إيران تحول بوصلتها الاقتصادية إلى الصين هرباً من العقوبات الأميركية
كُتب على الفسيفساء الزرقاء الموجودة على باب وزارة الخارجية الإيرانية في طهران شعار يلخص السياسة الخارجية للبلاد بعد ثورة 1979: "لاشرقية ولا غربية جمهورية اسلامية".
لكن تحت ضغط العقوبات الأميركية وأملًا في تحسين العلاقات مع الدول الأخرى، حققت إيران تحولًا استراتيجيًا، حيث تعمل على مشروع "شامل" مدته 25 عامًا لتصبح "الشريك الاستراتيجي المهم" للصين.
تحاول إيران، بهذا المشروع، الذي وافقت الحكومة على مسودته في يوليو (تموز) 2020، ترسيخ مكانة أفضل لنفسها والحفاظ على اقتصادها في مواجهة العقوبات الأميركية والتقاعس الأوروبي عن إنقاذ الاتفاق النووي.
وتعد روسيا والصين، بالنسبة للأصوليين الإيرانيين (المعادين للغرب)، بمثابة عمل متوازن لإرسال رسالة إلى الدول الغربية مفادها أن "إيران ليست وحدها".
حتى الإصلاحيون، الذين عادة ما يكونون موالين لأوروبا، يتفقون مع التوجه نحو الصين، حيث قال المحلل الإصلاحي سعيد ليلاز: "في هذه السنوات، عززت الصين موطئ قدمها في إيران دون محاولة التدخل في استقرار إيران السياسي وأمنها واستقلالها. وهذا ما يميز الصين عن الولايات المتحدة وحتى روسيا، فكلتاهما على استعداد للتدخل في شؤون إيران الداخلية".
تطرقت "فاينانشال تايمز" إلى وثيقة هذا المشروع الشامل بين إيران والصين، المكونة من 18 صفحة، والتي تغطي مجالات التعاون المشترك في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والتكنولوجيا والجيش والمشاريع البحرية. وعلى الرغم من بعض التقارير عن وجود عسكري صيني في إيران وجزيرة كيش، فإن الوثيقة لا تقدم تفاصيل عن ذلك.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإيران في الوقت الحالي، حيث تفرض الولايات المتحدة عقوبات خانقة تمنع الشركات من التعامل مع إيران. وبحسب الجمارك الإيرانية، بلغ حجم المعاملات بين إيران والصين العام الماضي 20.7 مليار دولار، ولا يشمل هذا الرقم البضائع الصينية التي تستوردها إيران من دول مثل الإمارات العربية المتحدة.
لكن وفقًا لرجال الأعمال الإيرانيين، فإن توسيع نطاق هذه المشاريع غير ممكن دون تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث قال بدرام سلطاني، وهو رجل أعمال يتاجر مع الصين، لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "هذا الاتفاق قرار سياسي لإيران ولكنه قرار تجاري للصين، مما يعني أنه طالما بقيت العقوبات سارية، لا يمكن للصين أن تكون لديها مشاريع جادة مع إيران، فالمؤسسات المالية المعتمدة والبنوك الصينية والشركات الكبرى لن تعرّض مصالحها في السوق الأميركية للخطر من خلال الاستثمار في إيران".
وبحسب يو جي، كبير الباحثين في معهد تشاتام هاوس، المعهد الملكي للشؤون الدولية، في لندن، فإن موقع إيران الجيوسياسي له "أهمية استراتيجية" بالنسبة للصين، خاصة بسبب قربها من باكستان، حيث تشارك الصين في مشاريع البنية التحتية الباكستانية عبر الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ويمكن أن تكون إيران بوابة مهمة جدًا للصين.
وبالطبع، لا يزال هناك تعاون واسع بين إيران والصين. فالصين هي واحدة من أكبر الأسواق لصادرات النفط الخام الإيراني. وقال مدير شركة شحن كبيرة، طلب عدم نشر اسمه، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن الواردات من الصين تضاعفت هذا العام، وإنه يتوقع زيادتها. كما أعلن عمدة طهران، بيروز حناشي، في يوليو، أن إيران تجري محادثات مع الصين لشراء 630 عربة قطار لمترو طهران.
ويتوقع محللون إيرانيون أن يتم توقيع الاتفاقية بين إيران والصين العام المقبل، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية والإيرانية، لكن مستوى التعاون سيعتمد على المفاوضات مع الولايات المتحدة.
وقال مصدر مطلع في النظام الإيراني لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن الصين ستوقع بلا شك اتفاقية مشروطة، وقد يعتمد الاستثمار على صادرات النفط الخام، وستستمر الصين في لعب هذه اللعبة حتى تُرفع العقوبات الأميركية، وعندها ستكون الصين في طليعة المستفيدين.
وقال إن إيران لا تثق بالقوى العالمية، لكنها ترى الولايات المتحدة على أنها "ذئب كبير" والصين "جيش من النمل"، وأضاف: كلاهما سيفرغ مستودعاتنا. نحن نخشى عندما ننظر إلى الذئب، ولكن لا نخاف من هؤلاء النمل".