وزير خارجية إيران السابق.. في مذكراته: "طالبان" وصلت للسلطة بـ "المال الإيراني"

تطرق وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، في مذكراته، التي نُشرت على هيئة كتاب له، مؤخرًا، إلى العلاقة بين إيران وحركة طالبان الأفغانية، مدعيًا أن الحركة وصلت للسلطة بفضل الأموال الإيرانية.

وأقر ظريف، في مذكراته، بـ "أخطاء في التقديرات" من جانب إيران في تقييم التعامل بين "طالبان" والولايات المتحدة الأميركية.

وذكر أن حركة طالبان سيطرت على أفغانستان "بالمال الإيراني"، لكن بعد سقوط الحكومة الأفغانية السابقة وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كانت حركة طالبان "متطاولة" في تعاملها مع إيران، حسبما جاء في مذكراته.

وقدم ظريف، في هذا الكتاب، الذي حمل عنوان "طريق الصبر.. انطباعات ثماني سنوات في الوزارة"، تفاصيل حول قوة ونفوذ "الرؤية العسكرية" في القرارات الإيرانية المتعلقة بأفغانستان، بدلاً من اعتماد القنوات الدبلوماسية.

وأكد أن خطأ إيران في دعم "طالبان"، هو أنها أعطت الأولوية لـ "طرد" أميركا من أفغانستان، على كل شيء آخر، وهذا "أدى إلى تدمير كل إنجازات إيران في أفغانستان".

الجانب العسكري بديلًا عن الدبلوماسية

وكتب وزير الخارجية الإيراني السابق، في مذكراته، أنه بعد سقوط "طالبان" في الجولة الأولى من حكمها في التسعينيات، كانت لإيران سياسة "متوازنة" في أفغانستان، وكانت نشطة في مجالين بالوقت نفسه: الدبلوماسية والعسكر (الميدان).

ويشير مصطلح "الميدان"، في الأدبيات السياسية لإيران، إلى أنشطة الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك الدعم العسكري للجماعات المسلحة في المنطقة. وسبق أن استخدم جواد ظريف، في تسجيل صوتي نشره، كلمة "ميدان" للإشارة إلى تدخل مسؤولين أمنيين إيرانيين في الشؤون الدبلوماسية.

وكتب ظريف في مذكراته الجديدة أن نجاح إيران في أفغانستان كان عندما دعم "الميدان" والدبلوماسية بعضهما البعض، قائلًا: "في ذلك الوقت، كنا نتحدث، وكان سليماني ينسق الميدان وندعم بعضنا البعض".

واعتبر "ظريف" أن وصول أعضاء تحالف الشمال الأفغاني المقرب من إيران إلى السلطة بعد مؤتمر بون عام 2001، "إنجازًا"، ويطلق على الأعضاء السابقين في تحالف الشمال اسم "أصدقاء" طهران. وفي الحكومة الانتقالية الأفغانية، تم تخصيص 18 مقعدًا من أصل 27 لأعضاء تحالف الشمال.

ووفقاً لتصريحات "ظريف"، فإن سياسة تزامن الدبلوماسية والميدان تجاه أفغانستان قد تغيرت في عهد رئاسة محمود أحمدي نجاد.

وقرر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تسليم ملف الدبلوماسية إلى القوة العسكرية وخططها.. واصفًا هذه السياسة بالخطأ، وقال إن عدم كفاءة الجهاز الدبلوماسي الإيراني في اتخاذ القرارات أدى إلى تراجع حضور ونفوذ طهران في الاجتماعات الإقليمية والدولية حول أفغانستان.

وأضاف وزير الخارجية الإيراني السابق أنه شخصيًا كان لا يؤيد مثل هذه السياسة، وحذر مرارًا من أن الاعتماد على "الميدان" بدلًا من الدبلوماسية "سيدمر كل الإنجازات الدبلوماسية والعسكرية لإيران في أفغانستان".

وأضاف ظريف، أنه "في ربيع عام 2023، كانت حركة طالبان متغطرسة تجاه إيران، وكانت هذه ذروة سياسة إيران الخاطئة تجاه الحركة".

وفي هذه الفترة الزمنية اشتبك حرس الحدود الإيراني مع قوات طالبان في مقاطعتي نمروز وزابل. وأفادت وسائل إعلام إيرانية بمقتل اثنين من حرس الحدود الإيرانيين، كما أكدت حركة طالبان مقتل أحد عناصرها، وبعد ذلك، ترددت أنباء عن وقوع اشتباكات متقطعة بين حركة طالبان وحرس الحدود الإيراني.

طالبان جاءت للسلطة بالمال الإيراني

وكتب ظريف أن أحد أخطاء إيران فيما يتعلق بأفغانستان، هو أنها "أعطت الأولوية للمواجهة مع أميركا أكثر من أي شيء آخر"، بينما نظرت الدول الأخرى أيضًا إلى حقائق أخرى، واستندت إليها قراراتها وسياساتها.، فعلى سبيل المثال، كان لدى الصين وروسيا نهج مختلف تجاه حركة طالبان، ولم يضحيا بمصالحهما الوطنية من أجل الصراع مع أميركا.

ووصف جواد ظريف مفاوضات "طالبان" مع الولايات المتحدة، بأنها سوء تقدير من جانب إيران، وكتب أن "طالبان استفادت بشكل غير مبرر من دعمنا. لكنها تفاوضت مع أميركا، واستطاعت بسط سيطرتها في أفغانستان على حسابنا. في هذه العملية، كنا ندفع بعدة طرق لعدة سنوات".

ولم يقدم وزير الخارجية الإيراني السابق تفاصيل حول هذه "التكلفة"، ولم يوضح نوع المساعدة، التي قدمتها طهران لـ "طالبان"، وعلى أي مستوى تم ذلك، بحيث يمكِّن طالبان من سيطرتها على أفغانستان.

ومع ذلك، فقد نُشرت تقارير عديدة عن الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران لحركة طالبان خلال سنوات الوجود الأميركي في أفغانستان.

وصرح مسؤول كبير سابق بوزارة الدفاع الأميركية، في إحدى الحالات، لـ "أفغانستان إنترناشيونال"، بأن إيران قدمت ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويًا لـ "طالبان" منذ عام 2012.

وقال المستشار السابق لحلف شمال الأطلسي، كارتر مالكاسيان، إن مساعدات إيران لـ "طالبان" كانت صغيرة في العقد الأول من الوجود الأميركي في أفغانستان، لكن بعد عام 2012، زادت مساعدات طهران لهذه الحركة بشكل كبير.

وأكد "ظريف" أن إيران أنفقت الكثير لتوريط أميركا في أفغانستان، وكان ذلك خطأ طهران. لأنه- على حد قوله- "حتى من دون تدخل إيران ودفعها هذه التكلفة، ظلت أميركا عالقة في مستنقع أفغانستان وستبقى عالقة".

إيران "تصنع الأوهام" حول "طالبان" وتعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية

اعترف وزير الخارجية الإيراني السابق، في مذكراته، بخطأ استراتيجي آخر ارتكبته إيران تجاه "طالبان"، قائلاً: إن طهران اعتقدت أنها من خلال دعم "طالبان" بشكل كبير، ستتجنب هذه الحركة أي تفاهم مع الولايات المتحدة.

ويبدو أن تصور طهران كان أنه من خلال دعم "طالبان"، وعدم مشاركتها في مفاوضات الحركة مع الولايات المتحدة، والاجتماعات الإقليمية والدولية حول مستقبل أفغانستان، يمكنها إجبار الولايات المتحدة على مغادرة أفغانستان، دون التفاهم مع "طالبان".

وقال: "على الرغم من الجهود الكبيرة، لم تتمكن وزارة الخارجية الإيرانية من الحصول على إذن بالمشاركة في المفاوضات بين أميركا وروسيا والصين وباكستان، بشأن أفغانستان، وكان الوهم بأن طالبان ستقف ضد أي تفاهم مع أميركا هو السبب الأول لهذا الغياب".

وأضاف ظريف: "المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، تمت دون حضور إيران وانتهت. ومن خلال المشاركة في الحوار الرباعي مع الولايات المتحدة، حافظت روسيا والصين وباكستان على مصالحها في هذه العملية، وأدارت الخسائر وقلصتها إلى الحد الأدنى، لكننا دفعنا التكاليف فقط، ولانزال نفعل ذلك".