحزن ولا نفرح؛ لا يهمنا الأمر".

كابوس خامنئي مع فوز ترامب في الانتخابات

ومع ذلك، كانت فترة الأربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب واحدة من أسوأ الفترات للنظام الإيراني من حيث العقوبات، خلال فترة قيادة خامنئي. استهدف ترامب الجنرال قاسم سليماني، الذي كان المفضل لدى خامنئي وذراعه اليمنى في السياسة الخارجية والميدان.

وأدى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي إلى تدهور الوضع الاقتصادي للنظام الإيراني بشكل غير مسبوق بعد فترة قصيرة من الاستقرار. ورغم انسحاب ترامب من الاتفاق، لم يُقدِم خامنئي على اتخاذ أي خطوات لإحراقه، بل وصلت الأمور إلى ذروتها بعد مقتل سليماني، حيث وصف خامنئي في خطبة الجمعة بتاريخ 17 يناير (كانون الثاني) 2020 ترامب بأنه "مهرج كاذب".

أما آخر تعليق انتخابي لخامنئي فيعود إلى 20 نوفمبر 2022، حيث قال خلال لقاء مع مواطني أصفهان: "على مدار السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية، كان جميع رؤساء الولايات المتحدة في الخط الأمامي يقاتلون النظام الإيراني. والآن أين هم؟ بعضهم دمروا وبعضهم الآخر انتهوا في سلة مهملات التاريخ، حتى وإن كانوا على قيد الحياة. من كارتر إلى كلينتون وأوباما الديمقراطيين، مرورًا برونالد ريغان وجورج بوش الجمهوريين، حتى ذلك "العاجز" السابق و"هذا العبد الأحمق الحالي" الذي يريد إنقاذ الشعب الإيراني".

الآن، يعود ترامب، الذي وصفه خامنئي بـ"المهرج" و"الأحمق"، إلى ساحة الانتخابات مرة أخرى، لكن خامنئي، الذي أقام صلاة الجنازة على العديد من الجنود الإيرانيين والأجانب في السنوات الأخيرة، من محمد رضا زاهدي من الحرس الثوري إلى إسماعيل هنية من حماس، لم يُدل بأي تعليق خاص بشأن الانتخابات الأميركية كما كان يفعل في السابق.