الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي العميق والطويل الأمد في إيران
نجحت إسرائيل، خلال الأشهر الأخيرة، في استهداف عدد كبير من قادة حزب الله اللبناني وقتلهم، ومن بين هذه العمليات، كان مقتل الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، ونائبه هاشم صفي الدين، مما شكّل تحولاً بارزًا دفع الكثيرين إلى التساؤل حول كيفية تحقيق إسرائيل هذا الاختراق الاستخباراتي.
والسؤال الرئيس هو: هل حققت إسرائيل هذا النجاح من خلال اختراق شبكات استخبارات حزب الله، أم أن هذه المعلومات جاءت من خلال الشبكات الأمنية والاستخباراتية التابعة للنظام الإيراني؟
وتشير الأدلة والقرائن العديدة إلى أن الخيار الثاني هو الأرجح.
وكشف المستشار السابق لقاسم سليماني، وأحد المطلعين على هيكليات قيادة فيلق القدس، مسعود أسد اللهي، عن نقطة مهمة؛ حيث أفاد بأن أجهزة "البيجر"، التي استخدمها حزب الله، وانفجرت لاحقًا بشكل مريب، تم شراؤها عبر إيران وتسليمها لحزب الله دون إجراء الفحوصات الأمنية اللازمة. هذا الكشف أثار ردود فعل واسعة، وسعى بعض المصادر إلى نفيه؛ ومع ذلك، لم يتراجع أسد اللهي عن تصريحاته وأكد صحة معلوماته.
ونظرًا لتاريخه في التعاون الوثيق مع قاسم سليماني في سوريا ومعرفته العميقة بهياكل استخبارات الحرس الثوري وحزب الله، يُعتبر أسد اللهي مصدرًا موثوقًا في هذا المجال.
وتكشف تصريحاته عن وجود اختراق إسرائيلي طويل الأمد وعميق في أجهزة الاستخبارات الإيرانية، مما أتاح لإسرائيل الوصول إلى معلومات حساسة والتخطيط لعمليات معقدة ضد قادة حزب الله؛ فقد نجا حسن نصر الله من محاولات الاغتيال الإسرائيلية لأكثر من ثلاثة عقود، لكن في النهاية تم اكتشافه واغتياله خلال اجتماع مع نائب قائد العمليات في الحرس الثوري، عباس نيلفروشان. هذا الحادث يمثل دليلاً إضافيًا على الاختراق الإسرائيلي العميق للمستويات العليا من المؤسسات الأمنية الإيرانية.
ولم يكن الاختراق الإسرائيلي لهياكل الأمن في إيران أمرًا جديدًا، ففي عام 2020، تمكنت إسرائيل من تتبع قاسم سليماني في دمشق. وعلى الرغم من أنه غيّر شريحة هاتفه المحمول عدة مرات في يوم واحد، فقد نجحت إسرائيل في تحديد موقعه وإبلاغ الولايات المتحدة، مما أدى إلى استهدافه سليماني في هجوم أدى إلى مقتله وقائد الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد.
وبعد ذلك بوقت قصير، اُغتيل المسؤول الرئيس عن البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زاده، باستخدام مدفع رشاش آلي على طريق آبسرد دماوند في طهران، كما قُتل المسؤول اللوجستي للحرس الثوري في سوريا ولبنان، رضي موسوي، وقائد الحرس الثوري في لبنان، محمد رضا زاهدي، في عمليات إسرائيلية أخرى.
هذه السلسلة من العمليات تُظهر أن إسرائيل، قبل اختراقها حزب الله، تمكنت من التسلل بعمق إلى الهياكل الاستخباراتية للنظام الإيراني.
وإلى جانب تصريحات مسعود أسد اللهي، اعترف كل من وزير الاستخبارات الإيراني السابق، علي يونسي، والرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، بالاختراق العميق لإسرائيل داخل إيران؛ حيث حذر يونسي من أن مستوى هذا الاختراق بات خطيراً، لدرجة أن جميع مسؤولي النظام الإيراني يجب أن يخشوا على حياتهم.
ومن جهته، تحدث أحمدي نجاد عن أمثلة عديدة تؤكد أن إسرائيل تمكنت من الوصول إلى وثائق نووية إيرانية وتهريبها خارج البلاد، كما أشار إلى سرقة وثائق من وكالة الفضاء الإيرانية واختراق مؤسسات حساسة، من بينها زعمه أن رئيس قسم مكافحة التجسس الإسرائيلي في وزارة الاستخبارات كان نفسه جاسوسًا لإسرائيل.
وتشير الأدلة إلى أن التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي إما ناتج عن تكنولوجيا تجسس متقدمة، أو بسبب التجنيد البشري واختراق شخصيات بارزة في الأجهزة الأمنية الإيرانية، وقد تجلى هذا التفوق ليس فقط في اغتيال قادة حزب الله، بل أيضًا في اغتيال شخصيات، مثل سليماني وفخري زاده وموسوي.
إن اختراق إسرائيل لهياكل الأمن الإيرانية ليس حادثة عرضية، بل هو عملية طويلة الأمد وعميقة لا تزال مستمرة. هذه الاختراقات وجهت ضربات قاسية لحزب الله وأدت إلى مقتل قادة كبار، مثل حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وتعكس هذه التطورات ضعف البنية الأمنية للنظام الإيراني وقوة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تمكنت بوضوح من التغلغل في عمق الهياكل الاستخباراتية الإيرانية، والحصول على معلومات دقيقة في الوقت المناسب للقضاء على أهداف رئيسة.