"رويترز": "هندسة" الانتخابات الإيرانية تمت برعاية خامنئي والدفع ببزشكيان خوفا من المقاطعة

نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن 5 مصادر مطلعة في إيران، لم يكشفوا عن أسمائهم، أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، قرر وضع مسعود بزشكيان في السباق الرئاسي كشخصية موثوقة بعد تقارير حذرت من احتمالية مشاركة شعبية منخفضة للغاية في الانتخابات الرئاسية.

وبحسب هذا التقرير، الذي نشر الخميس 18 يوليو (تموز)، أبلغ مسؤولو استخبارات النظام الإيراني خامنئي في مايو (أيار) أن الشعب الإيراني يعتزم مقاطعة الانتخابات بسبب المشكلات الاقتصادية وقمع الحركات الاحتجاجية، وستكون نسبة المشاركة 13 في المائة فقط.

وأضافت "رويترز" أن خامنئي عقد 3 اجتماعات على الأقل مع عدد من مستشاريه الموثوقين في أوائل يونيو (حزيران)، بعد أن علم بإحجام المواطنين الواضح عن المشاركة في الانتخابات، وعين شخصياً مسعود بزشكيان كبديل مفضل لإبراهيم رئيسي.

وامتنعت "رويترز" عن ذكر مصادرها الخمسة، لكنها كتبت أن "مصدرين من المتشددين ومسؤولا أمنيا كبيرا وشخصين مقربين من خامنئي" قدموا المعلومات لها.

وبحسب وكالة الأنباء هذه، فإن مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين والمستشارين الأمنيين، واثنين من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وعلي أكبر ولايتي، وهو شخصية مقربة من خامنئي، كانوا حاضرين في هذه الاجتماعات.

وفي يوم الجمعة 5 يوليو (تموز)، وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تم انتخاب بزشكيان، المرشح المدعوم من الإصلاحيين، لرئاسة الحكومة بحصوله على 16 مليونا و384 ألف صوت، أي ما يعادل 53.6 في المائة من الأصوات.

وأجريت الجولة الأولى من انتخابات النظام لتحديد خليفة إبراهيم رئيسي في 28 يونيو (حزيران)، ولم يتمكن أي من المرشحين الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور من الفوز بأغلبية الأصوات.

ولم يشارك أكثر من 50 في المائة من المواطنين المؤهلين في الجولة الثانية، وأكثر من 60 في المائة منهم لم يشاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

في 3 يوليو (تموز)، وبعد أربعة أيام من الصمت، رد خامنئي على مقاطعة الشعب الإيراني للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 60 في المائة، ومع اعترافه بأن نسبة المشاركة "أقل من المتوقع"، قال إن الذين قاطعوا الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية "ليسوا معارضين للجمهورية إسلامية".

وأضاف أن الناس لم يشاركوا في الانتخابات "ربما بسبب انشغالهم وعملهم ومشكلاتهم".

في غضون ذلك، نقلت "رويترز" عن مصادر مطلعة أن خامنئي كان على علم بعزوف المواطنين عن المشاركة في التصويت قبل إجراء الجولة الأولى من الانتخابات.

وكتبت "رويترز" أن خامنئي، بعد أن علم باحتمالية انخفاض نسبة الإقبال، طلب من مقربيه إيجاد طريقة "لتوجيه الانتخابات"، لأنه يعتقد أن عدم مشاركة الشعب في الانتخابات من شأنه أن يقوض "شرعية" النظام، خاصة بعد الاحتجاجات الحاشدة في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لهذا التقرير، قرر خامنئي "تنظيم انتخابات الخلافة الرئاسية بعناية"، وتمهيد الطريق أمام بزشكيان للوصول إلى الرئاسة باعتباره سياسياً "معتدلاً أقل شهرة ولكن يمكن الاعتماد عليه".

وبحسب مصدر لـ"رويترز"، قال خامنئي في اجتماعات مع مقربيه: "إيران بحاجة إلى رئيس يمكنه جذب شرائح مختلفة من المجتمع، ولكن ليس تحدي النظام الديني الشيعي".

وأضافت هذه الوكالة الإخبارية أن هدف خامنئي من جلب بزشكيان إلى الحملة الانتخابية هو "الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية"، لأن النظام يعاني من "خلافات داخلية وتصاعد التوترات مع الغرب وإسرائيل بشأن غزة"، وبالنظر إلى مشاركة الجماعات الوكيلة لإيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، في حرب غزة، تتزايد هذه التوترات.

وقتل أعضاء حماس نحو 1200 شخص واحتجزوا أكثر من 250 رهينة في هجومهم على جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.

وردا على هذا الهجوم، شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 39 ألفا وإصابة نحو 89 ألفا آخرين أغلبهم من النساء والأطفال.

من ناحية أخرى، دخل حزب الله والحوثيون اليمنيون في هذا الصراع دعماً لحماس، وأدت الاشتباكات العنيفة والقاتلة خلال الأشهر التسعة الماضية إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وفي مساء يوم 13 أبريل (نيسان)، هاجمت إيران إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة. وكان هذا أول هجوم مباشر للنظام الإيراني من أراضي إيران على إسرائيل.

ورداً على العمليات العسكرية الإيرانية، استهدفت إسرائيل قاعدة شكاري الجوية الثامنة في أصفهان صباح يوم 19 أبريل (نيسان).

وجاء في تقرير "رويترز" أنه في الاجتماع الثاني للمرشد الإيراني مع مقربيه، تم طرح عدة خيارات للرئيس المقبل، لكن خامنئي هو من اقترح بزشكيان.

وبحسب "رويترز"، يعتقد خامنئي أن بزشكيان يمكن أن "يزيد الوحدة بين من هم في السلطة [في النظام الإيراني]، ويسد الفجوة بين المؤسسة الدينية والشعب، ويضمن عملية سلسة لاختيار المرشد التالي".

وقُتل رئيسي والفريق المرافق له في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في أذربيجان الشرقية في 19 مايو (أيار). واعتبره كثيرون أحد الخيارات الأساسية لقيادة النظام الإيراني بعد وفاة خامنئي، ولهذا السبب اعتبروا سقوط الطائرة مريبا بالنسبة له.

وتحدث بزشكيان مرارا خلال حملاته الانتخابية عن ضرورة التفاوض مع الغرب، وتحديد مصير الملف النووي الإيراني، ورفع العقوبات، وأضاف في الوقت نفسه أنه يتبع سياسات خامنئي.

وفي 6 يوليو (تموز)، قال بعد انتخابه خلفاً لرئيسي: "أولا، يجب أن نشكر المرشد لأنه لو لم يكن موجودا، لا أعتقد أن اسمي كان ليخرج من صناديق الاقتراع".

وكتبت "رويترز" في جزء آخر من تقريرها بعنوان "هندسة الانتخابات" أنه من غير المتوقع أن يحدث بزشكيان "تغييرا كبيرا" في السياسة النووية أو الخارجية للنظام الإيراني أو دعم الميليشيات المتحالفة مع طهران في المنطقة، لكنه "سيشارك عن كثب في عملية اختيار خليفة خامنئي".

وأضافت هذه الوكالة نقلا عن مصادرها أن شخصية بزشكيان "المعتدلة" تهدئ الإيرانيين الساخطين، وتضع الأساس لزيادة الاستقرار الداخلي في ظل الضغوط الخارجية المتزايدة، وستوفر لخامنئي "حليفا موثوقا به" في عملية الخلافة.

وفي مقابلة مع "رويترز" وصف مصدر إقليمي مقرب من دوائر السلطة في إيران اختيار بزشكيان بأنه "مدروس"، وقال إن هذا الإجراء تم من أجل "تخفيف التوترات" بعد احتجاجات الشعب الإيراني.

وأفادت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 2023 أن ما لا يقل عن 551 متظاهراً، بينهم 68 طفلاً و49 امرأة، قتلوا خلال احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية".

وقد بدأت هذه الاحتجاجات بعد مقتل مهسا جينا أميني على يد قوات دورية شرطة الأخلاق في سبتمبر (أيلول) 2022، وبعد ذلك تشكلت تجمعات احتجاجية أولاً في طهران وسيباس وفي أجزاء كثيرة من إيران.