الإهانة التاريخية للنظام الإيراني والخوف من توابع اغتيال هنية لدى "جبهة المقاومة"

جمشيد برزكر
جمشيد برزكر

صحافي ومحلل سياسي

إن مقتل إسماعيل هنية، أقرب شخص بين قادة حركة حماس إلى نظام الجمهورية الإسلامية، هو هزيمة مذلة وتاريخية للنظام الإيراني بكل المقاييس، ولها عواقب عديدة ومتعددة الأوجه على نظام لا يفهم إلا السلطة والقمع والقتل واغتيال المواطنين العُزل داخل إيران وخارجها.

ويعد مقتل هنية في قلب العاصمة الإيرانية، وفي مبنى شديد الحراسة، يُقال إنه تابع للحرس الثوري، وفي مساء حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، تتويجًا لعمليات مختلفة يقال إن إسرائيل نفذتها في إيران خلال السنوات الأخيرة وتراوحت أبعادها بين إخراج وثائق البرنامج النووي الإيراني بشاحنة، وبين اغتيال شخصيات مؤثرة وتخريب المنشآت النووية.

وما يجعل هذه العملية مختلفة عن غيرها من الإجراءات المنسوبة لإسرائيل على الأراضي الإيرانية، يعود إلى هوية الشخص، الذي تم اغتياله، وهو ما يعطي في الواقع أبعادًا إقليمية ودولية لمبدأ العملية ونتائجها.

إن اغتيال إسماعيل هنية، أينما وكيفما حدث، له عواقب على حرب غزة، وعملية مفاوضات وقف إطلاق النار والقضية الفلسطينية والإسرائيلية بشكل عام، وقد أثر أيضًا بشكل مباشر أو غير مباشر على نظام الجمهورية الإسلامية.

ومع ذلك، لا يمكن الشك في أنه بسبب مقتله في طهران، وبعد مشاركته مباشرة في مراسم أداء اليمين لبزشكيان والاجتماع مع المرشد، علي خامنئي، سيكون للنظام الإيراني نصيب أكبر بكثير في تحمل التبعات المتعددة ودفع تكاليف مقتله.

ويمكن تصنيف هذه العواقب إلى أربع مجموعات رئيسية:
أولاً: الإذلال التاريخي والدولي الذي تعرضت له إيران في مواجهة عدوها الرئيس.
ثانيًا: الرغبة في الانتقام، وعدم القدرة عليه.

ثالثًا: مستقبل العلاقات بين حماس وإيران وموقع طهران فيما يسمى جبهة المقاومة.
رابعًا: الأوضاع الداخلية ووضع حكومة بزشكيان.

أولاً- الإهانة التاريخية والدولية للنظام الإيراني:

لم تتمكن إيران من رعاية الضيف، الذي تعرض للتهديد العلني بالقتل من قِبل قادة إسرائيل.

وخلافًا لبعض الجيران، مثل قطر وتركيا، اللذين يمكنهما بكل ثقة استضافة إسماعيل هنية، فإن إيران ليست في وضع يسمح لها بالحصول على مثل هذه الضمانات من الآخرين.

وبصرف النظر عن هذا الضعف الناجم عن فقدان السمعة والعزلة الدولية، كما يتضح من عشرات العمليات الصغيرة والكبيرة، فإن الجهاز الأمني الاستخباراتي في إيران، مثل الأجهزة الرسمية الأخرى، ضعيف للغاية وغير فعال في مواجهة أو احتواء الأزمات أو التدابير الجادة للدول الأخرى، وخاصة في هذه الحالة، وفي مواجهة إسرائيل.

وهذا الوضع واضح لدرجة أنه لا حاجة لمعارضي النظام أو المراقبين المستقلين للحديث عنه.

وقبل ثلاث سنوات من اغتيال شخص مثل إسماعيل هنية، تزامنًا مع اليمين الدستورية لرئيس الحكومة في إيران، كان وزير الاستخبارات الأسبق، علي يونسي، قد حذّر من مستوى التغلغل في أجهزة المخابرات والأمن وعدم كفاءة هذه الأجهزة، لدرجة أن قادة النظام يجب أن يشعروا بالقلق على حياتهم، وقد كشف اغتيال هنية عن نقاط الضعف والثغرات هذه أمام أعين العالم بأوضح صورة ممكنة.

وفي هذا الصدد، فإن وضع إيران في المعارك الاستخباراتية والأمنية للدول المتحاربة في التاريخ المعاصر، إن لم يكن فريدًا، فقد قل نظيره بالتأكيد، ومن الصعب العثور على أمثلة مماثلة لإخفاقاتها الواسعة النطاق.

ثانيًا- الرغبة في التدمير وعدم القدرة على الفعل:

إن قادة إيران يتمنون تدمير الآخرين، على حد تعبيرهم، بطريقة تكاد تكون أكثر وقاحة من قادة أي بلد آخر.

ومع ذلك، من الناحية العملية، وبسبب عدم الكفاءة والفساد المستشري في جميع جوانب حكم قادة النظام الإيراني، فإنهم إذا لم يساعدوا في تقوية الدول المعادية، فإنهم لم يتمكنوا من اتخاذ خطوة فعالة في اتجاه تحقيق أحلامهم، أو إذا تمكنوا من اتخاذ خطوة فإن خسارتهم كانت أكثر من ربحهم، ويمكن اعتبار الربح الكبير الوحيد لهم هو الحفاظ على مثل هذا النظام غير الكفء وغير الشرعي وغير المقبول، وبقاؤه لأكثر من أربعة عقود.

وفي حين تمكنت إسرائيل أو الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من توجيه ضربات خطيرة ومميتة للغاية للموارد البشرية والمعدات الإيرانية والجماعات الوكيلة لها، فإن إيران في المقابل لم تتمكن أبدًا من توجيه ضربة مضادة لأعدائها، على الرغم من ضجيجها الهائل ووعودها العديدة.

ويكفي المقارنة بين عدد العمليات التخريبية والاغتيالات الناجحة لشخصيات مهمة للنظام الإيراني، سواء داخل إيران أو بين الجماعات الوكيلة، مع الجهود الفاشلة لهذا النظام والفضائح التي نتجت عنها.

وبينما تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولين رئيسين مثل قاسم سليماني ومحسن فخري زاده وكبار قادة حزب الله وحماس، سعت إيران في قبرص وتركيا وتايلاند وغيرها إلى اغتيال السياح أو رجال الأعمال الإسرائيليين؛ لكن لحسن الحظ لم تتمكن من تنفيذ هذه الاغتيالات، وكانت تسبب في كل مرة فضائح دولية وإعلامية لها.

إن إعلام النظام الإيراني يعكس بشكل علني وجهة نظر الفقهاء الشيعة الحاكمين في إيران، ويقولون إنه لا يوجد مواطنون مدنيون في إسرائيل، حتى يتمكنوا من التوصل إلى مبرر لاعتداءاتهم على المدنيين، مثلما فعلوا في تفجير مركز أميا في بوينس آيرس، أو بإطلاق صاروخ على ملعب للأطفال الدروز في هضبة الجولان يوم السبت 27 يوليو (تموز) الماضي.

وفي مجال المواجهة العسكرية، الوضع ليس أفضل بكثير. وكمثال على المواجهة المباشرة، بعد الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق، أطلق الحرس الثوري الإيراني أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية على إسرائيل، مما أدى إلى إصابة فتاة واحدة فقط بفعل حطام الصواريخ المدمرة.

وفي حالة شهيرة أخرى، بعد مقتل قاسم سليماني، أطلقت إيران عدة صواريخ على الأراضي الفارغة والقاحلة لقاعدة عين الأسد، ثم أطلقت صاروخين وأسقطت طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران، خوفًا من الرد الأميركي.

ثالثًا- مستقبل ما يسمى "جبهة المقاومة":

على الرغم من أن حماس، بشكل عام، كانت على علاقة مع النظام الإيراني منذ تأسيسها، فإن العلاقات بين الطرفين لم تكن دائمًا وطيدة، كما كانت في الأشهر والسنوات الأخيرة.

وقد أصبحت العلاقة بين حماس وإيران متوترة للغاية، خاصة منذ الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، واستمر هذا التوتر حتى تمت إقالة خالد مشعل من قيادة المكتب السياسي وحل محله إسماعيل هنية؛ حيث حاولت إيران كسب ولاء حركة حماس بمساعدات مالية لا حصر لها وإرسال الأموال في حقائب، بالإضافة إلى تجهيزها بالسلاح ووضع هذه الجماعة السُّنية ضمن الجماعات الشيعية الداعمة لها تحت عنوان عام "جبهة المقاومة".

وكان مثل هذا الإجراء يتطلب أن تنأى إيران بنفسها عن وجهة النظر الشيعية والتمييزية تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، بما في ذلك السُّنة، والتي تطبقها في البلاد دون أي اعتبار، والتركيز بدلاً من ذلك على مجالات مشتركة أخرى، مثل معاداة أميركا وإسرائيل، تمامًا مثل النهج نفسه، الذي اتبعته تجاه "طالبان" و"القاعدة".

ورغم كل ذلك، فإن مقتل إسماعيل هنية في طهران أثار بالفعل احتجاجات لدى بعض الجماعات في "جبهة المقاومة"، وهناك همسات عن دور إيران ومسؤوليتها في مقتله. ويبدو من المحتمل جدًا أن يتم سماع هذا الرأي بشكل أكبر خلال الأسابيع المقبلة، لكن القلق الرئيس لقادة إيران ليس هذه الاحتجاجات، لأن المساعدات المالية يمكن أن تغطي مؤقتًا على الأقل هذا الاستياء والانزعاج بعباءة الصمت.

ويبقى الشغل الشاغل لقادة النظام الإيراني هو من سيحل محل هنية في "حماس"، وإلى أي مدى سيميل فريق القيادة الجديد نحو إيران، وإلى أي مدى سيعارض رغبة الدول العربية أو حتى تركيا في إبعاد الحركة الفلسطينية عن طهران. وتعد تجربة خالد مشعل، الذي يعتبر الخليفة المرجح لهنية، كافية لتخوف إيران من مستقبل علاقاتها مع "حماس".

وعلاوة على ذلك، فإن العجز عن حماية كبار القادة في الجماعات الوكيلة، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، وتضارب المصالح والتنافس الداخلي لهذه الجماعات، وفقدان الثقة في قدرة إيران على حمايتهم، يمكن أن يحوّل سلسلة الاغتيالات، التي طالت كبار قادة حزب الله، وعلى رأسهم فؤاد شكر، ومقتل أكثر من نصف فريق قيادة حماس، إلى نقطة تحول في العلاقات بين إيران والجماعات العميلة لها.

رابعًا- حكومة بزشكيان:

بعد تقديمه رئيسًا جديدًا للحكومة في إيران، ربما لم يخطر ببال مسعود بزشكيان وأنصاره الإصلاحيين أنهم سيبدؤون عملهم بأزمة كهذه؛ سواء عندما بعث برسالة إلى قادة الجماعات العميلة، أو عندما احتضن إسماعيل هنية في حفل أداء اليمين الدستورية، أو عندما صفق له وممثلو الجماعات العميلة الآخرون أثناء إلقاء كلمته، وشعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل، التي رددها النواب دفاعًا عن جبهة المقاومة.

لا شك أن الإصلاحيين يريدون الصيد في الماء العكر، والنظر في الاتجاه الحتمي لبزشكيان وحكومته على أنه نتيجة لهذا الاغتيال، لكن الحقيقة هي أن أيدي حكومة بزشكيان مكبلة في هذه المجالات؛ حيث لا يمكنها اتخاذ خطوة لتحسين العلاقات مع العالم الغربي من خلال قطع الدعم عن الجماعات الوكيلة.

ومن وصلوا إلى رئاسة الحكومة في العقود الماضية بالكثير من الوعود، لم ينجحوا تمامًا في السير على هذا الطريق، ناهيك عمن يقدم نفسه منذ البداية على أنه منفذ سياسات علي خامنئي.
إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بالتزامن مع اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان" لا يؤدي إلا إلى زيادة سرعة تلاشي الأحلام التي بيعت قبل الانتخابات، ويكشف عن الوجه الحقيقي لحكومته. فإذا كان حوله أناس يؤمنون حقًا بـ "اللطف مع الأصدقاء والتسامح مع الأعداء"، فمع هذه الحادثة وعواقبها، سوف يسقطون قريبًا من سُحب الوهم الناعمة إلى أرض الواقع الصلبة، وربما سيبدؤون حملة ندم على التصويت، مثلما حدث في عهد الرئيس الأسبق، حسن روحاني، وينضمون أخيرًا إلى غالبية الناس، الذين رأوا أنه إذا كان النظام الإيراني يتمتع بأي سلطة، فهي تتمثل فقط في قمع النساء، وقتل الأطفال، وإعدام الشباب، وسجن آباء وأمهات ضحاياه.