كيف تخسر إيران في حقول النفط والغاز المشتركة أمام جيرانها؟

دالغا خاتين أوغلو
دالغا خاتين أوغلو

محلل اقتصادي في شؤون الطاقة

تواجه إيران تحديات كبيرة في حقولها المشتركة للنفط والغاز البالغ عددها 28 حقلا مع الدول المجاورة، حيث تتخلف باستمرار في الإنتاج مقارنة بجيرانها.

ويعزو الخبراء، كما نقلت وكالة أنباء "إيلنا" في طهران مؤخرًا، التحدي الرئيس الذي تواجهه طهران في هذه الحقول المشتركة إلى "نقص الاستثمار".

إن أهم الحقول المشتركة بالنسبة لإيران هي مع العراق وقطر والمملكة العربية السعودية، وهي الدول المجاورة التي قامت بزيادة إنتاجها من النفط والغاز بشكل كبير بمساعدة الشركات الدولية، وخاصة الغربية. ولدى هذه الدول خطط طموحة لزيادة استخراج احتياطاتها.

وفي المقابل، وبسبب الاستثمار الأجنبي المحدود وضعف القطاع الخاص، تعتمد وزارة النفط الإيرانية فقط على حصة قدرها 14.5% من عائدات النفط للاستثمارات (ما يزيد قليلاً عن 5 مليارات دولار في العام الماضي).

وتشير إحصاءات مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني إلى انخفاض كبير في الاستثمار السنوي في مشاريع النفط والغاز في البلاد، حيث انخفض من حوالي 18 مليار دولار في التسعينيات إلى حوالي 7 مليارات دولار في أوائل عام 2010، ثم انخفض إلى 3 مليارات دولار منذ عام 2017.

ولم يقتصر الأمر على العقوبات الدولية والأميركية التي أدت إلى خفض عائدات تصدير النفط الإيراني في العقد الماضي، لكن البيئة المعاكسة التي خلقتها هذه العقوبات جعلت الاستثمار الأجنبي أو الاقتراض مستحيلاً بالنسبة لطهران.

وتمثل الحقول المشتركة 20% من النفط الإيراني القابل للاستخراج و30% من احتياطيات الغاز.
وعلى الرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي للغاز ورابع أكبر احتياطي للنفط في العالم، بواقع 33 تريليون متر مكعب و157 مليار برميل على التوالي، تواجه إيران تحديات في استغلال هذه الموارد بشكل كامل بالتعاون مع جيرانها.

إيران والمملكة العربية السعودية

وتشترك إيران في العديد من حقول النفط والغاز مع المملكة العربية السعودية، وتنتج حوالي 35 ألف برميل يوميا فقط من حقل مرجان (المعروف باسم فروزان في إيران). في المقابل تنتج السعودية من النفط 14 ضعفا، وتستهدف زيادة الإنتاج اليومي بنسبة 60% إلى 800 ألف برميل، وإنتاج الغاز بمقدار 70 مليون متر مكعب بموجب عقد بقيمة 12 مليار دولار مع شركات عالمية.

وتشترك طهران في حقل غاز كبير آخر، وهو الحصبة (يُسمى فرزاد في إيران)، حيث لم تسفر المفاوضات مع الشركات الهندية التي اكتشفت الحقل عن نتائج منذ أكثر من عقدين من الزمن.

وتفتقر إيران نفسها إلى القدرة الاستثمارية المطلوبة لتطوير هذا الحقل البالغة 5 مليارات دولار، في حين طورت المملكة العربية السعودية وبدأت إنتاج الغاز من هذا الحقل المشترك منذ عام 2013، وتنتج حاليًا أكثر من 30 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، مع خطة "أرامكو" المستمرة لزيادة الإنتاج اليومي بسرعة إلى 75 مليون متر مكعب.

وتشترك المملكة العربية السعودية والكويت أيضًا في حقلين للنفط والغاز، هما اللولو (إسفنديار) والدرة (آرش)، مع إيران، حيث قامتا بتطوير حقل "اللولو" لسنوات وتخططان لتطوير الأخير قريبًا.

لكن هاتين الدولتين ترفضان حصة إيران في حقل الدرة (آرش)، وتطالبان بحقوق حصرية في استخراج الغاز، وهو موقف لا تقبله طهران. ولم تبدأ إيران أي تطوير في هذه المجالات.

حقول النفط مع العراق

وتقع أكبر حقول النفط الإيرانية المشتركة مع العراق، حيث يستخرج العراق من هذه الحقول ما يزيد بأربعة أضعاف عن ما تنتجه إيران. وقد أبرمت بغداد عقوداً كبيرة مع شركات صينية وروسية وغربية لتعزيز جهود الاستخراج.

في عام 2013، أنتجت إيران 90 ألف برميل من النفط يوميًا من هذه الحقول، وتهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يوميًا بمساعدة صينية، مع التركيز على حقول مثل ياداوران، وأزادكان، وآذر، وجنكوله، وأبان، وبيدار.


ومع ذلك، لم تف الشركات الصينية إلا بجزء بسيط من التزاماتها، مما دفع إيران إلى تحقيق "طاقة اسمية" لإنتاج النفط، تصل إلى 350 ألف برميل يوميا من حقول غرب كارون المشتركة مع العراق.

وفي المقابل، ارتفع إنتاج النفط العراقي بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا منذ عام 2013، مدفوعا في المقام الأول بالتطورات في حقول النفط المشتركة مع إيران.

وتشير تقديرات طهران إلى أنها تحتاج إلى استثمارات بقيمة 11 مليار دولار لتطوير خمسة حقول نفط رئيسية مشتركة مع العراق، وهو مبلغ يعادل شهرين فقط من عائدات البلاد النفطية قبل العقوبات.

ومع ذلك، فإن الهيكل المعقد ونوع النفط الثقيل السائد في هذه الحقول يعني أن التكنولوجيا الحالية في إيران لا يمكنها سوى استخراج 5 إلى 10% من الاحتياطيات الموجودة في الموقع البالغة 64 مليار برميل.

وبالتالي فإن إشراك الشركات الغربية المتقدمة في تطوير هذه المجالات يبدو أمراً لا مفر منه.

الجيران الجنوبيين

وتشترك إيران في حقلين نفطيين مع الإمارات هما "سلمان" و"نصرت". ويستخرج البلدان 50 ألف برميل من النفط يوميا من حقل "سلمان". ومع ذلك، تواجه إيران تحديات بسبب عدم وجود مرافق لتجميع الغاز، مما أدى إلى حرق 11 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب يوميًا.

وفي المقابل تنتج الإمارات الغاز بكفاءة من طبقات هذا الحقل. وبالإضافة إلى ذلك، تنتج الإمارات 65 ألف برميل من النفط يومياً من حقل "نصرت"، وهو ما يزيد 20 مرة عن إنتاج طهران من نفس الحقل.

وتشترك إيران أيضًا في حقل نفط "هنكام" مع عمان، حيث ينتج كلا البلدين 10 آلاف برميل يوميًا.
وأكبر حقل للغاز في إيران هو "بارس جنوبي" (القبة الشمالية)، وهو مشترك مع قطر التي بدأت استخراج الغاز قبل عقد من إيران، وقد أنتجت ضعف كمية الغاز.

وفي حين دخل الجانب الإيراني من حقل غاز "بارس جنوبي" نصف عمره الثاني في عام 2023، ويشهد انخفاضات سنوية في الإنتاج قدرها 10 مليارات متر مكعب، فقد وقعت قطر مؤخرا عقودا بقيمة 29 مليار دولار مع شركات عالمية لزيادة الإنتاج بنسبة 40% بحلول عام 2027. و60% بحلول عام 2030. وحالياً، تنتج كل من إيران وقطر 180 مليار متر مكعب سنوياً من حقل "بارس جنوبي".

وتكمن خيارات إيران لزيادة الإنتاج في تركيب منصات سعة 20 ألف طن مجهزة بضواغط كبيرة، وهي تكنولوجيا تهيمن عليها الشركات الغربية. وجميع المراحل الـ24 من الجانب الإيراني من حقل "بارس جنوبي" تعمل حاليًا، مما يترك مجالًا محدودًا لإدخال مراحل جديدة لتعزيز الإنتاج أو تعويض انخفاض الإنتاج من المراحل الحالية.

كما تستخرج قطر 450 ألف برميل من النفط الخام من الطبقة النفطية لحقل غاز "بارس جنوبي"، وهو ما يزيد 13 مرة عن إنتاج إيران من نفس الطبقة.

بالإضافة إلى ذلك، تشترك إيران وقطر في حقل "الرشادات" النفطي، حيث تنتج كل دولة ما بين 10000 إلى 15000 برميل يوميًا.

والخيار الوحيد أمام إيران هو التوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن برنامجها النووي، الذي يُنظر إليه على أنه يؤدي إلى اكتساب القدرة على صنع الأسلحة.

كما تحتاج طهران إلى تغيير سياسة الهيمنة في المنطقة. وبدون حدوث تحول كبير في سياستها الخارجية، فإن الطاقة والقطاعات الأخرى في اقتصادها المنهك سوف تعاني.