تشاهد صفحة من الموقع القديم لـ Iran International لم تعد محدثة. قم بزيارة iranintl.com لعرض الموقع الجديد.

خوف القوى الأمنية الإيرانية وترددها

بالنظر إلى الفترة الحرجة التي مرت وما زالت تمر بها الجمهورية الإسلامية في الأيام والشهور الأخيرة، فإن أحد المكونات المهمة التي تسلط عليها الأضواء الآن، هي قوات حفظ أمن النظام التي تنحصر وظيفتها بموجب تعريفها المحدد في المادة 150 من الدستور الإيراني في الحفاظ على النظام الحاكم، وبالتالي فإن لها مكانة خاصة مقارنة ببقية القوات المسلحة الأخرى في البلاد، وعليه فإن ظروفًا دقيقة وحساسة تسيطر أيضًا على هذه القوات.

تعرف هذه القوات باسم حرس الثورة الإسلامية، ووظيفتها حفظ وتعزيز قوة النظام الإسلامي ونفوذه الاستراتيجي داخل إيران وخارجها، هذه القوات المؤثرة لم تُستثن بدورها من التأثر بالظروف والمتغيرات، ولا سيما في السنوات والأشهر الأخيرة، ولحق بها الكثير من تأثير الظروف الداخلية والخارجية.

في نظرة عامة، من احتجاجات عام 2009 حتى الآن، ومع استمرار القمع المتكرر لمعارضي ومنتقدي النظام، ظهرت علامات الإحباط وحتى القلق على القوات المذكورة بل أيضًا شهدت زعزعة في الجوانب الآيديولوجية للمؤمنين بهذه القوة يمكن ملاحظتها في وسائل التواصل الاجتماعي.

تجلت هذه الزعزعة في مظاهر كثيرة مرورًا بخروج عائلات وأبناء بعض العسكريين وغيرهم من القوات متوسطة المستوى في البلاد إلى إعلان براءة بعض متوسطي الرتب من قمع الاحتجاجات الشعبیة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وتمزيق بطاقات عضوية بعض العناصر في الفيديوهات المتداولة وإعلان البراءة ورفض عملية القمع، وكلها أمور تظهر الشك وحتى الخوف بين عناصر هذه القوات من تبعات هذا القمع العنيف.

لكن هذه القوات تلقت للتو ضربة قاسية لا يمكن تعويضها، ألا وهي مقتل سليماني أكبر قياداتها وأبرزهم وأكثرهم إيمانًا واعتقادًا بها على يد أكبر عدو للنظام أي الولايات المتحدة.

والسؤال الذي شغل الكثير من المحللين هو أنه على الرغم من التحديات الكثيرة التي يواجهها الحرس الثوري، ما هي المشكلات الجديدة التي ستواجه الحرس وما هي العقبات التي ستقف في طريقه غير السالك.

أسباب التهالك والضعف

في بادئ الأمر، تجدر الإشارة إلى ما لحق بهذه القوات خلال السنوات الماضية لنتمكن من رسم صورة أكثر دقة عن الأوضاع الحالية.

أحد أهم الأسباب التي أثرت على الحرس الثوري هي رؤية وعلاقة القائد الحالي للنظام، أي المرشد الإيراني، بمؤسسي وقدماء الحرس الثوري، وهي علاقة تشوبها أزمات كثيرة بدأت منذ أيام الحرب بين علي خامنئي وبعض قادة الحرس الثوري السابقين.

ما يمكن تلخيصه من سجلات الحرب هو أن قادة الحرس الثوري لم يهتموا كثيرًا بخامنئي خلال الحرب، ولم يأخذه أحد على محمل الجد، الأمر الذي لم يعجب بالطبع خامنئي، ولذا فإنه بعد الوصول إلى قيادة البلاد بدعم وإصرار من هاشمي رفسنجاني، حسب ما يرى كثير من قادة الحرس الثوري، قام بعزل كثير من القادة أيام الحرب، بمن فيهم محسن رضائي، عن زعامة الحرس الثوري وتعيينهم في أماكن أخرى، وبالمقابل عين علي خامنئي قادة جددًا كانوا أکثر قرباً منه، الأمر الذي خلق بحد ذاته فجوة غير عميقة، لكن مؤثرة.

بعد هذه المرحلة وصل قادة الحرس الثوري الإيراني إلى القطاعات الاقتصادية والسياسية في إيران بإذن من المرشد الإيراني الجديد ومساعدة هاشمي رفسنجاني، وتحولوا تدريجيًا من قوة مثالية مبنية على القيمة إلى قوة ملوثة بالسياسة والاقتصاد، لدرجة أنهم في كثير من الحالات استخدموا قوتهم العسكرية للتنمر واحتكار وفرض وجودهم على المنافسين السياسيين والاقتصاديين المحليين والأجانب.

وهناك كثير من الأمثلة على هذا الادعاء، في المجال الاقتصادي، حيث يمكن الإشارة إلى سيطرتهم على مدرج الإمام الخميني بمركبات مدرعة، لاستبعاد منافس تركي من عقد تجاري، واحتكار أحد أهم المطارات في الشرق الأوسط، والحصول على مشاريع إنتاجية ضخمة، ومشاریع توزيع شبكة الكهرباء، ومشاريع مصافي تكرير النفط واستخراجه، ومشاریع استيراد الصناعات الخفيفة والثقيلة، ومشاریع النقل الجوي والبحري، وإنتاج السيارات الصغيرة والثقيلة، وحتى إنتاج وتوزيع المنتجات الزراعية والمواد الغذائية وحتى الملابس، كلها نماذج على الوجود القوي للحرس الثوري في القطاع الاقتصادي ومحاولته احتكار هذا القطاع.

بناء على ذلك، فإن الحرس الثوري أصبح ضالعًا بشكل كبير في الفعاليات التجارية والاقتصادية، وكذلك الفساد الموجود في هذا المجال، مما جعله يتحول من قوة ذات قيم ومبادئ، إلى قوة تسعى لتحقيق الربح، الأمر الذي ألحق ضربة قوية بالطبيعة الأساسية لهذه القوات غيّرت ولاء عناصرها من المجال الآيديولوجي إلى الولاء المالي والمصالح التجارية، لدرجة أن تركيز هذه القوة على الحفاظ على الآيديولوجيا الثورية وتوسيعها قد انتهى.

بالطبع إلى جانب الفضائح الاقتصادية والفساد الواسع النطاق، بما في ذلك حالات الاختلاس الكثيرة وتضخم  ثروة مسؤولي الحرس الثوري وأقاربهم، تشير الأخبار الميدانية إلى أن جزءًا من قوات الحرس الثوري المتوسطة والدنيا تعاني من مشاكل مالية معيشية، وقد أصيبوا بالإحباط، وبالتدريج ستؤدي هذه الحالة إلى انقسام عميق بين القوات البسيطة والميدانية في هذه المؤسسة وكبار قادتها.

ولكن من الناحية السياسية، حدث شيء آخر، وهو وجود قادة تم التخلي عن مهامهم في الحرس، ضمن معسكرات سياسية معروفة إلى جانب الإشراف القانوني على الأنشطة الحزبية، أدى إلى ابتعاد هذه القوات التي كانت تحمل مهمة عسكرية للحفاظ على أمن النظام، عن خطها الأصلي، عبر دخولها في التحالفات السياسية، لتستهلك في المنافسة السياسية الكثير من قواتها.

هذا السبب وغيره دفع بعض القوى التي كانت ملتزمة سابقًا بالمبادئ الأساسية للثورة وشعاراتها، للإحباط وحتى الشعور بالاشمئزاز من الوضع الراهن.

أنا شخصيًا، بوصفي كاتب هذا المقال، أستند إلى تجربتي الشخصية في سنوات عملي مع القسم اللوجستي لقوة الشرطة، آنذاك كنت أشاهد عن قرب غضب واستياء وحتى کراهية بعض قادة الحرس الثوري السابقين، للنظام و للمرشد الإيراني أیضاً.

لكن الموضوع لم ينته هنا، ولا بد من القول إنه في الوقت الحالي وبعد قمع الشعب في احتجاجات نوفمبر، تسرب الخوف إلى بعض عناصر هذه القوات على مختلف المستويات وأصبحت قلقة وحتى مترددة في الدفاع عن النظام.

الضربة القاضية

اليوم، وبينما أصبحت إيران وجهًا لوجه مع القوات الأميركية ودخلت في مواجهة عسكرية مع الأميركيين بسبب مقتل سليماني، يمكن أن نرى أن مستوى القلق والشك بين عناصر الحرس قد زاد.

لقد كان قاسم سليماني القائد الذي يمكن أن يؤثر على ولاء قواته، فرغم كل الظروف المذكورة والتي ساهمت في الضعف الآيديولوجي والتردد، كان لدى سليماني التزام وإخلاص للمرشد الأعلى وكان العسكري المقرب وموضع الثقة.. لقد كان سليماني القائد الوحيد الموجود في الدائرة القريبة جدًا من المرشد دون أي قيود، وفي بعض النواحي كان أقرب حتى من بقية المسؤولين في النظام.

والآن تم القضاء على هذه الشخصية المهمة في هجوم مفاجئ، وحمل هذا الحدث المهم مفاجأة كبرى للنظام ومرشد الجمهورية الإسلامية.

يعتقد الكثيرون أن مقتل هذا المسؤول العسكري فاجأ المرشد الأعلى وكل النظام، ولكن ينبغي القول إن المفاجأة لم تكن موت قاسم سليماني، بل كان مستوى ردة الفعل الأميركي والطريقة التي لعبوا بها في هذه الآونة من الزمن مما أثار دهشة طهران.

قاسم سليماني والمرشد الإيراني كلاهما كان على علم باحتمالية قتله في الصراعات المحلية والأجنبية، ولم يكن لديهما شك في أن هذا الأمر سيحدث في يوم من الأيام، ولكن طريقة قتله وتوقيت الحادث ووقوعه بيد القوات التي تواجه الحرس الثوري حاليًا وخارج الحدود، وضع الجمهورية الإسلامية تحت الضغط وأرعب بالفعل النظام وأنصاره.

يمكن توقع أن هذه المفاجأة، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى المذكورة أعلاه في المقال، ستحمل تأثيرًا مدمرًا للغاية على جميع قوات الحرس الثوري الإيراني، من القادة والقوات العليا إلى القوات المتوسطة والدنيا.

من جهة أخرى، وبالنظر إلی ما تحظی به القوة العسكرية للحرس الثوري من تأثیر في إيران، فمن المتوقع أن تخضع لتأثیرات متبادلة،  في مختلف المجالات التي تنشط فيها، مما سیخلق لها تحديات مستقبلية. في هذه المرحلة وبالنظر إلى القوة ورأس المال والموارد المالية والروحية للحرس الثوري، والتي تتأثر بشدة بالمستنقع الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن الخوف من قتل مسؤولين كبار آخرين، فإن انهيار النظام والهزيمة في حرب محتملة ضد الولايات المتحدة سيعكس بوضوح إلى أي مدى سيتمكن النظام السياسي وأنصاره المعنويين من الصمود.

ونظرا للأحداث الأخيرة، في السياسة ومواجهة الأعداء الأجانب، خاصة مع غياب قاسم سليماني العقل المدبر والذكي وكذلك الملتزم بالنظام، لا يمكن أن نتوقع أن سليماني استطاع الحفاظ على هذه القوات في مأمن من النفوذ والعلاقات السرية مع قوى أجنبية أخرى، حتى تلك المعادية.

 

الظروف غير مطمئنة

تجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل اغتيال قاسم سليماني بقليل وبعد حملة القمع لاحتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، انتشرت بعض الشائعات غير الموثوقة حول اجتماعات سرية وخلف أبواب مغلقة بين قادة سابقين ساخطين من الحرس وقادة فعليين من المستويات الوسطى والدنيا، بعيدًا عن هذه الشائعات والأخبار، يمكن الانتباه إلى أن الحرس الثوري على مختلف المستويات، من كبار القادة القدماء إلى القادة الجدد وحتى الضباط والمجندين من المستوى المتوسط إلى العناصر، قلقون حيال مستقبلهم، لدرجة أنهم بدأوا محاولة فهم الموقف الحالي وإيجاد الحلول اللازمة ليوم قادم لا بد منه.

من خلال الأنباء غير المؤكدة ما قبل مقتل قاسم سليماني، يمكن الإشارة إلى اجتماعات قادة الحرس الثوري السابق في مدينتي قم ومشهد الدينيتين، إضافة إلى اجتماعات أعضاء الحرس في بعض المجالس الدينية والحسينيات في المدن المختلفة. والتي تشير بوضوح إلى أن القوات المسلحة أصبحت فاسدة على مختلف المستويات وفي جميع أنحاء البلاد، وبدأت تواجه مشاكل كثيرة في الحفاظ على عناصرها، ولا سيما بعد تعرض البلاد إلى نقص في التمويل بسبب العقوبات، وعدم وجود دولارات نفطية، وإلغاء عقود تجارية واقتصادية مهمة. كما يعد قمع وقتل المحتجين، ومقتل قاسم سليماني، تحديًا مضاعفًا لعدم قدرة الحرس الثوري على توفير لقمة العيش لقواته الرئيسية والفرعية وبالتالي لن تلبى حاجات هذه القوات أمام التحديات الأمنية الخطيرة المقبلة.

النقطة المهمة هنا أنه وعلى الرغم من الإحساس الوطني لدى هذه القوات، إلا أنهم مثل بقية الإيرانيين، وحسب التجربة التاريخية، فضلوا الانسحاب إلى الوراء، بدلاً من مواجهة أي تهديد حينما شعروا بالدمار، وطالبوا بمرحلة انتقالية في ظل ظروف قاسية، والحرس الثوري ليس استثناء عن بقية الإيرانيين.

الآن يجب مراقبة ما سيحدث في ضوء الأحداث المقبلة، كيف سيتمكن الحرس الثوري دون وجود قائدهم الكبير سليماني، ومع المرشد المجروح والغاضب، من الدفاع عن النظام والثورة والقيم التي تشوهت، وهل سيكون للحرس باتباعه المرشد قوته السابقة؟

محلل سياسي وخبير اقتصادي
إيران بالمختصر
ذكرت صحيفة "همشهري" الإيرانية أن بعض الأشخاص، ومن خلال وصولهم إلى أنظمة وزارة الصحة، يقومون بإصدار شهادات لقاح "استرازينكا" مزورة بمقابل يتراوح ما...More
قال صدر الدين عليبور، مدير منظمة إدارة النفايات في بلدية طهران، إن المنظمة قررت استبدال صناديق النفايات الموجودة في طهران بصناديق مغلقة؛ حتى "لا...More
أعلن محمود نيلي، رئيس جامعة طهران، عن إرسال رسالة إلى رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين محسني إجه إي، من أجل الإفراج عن الطالب السجين كسرى...More
ذكرت صحيفة "شرق" أنه لا يمكن للإيرانيين المقيمين في جورجيا العودة إليها. وكتبت أنه حتى الإيرانيون الذين يحملون جوازات سفر وبطاقات إقامة جورجية ظلوا...More
أفادت وسائل إعلام هندية عن إيقاف زورق إيراني يحمل هيروين. وكانت وسائل إعلام هندية قد قالت إن حرس الحدود وشرطة مكافحة الإرهاب ضبطوا زورقًا إيرانيًا...More